تكاد الألوان تختفي من معرض الفنان عمر قارة بعد أن طغى الأبيض والأسود على هذا الفضاء، لكن ذلك لم يمنع الإبداع من أن يظهر بجلاء ويبرر اختفاء الألوان. لم يترك الفنان شاردة ولا واردة إلا وتطرق لها عبر عناوين مختلفة، أغلبها اجتماعية، وفي مقدمتها المرأة.. وبين الأبيض والأسود يتفنن قارة في ترجمة المتحرك والمتغير، حيث يمتد المرسوم إلى حدود التعليق والمعالجة. استعمل الفنان عمر قارة في معرضه برواق عسلة الممتد حتى 17 جوان الجاري، تقنية الرسم بالحبر الصيني، وهذه التقنية هي الأقرب إليه، استطاع من خلالها التعبير بكل سلاسة عن مشاعره وانفعالاته. يتناول الفنان مواضيع عديدة، منها الظواهر التي مسّت المجتمع الجزائري؛ كظاهرة الحرقة التي هي في الأساس هروب من الواقع، إضافة إلى ظواهر أخرى، خاصة تلك الدخيلة عن مجتمعنا الجزائري، والتي هي بحاجة إلى العرض والتشريح كي تعالج ويتم تجاوزها. كما يقدم الفنان نماذج من تاريخ مجتمعنا من خلال شخصيات مهمة كان لها الأثر في تعزيز الهوية الوطنية، لتكون قدوة للشباب، وبالتالي الاستعانة بها للنهوض والاستمرارية. يرى الفنان أن تاريخنا لايزال مجهولا عند الشباب، بالتالي يجب استحضاره وقراءته، ومن ذلك إحياؤه في معارض فنية من خلال الصورة والمحتوى، وهي نوع من مساهمة الفن في تحصين ذاكرتنا الوطنية. كانت المرأة سيدة المعرض بحضورها القوي، ومثلت المرأة الشاوية الأصالة وكذلك المرأة الجزائرية، التي اختصرت كل ربوع الوطن. كما تضمنت لوحة أخرى الحكاية التي تفننت الجَدة في سردها، وبالتالي سرد الحياة التي غالبا ما تصنعها المرأة بصبرها وأحلامها ووفائها لعائلتها، خاصة منها الأطفال. ويبدو الفنان منحازا بالمطلق للمرأة الجزائرية، خاصة الأم والمرأة الريفية. موضوع آخر متعلق بلقمة العيش، وكيف أن الجميع يجري وراءها جري الوحوش، وطبعا فإن الحصول على "الخبزة ليس بالأمر السهل". وهناك لوحة "المهموم" الذي تحاصره يومياته الصعبة بدون أن يجد لها مخرجا. وفي لوحات أخرى توقف عند الأمل الأزرق الذي تُبنى عليه الآمال، فلولاه لما بقيت متعة ولا بقي خير يُذكر. من بين اللوحات المعروضة نجد لوحة "النيف"، وتتناول موضوع "الرجلة" التي تميَّز بها الرجل الجزائري، وتعكس التمسك بالقيم والشرف والاقتداء بالتقاليد التي تمنع التفسخ. ويعكس الإبداع عند الفنان عمر قارة طول التأمل الذي يرصد فيه تحولات الراهن والمحيط، فيبصم ذلك من خلال لمسة تحفّها المشاعر المرهفة، والانطباع الصادق لكل لقطة مرت لم يلتفت إليها الآخر. يحس زائر المعرض براحة نفسية تنتابه، كما يدخل من أوسع الآفاق إلى الريف الجزائري المعطاء والطيب؛ من الشاوية إلى القبائل والعروبي، وفي كل ذلك تعم "الابتسامة" و«الوفاء"، وتزرع البهجة في "الزواج" البعيد عن المظاهر الخادعة والمكلفة، ثم يستحضر "الحنين"، ومعه "هند" وغيرها، ليعيش المشاهد في كل ذلك رحلة أجمل من رحلة الألوان والريشة بكثير. عمر قارة من مواليد 1963 بسيدي امحمد بالعاصمة بشارع الفدائيين، الذي سقط فيه شهداء الثورة التحريرية. التحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة في اختصاص الفن التشكيلي والخزف ليختار الحبر الصيني، كما يقترح تقنيات يقوم بتجريبها، وله عدة معارض بالعاصمة وببعض السفارات. تعليق الصور : الفنان في معرضه - جانب من المعرض -لوحات ❊ مريم.ن