قال الباحث والمحلل السياسي اللبناني داوود رمال في حواره مع "الخبر" أن العائق الوحيد الذي يقف أمام حل أزمات لبنان هو عدم العمل بدستور 1990 لاسيما في النص المتعلق بإعداد قانون انتخابي نيابي خارج القيد الطائفي، معتبرا أن بعض الدول الأجنبية تحاول الاستثمار الواقع الإنساني في بيروت لأغراض سياسية. رئيس الحكومة اللبنانية دعا لإجراء انتخابات نيابية مسبقة، هل يحق له ذلك قانونيا ؟ رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب أيد إجراء انتخابات مبكرة، ومن موقعه الدستوري له الحق أن يؤيد أو يرفض، ولكن الآلية الدستورية تنص على إعداد مشروع قانون في مجلس الوزراء يوافق عليه المجلس بأكثرية الثلثين ومن ثمة يحال إلى مجلس النواب وإذا وافق عليه تتم الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، إذا عملية إجراء انتخابات مسبقة مقرونة بثلتي أعضاء الحكومة وموافقة المجلس النيابي.
وهل تسمح الظروف الاقتصادية والسياسية في البلاد بتجسيد هذه الخطوة؟ عادة الانتخابات النيابية في لبنان تحرك العجلة الاقتصادية، كون أغلب الذين يدخلون الندوة البرلمانية هم من رجال الأعمال والأغنياء وبالتالي تكثر الرشاوى وعمليات دفع المال إلى المفاتيح الانتخابية وما إلى هناك، لا عائق اقتصادي أمام إجراء الانتخابات البرلمانية، لكن من الجانب السياسي هناك عائق، فهل الدعوة لإجراء انتخابات ستكون وفق القانون الحالي؟ لأنه إذا تمت وفق القانون الحالي هذا يعني أنه سيتم إعادة إنتاج نفس الطبقة السياسية الحالية، أما إذا ذهبنا إلى قانون جديد وفق الدستور الذي ينُص على اعتماد المحافظة بعد إعادة النظر في التقسيمات الإدارية على قاعدة النسبية، حينها يمكن تبدل المشهد السياسي في لبنان، ولكن على شرط أن يكون قانون الانتخابات خارج القيد الطائفي كما ينص الدستور، على أن تتمثل الطوائف الدينية بشكل متساو في مجلس الشيوخ.
كيف تفسر اقتحام المحتجين إلى مقرات بعض الوزارات اللبنانية خلال المظاهرات؟ مشهد اليوم في بيروت مختلف عن مشهد 17 أكتوبر من نزلوا إلى الشارع هم مناصرين ومنتسبين لأحزاب سياسية خارج السلطة وليسوا من المجتمع المدني، وبالتالي من نزلوا هم شركاء في السلطة منذ 30 عاما وشركاء في الفساد وفي وصول الوضع في لبنان إلى ما آل إليه، التركيز على وزارات محددة ومنها البيئة على وجه التحديد يبدو أن الهدف منه تلف ملفات لوزراء شغلوا هذه الحقيبة وينتمون إلى القوى السياسية التي نزلت إلى الشارع، ملف البيئة في لبنان مليء بالفضائح والكوارث التي تمتد من وقت استيراد براميل النفايات السامة وتمرها في أعالي الجبال، وصولا إلى استيراد الأمونيوم وتخزينه في المرفأ، وما حصل نتيجة ذلك من كارثة كبيرة في بيروت.
نجحت الاحتجاجات في إسقاط حكومة الحريري سابقا، لكن حتى حكومة حسان دياب التي جاءت بعدها لم تنجح في امتصاص غضب الشارع، أين المشكل التحديد؟ من موقع الموجود في لبنان والمتابع للمشهد السياسي، والمنخرط فيه، أقول أن حراك 17 أكتوبر لم ينجح في إسقاط حكومة الرئيس الحريري، إنما سقطت بفعل أمر خارجي، وهذه المسألة لم تعد خافية على أحد، فلو أراد الرئيس الحريري البقاء، لما كان يمنعه أي شيء، بدليل أنه ذهب وتشكلت حكومة من أكثرية نيابية، وتحت عنوان وزراء التكنوقراط أعادت ممثليها إلى السلطة التنفيذية ولم يفعل الحراك شيئا، خاصة بعد أن دخلت عليه قوى سياسية حرفته عن طلباته النظيفة، وكما نقول في لبنان ''ركبوا موجة الحراك'' لغايات سياسية ولإعادة إنتاج اصطفافات سابقة لم يعد يقبل بها اللبنانيون.
