رحل عن عالمنا، مؤخرا، الأستاذ الدكتور عبد الحميد خطاب أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الجزائر، الذي كان أحد كبار الباحثين في مجال الدراسات الفلسفية. وقد نعته الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، وبعض الكّتاب والفلاسفة، الذين أسهبوا في الحديث عن مشواره الحافل. المرحوم عبد الحميد خطاب من مواليد البليدة سنة 1944. نشأ وترعرع في رحاب باب الرحبة والدويرات. وانخرط في المدارس الابتدائية الفرنسية كباقي الأطفال الجزائريين، ثم انفصل عنها قبل إتمام المرحلة الابتدائية، ثم عهد به والده الشيخ العلاّمة أحمد خطاب إلى المدارس المسجدية لحفظ القرآن الكريم. وبعد الاستقلال التحق بالمعهد الديني الإسلامي؛ أول معهد في البليدة سنة 1962، الذي تولى فيه التدريس أساتذة أزهريون مصريون، فدرس فيه سنة بعد نيله شهادة التعليم الابتدائي في امتحان المترشحين الأحرار سنة 1963. وبعدها التحق بالمدرسة المتوسطة في المدينةالمنورة عن طريق أول بعثة جزائرية إلى المملكة العربية السعودية، فنال شهادة الدراسة المتوسطية (شهادة الأهلية) سنة 1966، وانتقل بعدها إلى الدراسة الثانوية في مدينة دمشق (سوريا) ونال شهادة البكالوريا، ثم التحق بجامعة دمشق قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية، التي أتم فيها الدراسة بعد انتساب وانقطاع، ثم انتساب إلى غاية نيل الليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية سنة 1976، ثم شهادة الدراسة المعمقة العليا سنة 1979، ثم الماجستير سنة 1983، وكل شهاداته كانت بتقديرات مشرفة. وبعدها التحق بجامعة الجزائر للتدريس فيها بصفة أستاذ مساعد في معهد الفلسفة، الذي سجل فيه أطروحته لشهادة دكتوراه دولة في الفلسفة، فحصل عليها سنة 1993 بتقدير "مشرف جدا". وكتب الراحل كتبا قيّمة وعديدة، وله الكثير من المقالات والأبحاث المنشورة في مجلات وطنية ودولية. ومن أهم مؤلفاته "الغزالي بين الدين والفلسفة"، و"معالم في الفلسفة الإسلامية"، و"الوضع العقائدي قبيل مجيء الإسلام"، و"مفهوم الحرية بين الدين والفلسفة"، و"إشكالية الحب في الحياة الفكرية والروحية في الإسلام"، و"الضحك بين الدلالة السيكولوجية والدلالة الاستطيقية"، و"الفلسفة الإسلامية بين الأمس واليوم". وإلى جانب التدريس والتأليف والإشراف على مذكرات الليسانس ورسائل الماجستير والدكتوراه، تَقلد المرحوم عدة مناصب هامة، منها نائب مدير مكلف بالبحث العلمي بمعهد الفلسفة سنة 1984، ورئيس مجلس البحث العلمي لمعهد الفلسفة سنة 1996- 1999، ومسؤول الدعم البيداغوجي والبحث، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية سنة 1999- 2000، ورئيس قسم الفلسفة سنة 2001- 2003، ورئيس اللجنة العلمية لقسم الفلسفة سنة 2003- 2006. ومن الذين نعوا الراحل وكتبوا عنه الدكتور أحمد سليماني؛ بوصفه من الذين تتلمذوا على يديه، علما أنه كتب شهادة في ما سبق، عن مناقب وخصال أستاذه. كما عُرف عن الراحل أنه صورة لتفلسف الدين وتديّن الفلسفة. والحديث عنه هو حديث عن أحد كبار الباحثين في الفكر الفلسفي عامة، والفلسفة العربية الإسلامية خاصة. وأبهر الراحل الجميع بلغته الفصيحة الراقية؛ حيث جمع في إلقاء محاضراته بين الفلسفة والأدب، فكان، بحق، صاحب أسلوب فلسفي متأدب. ومن شهادات زملائه وتلاميذه أنه كان قمة في الاعتدال والوسطية، وباحثا وأستاذا ذا كفاءة عالية، يؤدي واجبه العلمي والتربوي على أكمل وجه. وكان يتمتع بشخصية أخلاقية، ودودة مميزة، تتسم بهدوء الطبع والحس الإنساني الرفيع، والتواضع والفعالية. ومن الذين كتبوا عنه أيضا رفيقه محمد نور الدين جباب قائلا: "وداعا عبد الحميد خطاب؛ لم تكن الرحلة سهلة"، تذكره وهو يقدم له كتابه هدية حول "الضحك" قبل سنوات؛ حيث أشار: "تعجبت وتساءلت مع نفسي كيف لهذا الرجل الذي كتب في الفلسفة الإسلامية وكتب عن الغزالي وكتب عن ابن تيمية، يكتب عن الضحك؟ هل أراد أن يضحك على الحياة ويسخر منها التي كانت قاسية معه وعبست في وجهه منذ الطفولة، أم أن الكتاب كان تلبية لحاجة؟". ويقول: "الصديق والزميل عبد الحميد خطاب تعرفت عليه في الشام، التي استقر بها طالبا بجامعة دمشق بعد رحلة في بقاع كثيرة، طالبا للعلم والمعرفة. وظل في رحلته الطويلة في الغربة يعتمد على نفسه بدون سند ولا مال ولا منحة دراسية".