"تصريحات ماكرون همّ يبكّي وهمّ يضحك"، بهذه المقولة انطلق المؤرخ بلخوجة في حديثه عما صرح به ماكرون في حق التاريخ الجزائري، فقال ل "المساء" إن رجل دولة يجب أن يكون أيضا مطلعا على التاريخ، وأن يستفيد أيضا من آراء وتحاليل المؤرخين المهنيين أصحاب الكفاءة، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق مع ماكرون، الذي ارتكب "غلطة" من خلال حديثه عن موضوع غير ملم به، ليطلق تصريحا سياسيا محشوا بأفكار مسبقة، مضيفا أن كل التيارات السياسية الفرنسية ماتزال تؤمن بأفكار بالية متعلقة بماضي فرنسا الإمبراطورية وتحنّ إلى ماضيها. ودعا بلخوجة ماكرون إلى قراءة كتب مؤرخين فرنسيين كتبوا كثيرا عن الجزائر وعن تاريخها العريق، كشارل أندري جوليان وشارل روبار أجرو، بدلا من أن يطلب منه قراءة كتب مؤرخين جزائريين كي لا يتهمهم بكتابة التاريخ بالعاطفة. وأكد بلخوجة أن الجزائريين لا يكتبون بحقد، مثلما صرح بذلك ماكرون، وإنما يكتبون الحقائق كما هي وبشكل أكاديمي علمي لا غير، مشيرا إلى سعي الجزائريين لتحقيق التقارب بين الشعوب، لكن يجب أن تكون هناك نية حسنة من طرف الفرنسيين، والتي لا نراها حاليا مع تمجيد أعضاء المنظمة العسكرية السرية المجرمة؛ من خلال إطلاق أسمائهم على أماكن عمومية، وتكريم الحركى، وهو ما ندد به بلخوجة قائلا: "نعم مع التقريب بين الشعوب، لكن يجب أن يندد المجتمع الفرنسي وساسته بتيار اليمين المتطرف ومتعاطفيه. ولا يمكن أيضا القبول بذلك القانون الذي يمجد بالاستعمار؛ لأنه لا يوجد استعمار جلب الخير للبلد المستعمر، بل يخلّف الدمار والجهل والمعاناة الطويلة". وأضاف مجددا: "أدعو بالشفاء للنظام الفرنسي ومجتمعه من كل هذه الأدران. وأندد بشدة، بالظاهرة الاستعمارية التي تسمى بالحركى؛ لقد دفعت فرنسا المستعمرة بالجزائريين إلى القتال فيما بينهم، كما أخذت الكثير من شبابها للمشاركة في حروبها خارج الجزائر، وجلبت سينغاليين لقتال الجزائريين في مظاهرات ماي 1945، وكذا ما فعله بابون في مجزرة 17 أكتوبر 1961، الذي استعان بالحركى حتى قبل تلك المجزرة، مع العلم أن بابون تلقّى أوامره من ديغول ورئيس حكومته دوبري، فالساسة من باريس كانوا دائما يلقون بأوامرهم على عسكرهم القابعين في الجزائرالمحتلة". أما في ما يخص موضوع قيام الدولة الجزائرية فقال بلخوجة إنه لن يعود إلى فترة حكم ماسينيسا ويوغرطة وغيرهما، ولا حتى في مرحلة حكم الموحديين؛ حيث كانت الأندلس التي كان يحكمها حكام من أصول مغاربية، عاصمة الحضارة العربية الإسلامية، وكانت أوروبا تستنجد بها في العلوم والتاريخ والكيمياء والطب وغيرها. كما أشار إلى حديث ماكرون حول الحكم العثماني في الجزائر، فقال إنه عكس ما أورده الرئيس الفرنسي، فإن الجزائر لم تكن مستعمرة عثمانية، بل كان يحكمها داي منفصل عن الإمبراطورية العثمانية، وكان يبرم الاتفاقيات. كما كان الجزائريون يسيّرون الإدارة، مضيفا: "غير صحيح أن فرنسا أنقذت الجزائر من الحكم العثماني سنة 1830". وتوقف بلخوجة عند التاريخ الحديث للجزائر، الذي ربما يعرف عنه ماكرون القليل بدلا من الحديث عن تاريخ الجزائر العتيق، فذكر أن بعد الاحتلال الفرنسي، ظهر شاب في عمر 24 سنة، وهو الأمير عبد القادر، الذي واجه المستعمر الفرنسي، وفي نفس الوقت أسس دولة جزائرية، كان لها جذور منذ ألفي سنة، وكان له جيش منظم وبرلمان (مجلس الشورى)، وثمانية خلفاء، وكان لديه الآغا (شبة والي)، والقياد (رئيس دائرة)، والشيخ (رئيس البلدية)، وأبرم الأمير اتفاقية مع الجنرال دي ميشال سنة 1834، واتفاقية تافنة مع الجنرال بيجو سنة 1837، وهو دليل على وجود دولة جزائرية في حال حرب ضد دولة مستعمرة. وتابع بلخوجة أن هناك أمرا لا يشرف فرنسا ويدخل في خانة التزوير؛ فقد كان الأمير عبد القادر يحسن للأسرى؛ لأنه مشبَّع بقيم الإنسانية، ونفس الشيء بالنسبة لبيان مؤتمر الصومام، وقبله بيان أول نوفمبر، كل منهما أعلن بصريح العبارة عن حسن نية الجزائريين من خلال تعاملهم مع المستعمر الفرنسي على أساس هدف استرجاع سيادة الدولة الجزائرية ونيل حريتها؛ فلم تكن حرب عرب ضد فرنسيين أو مسلمين ضد مسيحيين أبدا. وتابع مجددا: "في كل نصوص الحركة الوطنية وبعدها بيان أول نوفمبر وبيان مؤتمر الصومام، كان الطلب واحدا، وهو استرجاع السيادة لدولة الجزائر، ولهذا فقد انجذب إليها فرنسيون بأنفسهم؛ سواء الذين يعيشون في الجزائر أو حتى في فرنسا، والذين أرادوا استرجاع شرف فرنسا، وحتى من دول أخرى". وأكد بلخوجة أن كتابة التاريخ مستمرة، وأننا "سنكتب وفق قيمنا الإنسانية التي ورثناها من الحضارة الإسلامية؛ فنحن لا نحقد على أحد، ولكننا لا ننسى ما حدث لنا وسنكتبه بموضوعية".