ينهار مخزون احتياطي الصرف الوطني من العملة الصعبة بشكل متسارع، يجعل مستقبل الجزائر خلال الأشهر القليلة المقبلة مهددا على صعيد التوازنات المالية الكلية للبلاد، لتطرح بذلك العديد من علامات الاستفهام الكبيرة في سياق تسديد المستحقات المترتبة على الخزينة العمومية في شكل ديون للمؤسسات وأجور للموظفين في القطاع العمومي على السواء، لاسيما في ظل عدم قدرة أسعار النفط على تسجيل مستويات مقبولة، على الرغم من كل المحاولات لإنعاشها. على خلاف التوقعات الأولية "المتفائلة" للسلطات العمومية، والمستمدة أساسا من الاستناد إلى التمويل غير التقليدي في الخروج من فكي الأزمة الحالية، فإنّ مخزون الجزائر من الأموال الصعبة المودعة في البنوك الأمريكية التي تمثل 51.6 مليار دولار فقط مع بداية السنة المقبلة، ستزيد من وطأة الأزمة المالية الخانقة للمنظومة الاقتصادية والتوازنات العامة للبلاد، لتجر معها كل الأنشطة الاقتصادية وعمل المؤسسات في القطاعين العام والخاص دون استثناء، في وقت تتحكم القرارات السياسية في مجمل التوجهات الاقتصادية، كما هو الشأن بالنسبة للتدابير الأخيرة المقررة من قبل السلطات العمومية في مجال غلق باب الاستيراد على المتعاملين الاقتصاديين. وبالرجوع إلى منحنى تراجع الاحتياطي، يتضح بأنّ السقوط الحر للمخزون يترجم من ناحية الأرقام في ضياع حوالي 2 مليار دولار شهريا، وبالتالي فإنّه يقدر حاليا بحوالي 68 مليار دولار بالنظر إلى آخر رقم رسمي قدم في هذا الشأن، حيث بلغ 72.6 مليار دولار مع نهاية أفريل 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، أي بانخفاض قدره 7.88 مليار دولار في أربعة أشهر، وهو الأمر الذي يجعل الجزائر تواجه أزمة حقيقية في تأمين وتغطية الواردات الوطنية المتزايدة في الأشهر المقبلة. وبعد تسجيل احتياطات الصرف الوطنية خلال السنة المقبلة 51.6 مليار دولار، من المتوقع - حسب الأرقام الرسمية - أن ينزل هذا المخزون إلى 33.8 مليار دولار في عام 2021، على الرغم من التزام الحكومة في سياق التقليل من وتيرة السقوط الحر للاحتياطي بمسعى يقوم على عقلنة الواردات من السلع، من خلال جعلها تقتصر على الاحتياجات الحقيقية للسوق الوطني، بانتظار تعميم هذا المنهج على قطاع الخدمات. وتواجه الجزائر، بداية من العام الداخل، أزمة مالية ستترجم في شكل العجز عن تغطية النفقات العمومية، كون أنّ متوسط الواردات الوطنية السنوية يقدر بحوالي 43 مليار دولار، بينما يعمق عدم تعافي أسعار المحروقات الأزمة المالية، خاصة وأنّه يمثل أزيد من 92 في المائة من مجمل الصادرات الوطنية، بالإضافة إلى انعدام بدائل على طاولة الحكومة بعدما تخلت عن "طوق نجاة" ولو كان ظرفيا؛ وهو التمويل غير التقليدي، عبر قرارها بإلغاء عملية طباعة النقود نهائيا. ويلقي الوضع الحالي المؤسسات العمومية بالمقام الأول، بين أحضان الاستدانة الخارجية في محاولة أخيرة لإنقاذها من الإفلاس، بصرف النظر عن التبعات على اتخاذ هذا النوع من القرارات على النشاط والاستثمار، ووجودها في نهاية المطاف، باعتباره التوجه الذي باشرته عدة مؤسسات وطنية، على غرار سونالغاز، التي فتحت لها الحكومة باب الدّين الخارجي للتأقلم مع الوضع القائم.