تتواصل فعاليات الأيام المسرحية للجنوب التي يحتضنها المسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي، والتي يسدل عليها الستار اليوم بعد أسبوع من عروض مسرحية لإحدى عشرة فرقة جاءت من ولايات الجنوب الجزائري؛ تمهيدا لتأسيس مسرح الجنوب. وقد تميز، أول أمس، بعرض مسرحية “بخور عصري” للتعاونية الثقافية مسرح الأغواط. الجنوب الجزائري مليئةٌ خزائنه بالتراث الذي مايزال خامّا ويبحث عن جامعين ودارسين له، ليخرجوه من الشفاه والصدور إلى خشبة المسرح والسطور. والبحث في التراث القافي يعطي المبدع؛ من كاتب نص ومخرج وممثلين، الطاقة الإبداعية الحقيقية، ويجعلهم الأقرب التصاقا بالذات الاجتماعية الجزائرية. منطقة الأغواط ومدينة الأغواط ذاتها تُعد مخزونا ثقافيا كبيرا لمن شاء البحث والدراسة والإنتاج. الأغواط تلد الشعراء وتنسج الأساطير وتعزف من تسبيحات الأذكار والأنوار للصالحين الأطهار، ففي مدينة الأغواط يعشق الشعر الملحون قمر الليل في قصيد عبد الله بن كريو، وفي ربوة مطلة على المدينة العتيقة قبة تذكارية لقطب الصالحين سيدي عبد القادر الجيلالي، وغير بعيد عن مدينة الأغواط دار الخلافة التيجانية وقصر كردان وواقع يشبه الأساطير، فهل استغل مبدعو الأغواط هذا التراث؟ وهل استطاعوا الغوص فيه وإخراج نفائسه؟ وهل استقرأوا تاريخ هذه المدينة ومقاومتها للاحتلال الفرنسي والبطولات التي سجّلها الأغواطيون عبر مسارهم النضالي ضد الاحتلال الفرنسي؟ تبقى هذه التساؤلات مشروعة ونحن نشاهد عرضا مسرحيا لفرقة مسرح الأغواط “بخور عصري”، التي قام بتأليفها وإخراجها هارون الكلانيو، وجسّد أدوارها كل من فيصل بوناصر، إبراهيم خليل طالب، يونس بليلي وطاهر بن صفي الدين. المسرحية اعتمدت على الحركات الجسدية والإيماءات. واستُهلت المسرحية، وبطريقة تهكمية ساخرة بتلاوة قرآنية من سورة البقرة، النص متداخل يغوص في الغموض ويصعب على المتلقي فهم محتواه وماذا يريد قوله، هل النص أسطوري؟ بل هل يوجد نص مسرحي؟ المسرحية يغلب عليها الرقص والصراخ وترديد جمل تكاد تكون مبهمة، واستعمال كلمات ليس في موضعها كمثل “ترضع من نهدها الحليب والدم”، وكلمة النهد هنا في غير محلها، وكان الأصح لو استعمل كاتب النص الثدي، فامرأة ناهد غير متزوجة. المسرحية تتكلم عن الجوع والمرض واللجوء إلى التقاليد، وتخلط بين الوثني واللاوثني من خلال الرقية الشرعية والتشهد وطلي الجسد بالوحل وسكب الحليب والماء. تنقلنا المسرحية إلى الوثنية الإفريقية، إلى الأدغال، وقد لخّصوا المسرحية أيضا بالغموض حين جاء تلخيصها في برنامج الأيام المسرحية للجنوب بالقول: “المسرحية تتحدث عن مجموعة من البشر.. يقشرون فاكهة الحقيقة.. ويجمعون النوى تحت طقس مجنون ويقدّمونها قرابين؛ ذخيرة ضد القادم المجهول”. تبقى المسرحية غامضة؛ قراءة من سورة الفاتحة، التشهد، ترديد جملة واحدة، مما يجعل المتلقي يبحث عن نص المسرحية وماذا تريد أن تقوله له، هل القرآن عبث؟ هل هو مجرد شعوذة؟ هل هو التداخل بين الديني والوثني والسحر؟ تبقى العديد من الأسئلة قائمة حول فحوى النص الذي تجاوب مع عرضه الجمهور الحاضر، ووقف عند انتهاء العرض مصفّقا للفرقة المسرحية “مسرح الأغواط”، على الأداء الذي قدمته في هذا العرض.