عمّق قرار روسيا، الاعتراف باستقلال مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا من هوة الأزمة الأوكرانية التي أصبحت كل مؤشراتها في تأكيد خطورة الموقف الذي قد يتحوّل إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، في ظل التطوّرات المتسارعة التي عرفتها خلال الساعات الأخيرة. وشكّل القرار الروسي عاملا آخر للدفع بهذه الأزمة باتجاه الأسوأ خاصة بعد ترخيص مجلس الشيوخ الروسي بإرسال قوات عسكرية إلى المقاطعتين اللتين اعترفت موسكو باستقلالهما لدعمهما في مواجهة أي هجوم أوكراني. كما اعتبرت كييف القرارات الروسية بأنها خطوة إضافية باتجاه الحرب وجعلتها تهدّد بقطع علاقاتها مع موسكو، وأصرت على ضرورة الوقف الفوري لمشروع أنبوب الغاز "نورد ستريم 2" لتزويد ألمانيا بالغاز الروسي بعد أن حذر وزير دفاعها، اوليكسي ريزنيكوف، بأن بلاده ستعرف محنة وخسائر إضافية بعد قرار موسكو في رسالة قوية باتجاه قوات بلاده للاستعداد للحرب. وبالعودة إلى أهم بنود معاهدتي الصداقة بين روسيا ومقاطعتي دونيتسك ولوغانسك التي تنص على "الدفاع المشترك واتخاذ إجراءات مشتركة لحراسة حدود المقاطعتين وحق طرفي كل معاهدة في استخدام البنية التحتية العسكرية والقواعد العسكرية على أراضي بعضهما البعض"، تتضح المخاوف الغربية من توسع روسي على مشارف شرق أوروبا. بل واعتبرت معظم العواصم الغربية قرار الاعتراف بالمفروض بالنظر إلى تأثيراته السلبية على الوضع وسط احتمالات كبيرة لأن تكون بمثابة فتيل برميل البارود الذي ترقد عليه أوكرانيا منذ عدة أشهر. فمن الاتحاد الاوروبي إلى مختلف العواصم الأوروبية مرورا بتركيا ووصولا إلى الولاياتالمتحدة وكندا كان الموقف واحد ورأى الجميع بأن القرار هو استنساخ لقرار موسكو ضم جمهورية القرم سنة 2014 الذي منح روسيا منفذا بحريا استراتيجيا على البحر الأسود. وهو ما جعل الاعتراف باستقلال مقاطعتي، لوغانسك ودونيتسك بمثابة خطوة أولى على طريق ضمهما إلى السيادة الروسية وتمكين روسيا من بسط يدها على منطقة دونباس الغنية بمختلف المناجم. وضمن مسعى لتشديد الخناق على روسيا، اقترح الاتحاد الأوروبي منع السلطات الروسية من الولوج الى الاسواق والخدمات المالية الأوروبية واستهداف البنوك التي تموّل العمليات العسكرية الروسية في المناطق الانفصالية الاوكرانية التي اعترفت موسكو باستقلالها. أما ألمانيا التي أبدت من جهة استعدادها لإرسال مزيد من جنودها إلى ليتوانيا، فقد قررت تعليق مشروع "نورد ستريم 2" الذي يعد مربط الفرس في هذه الأزمة المستعصية التي فاحت منها رائحة الغاز والبترول وعملت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الأوروبيين جاهدين للدفع ببرلين بعدم تشغيله. وسارع البيت الأبيض للترحيب بالخطوة الألمانية ضد روسيا، حيث قال، جان بساكي، المتحدث باسم الرئيس الأمريكي "الرئيس قال بوضوح أنه في حال حدوث غزو روسي لأوكرانيا، سنعمل مع ألمانيا لضمان عدم تشغيل نورد ستريم 2، لقد أجرينا مشاورات وثيقة مع ألمانيا ليلة الاثنين إلى الثلاثاء ونرحب بإعلانها"، مشيرا إلى إعلان واشنطن في وقت لاحق "لإجراءات خاصة" بخصوص هذه الأزمة المستعصية. وتجعل كل هذه التطورات التساؤل قويا حول الخطوة التي ستقدم عليها الولاياتالمتحدة ومعها الدول الاوروبية وهي التي وصفت ولأول مرة منذ بداية الأزمة قرارات روسيا بإرسال قوات عسكرية الى دونيتسك ولوغانسك بأنه "بداية الغزو" بعدما كانت تتحدث عن "انتهاكات صارخة" وتوعدت برد قوي. فهل ستكتفي بخيار فرض مزيد من العقوبات على روسيا لحنقها اقتصاديا وماليا أم أن القرار الروسي سيدفع بالوضع باتجاه المواجهة المفتوحة في الخطوة تواصل الادارة الامريكية العمل على تشجيعها ودفع الأوضاع باتجاهها. ولكن هل العقوبات ستكون ذات وقع على روسيا وهي التي تمتلك ورقة الغاز الذي تمون به مختلف الدول الاوروبية، ليكون ذلك سلاح ذا حدين. والعقوبات بقدر ما تضر بروسيا فإن وقعها سيكون أقوى على أوروبا التي يبقي مصيرها الطاقوي بين أيدي روسيا وخاصة من حيث تموينها بالغاز الطبيعي وخاصة في هذا الفصل البارد. ورغم كل هذه التطوّرات فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد استعداده مواصلة المساعي الدبلوماسية لتسوية الأزمة ضمن عرض اعتبرته الدول الغربية قد تجاوزه الزمن بعد الاعتراف باستقلال المقاطعتين واعتبروا ذلك بمثابة أمر واقع مفروض حتى يدخل المفاوضات من موقع قوة. فهل يبقى للدبلوماسية حظ في نزع فتيل الحرب ومن هي الجهة التي ستتفاوض مع روسيا بعد قرار الاعتراف وهل سيكون للقاء وزيري خارجية روسياوالولاياتالمتحدة سيرغي لافروف وأنطوني بلينكن معنى وقد زادت الأوضاع تأزما؟