ما الذي يعيق السلطة على إخراج البلاد من أزماتها؟ العائق الوحيد هو عدم تطبيق الدستور منذ العام1990 مع قيام الجمهورية الثانية وما اصطلح عليه دستور الطائف، بعد ميثاق ودستور1943، حيث اتفق اللبنانيون على دستور الطائف وسمي بالجمهورية الثانية، لكن هذا الدستور علق العمل به وطبق بشكل مشوه، ولم تطبقه الطبقة السياسية، ونتيجة ذلك وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، والسبيل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية، هو تطبيق الدستور لاسيما في النص المتعلق بإعداد قانون انتخابي نيابي خارج القيد الطائفي على أن يتم تشكيل مجلس شيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية أي الطوائف في لبنان بالتساوي، ويعرض على مجلس الشيوخ القضايا الوطنية الكبرى أما القضايا المتعلقة بعمل الدولة وسيرها تبقى عملية النظر فيها إلى المجلس النيابي الذي يكون العمل فيه خارج القيد الطائفي.
هناك مخاوف من إعادة سيناريو 2005 في لبنان، هل هذا محتمل؟ ظروف 2005 تختلف عن ظروف 2020 وقتها حصل زلزال كبير باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وجرى الاستثمار إلى أبعد الحدود في هذه الحادثة، الآن المشهد مختلف كليا، صحيح هناك انقسام سياسي في لبنان، ولكن هناك نزاع سياسي داخل القوى المنقسمة على نفسها، وبالتالي لا يمكن إعادة إنتاج مشهد 2005، بصريح العبارة هناك محاولات من قبل بعض القوى السياسية لأخذ البلاد إلى سيناريو يشبه 1975 وقت الحرب الأهلية، لفرض تسوية جديدة في لبنان تعيد لها الاعتبار في مواقع السلطة، باعتقادي حتى هذا السيناريو لن ينجح لأن الحل صار واضحا في لبنان ويرتبط بالذهاب إلى نظام مدني خارج القيود والتقسيمات الدينية، وتجاوز النظام السياسي القائم على التوزيع الطائفي والمذهبي.
هناك مساع دولية وأممية لجمع مساعدات مالية للبنان، هل تعتقد أنه يمكن ضمان وصولها إلى من يستحقها؟ الايجابية في هذه المساعدات أن الدول التي تقدمها ترسل معها فريقا متخصصا معها لإيصال المساعدات إلى مستحقيها بالفعل، وشكلت لجنة عليا في لبنان لتلقي المساعدات وتحديد نوعيتها، أي أن اللجنة تُحدد ما يحتاجه لبنان من مساعدات وتطلب من الدول تزويدها بها، فتعمد الدول على إيصالها إلى حيث طلبت الدولة اللبنانية، وحتى في مسألة إعادة الإعمار، ما هو مطلوب في لبنان هو إعادة تقسيم المنطقة التي دمرت كليا أو تأذت كثيرا في بيروت إلى مربعات، بحيث يطلب من الدول القادرة أن تعمل على إعادة إعمار مربع من المربعات الموجودة مباشرة دون أن تحول المال، وكما هو معروف لا ثقة في السلطة السياسية في لبنان، لأنها إذا وصل إليها المال سيذهب إلى الجيوب ولا يصل ولا يستثمر في المكان الذي يجب أن يستثمر به، ولكن لابد لأن أشير إلى مسألة أساسية، هي أن بعض الدول وليس كلها تستثمر في الواقع الإنساني الذي تشهده لبنان، بحيث ترسل طائرات ومساعدات ومستشفيات ميدانية تحت عنوان فرق الإنقاذ وما إلى ذلك، ولكن هناك خشية لبنانية تعمد إلى الاستثمار على هذا الواقع لكي ترسل فرق أمنية متخصصة، تدير بعض عمليات الشغب كما شهدنا في مظاهرات السبت في بيروت، فبدلا أن تدير الأزمات من عواصمها أو من خلف جدران السفارات في بيروت تديرها من الواقع تحت عنوان إنساني مثل المستشفيات الميدانية، لذلك القوة اللبنانية حذرة جدا من هذه المسألة وهي تراقب عن كثب اندفاع بعض الدول الكبير في إبداء استعدادها لتقديم المعونة سريعا وإرسال المساعدات والفرق المتخصصة، خاصة أن لبنان له تجربة مع هؤلاء بعد عدوان 2006، حيث تبين أن بعض الفرق الميدانية التي أرسلت هي فرق أمنية مخابراتية.