دخلت مخابر إنتاج الأدوية العالمية وخاصة تلك التي انخرطت في سباق إنتاج أول لقاح ضد فيروس "كوفيد 19" مع بداية الأسبوع المنعرج الأخير قبل إبرام أكبر الصفقات التجارية مع كل دول العالم المتضررة من هذا الوباء القاتل. واشتدت حمى التنافس، وقد دخلت هذه المخابر حرب بيانات راح كل واحد منها يؤكد أنه دخل المرحلة الثالثة من تجاربه السريرية للقاحه "المعجزة" الذي سيخلص العالم من كابوس جثم على عقول ونفسيات 7,9 مليار نسمة في كل العالم الذين أصبحوا ينظرون إلى هذا اللقاح وكأنه منقذ لحياة ملايين المصابين من فيروس "كورونا" الفتاك. وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أول من دشن هذه المزايدة التجارية الضخمة بتوقيعه مع شركتي "صانوفي" الفرنسية و«غلاكسو سميث كلاين" البريطانية صفقة لاقتناء 100 مليون جرعة لقاح في محاولة منه للحد من ارتفاع حالات الإصابة بالمرض التي تجاوزت عتبة 4,7 مليون مصاب ضمن حصيلة كارثية تتزايد أعدادها وفق معادلة "لوغاريتمية" بأكثر من 60 ألف حالة عدوى كل يوم ضمن أكبر معدل إصابة في العالم. وتم الكشف عن هذا الاتفاق الضخم بعد أن أكد أنطوني فاوتشي كبير الخبراء الأمريكيين في مجال الأمراض المعدية، خلال جلسة استماع أمام مجلس النواب الأمريكي أنه "حذر" بشأن تمكن الولاياتالمتحدة من التوصل إلى لقاح آمن وفعال ضد فيروس "كوفيد-19" بحلول فصل الخريف وبداية فصل الشتاء. ويعمل المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، الذي يشرف فاتوشي على إدارته بتنسيق وثيق مع شركة "مودرنا" للتكنولوجيا الحيوية، من جهته على تطوير لقاح تجريبي ضد الفيروس تحت اسم "أم. آر. أن إيه 1273" والذي بدأت المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية الخاصة به أمس، يتم بعدها تقييم مدى قدرته على تحييد الفيروس ووقاية المصابين من تداعياته. وعلى خطى الإدارة الأمريكية، أكدت المفوضية الأوروبية أنها حجزت باسم دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 300 مليون جرعة عقار تعمل مخابر "صانوفي" على وضع اللمسات الأخيرة قبل البدء في تسويقه على نطاق واسع على أن يتم إبرام صفقات مع مخابر أخرى منافسة. وقالت أورسيلا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إنه رغم عدم معرفتها اللقاح الأكثر فاعلية من بين اللقاحات المقترحة، فإن أوروبا تستثمر في مجموعة لقاحات واعدة تستند على أنماط تكنولوجية مختلفة. كما وقعت الحكومة اليابانية مع الشركتين الألمانية الأمريكية بيونتيك بفايزر صفقة مبدئية لضمان الحصول على 120 مليون لقاح بمجرد توصلها إلى إنتاج أول جرعة مضادة للفيروس. واشتدت حمى اللقاحات نهاية الأسبوع بعد أن أكدت روسيا أنها على وشك إنتاج لقاحين اثنين ضد الفيروس وأنها تعتزم تسويقهما بحلول فصل الخريف القادم في نفس الوقت الذي أكدت فيه السلطات الصينية أنها أصبحت هي الأخرى على وشك تسويق أول لقاح توصل إلى إنتاجه معهد الأبحاث العسكرية الصيني وقد شرع في الوى تجاربه السريرية شهر جوان الماضي على عناصر الجيش الصيني. ورغم هذا التهافت إلا أن منظمة الصحة العالمية أكدت شكوكها في إمكانية احتواء تفشي الوباء وقالت إن ذلك يتطلب وقتا طويلا وأن العالم مطالب بإعداد نفسه لمعركة طويلة مع الوباء. وقال مدير منظمة الصحة العالمية الإثيوبي، تيدروس آدانوم جبريسيس إن الجائحة أكدت عن أزمة صحية لا تقع إلا مرة واحدة كل قرن، إلا أن آثارها ستمتد على مدى عقود قادمة. وأصيب إلى حد الآن أكثر من 18 مليون شخص في العالم، دفع أكثر من 700 ألف من بينهم حياتهم ثمنا لعجز عالم يريد استيطان المريخ في توفير لقاح فعال للحد من خطر وباء فيروسي يقتل في سرية. وإذا كانت الدول الغنية وفرت لمواطنيها ملايين اللقاحات حتى قبل إنتاجها، فمن يوفرها لدول فقيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والتي يواصل الفيروس نهش مواطنيها في وقت بقيت حكوماتها في موقف المتفرج على كارثة صحية ستدفع شعوبها ثمنا باهضا جراءها بسبب التصاق صفة الفقر والفاقة بها. فهل ستكون للأمم المتحدة كلمتها في الدفاع عن فقراء العالم أم أن الوباء جاء ليكرس مرة أخرى الهوة بين أغنياء وفقراء العالم وحينها فلن تجد مقولة العالم سيتغير بعد كورونا مكانها في النسق الدولي.