حمّل مختصون في القانون مفتشية العمل، ممثلة في مكاتب المصالحة، مسؤولية ارتفاع القضايا المتعلقة بمنازعات العمل، في الوقت الذي كان في إمكانها، لو أنها قامت بدورها كما يجب، أن تحد من وصول هذه الأخيرة إلى أروقة المحاكم، بدليل أن نسبة 99 بالمائة من المحاضر التي تمضى على مستوى المكتب تحمل عبارة “محضر عدم صلح”. حتى تكون الدعوى المرفوعة من قبل العامل عموما أو الهيئة المستخدمة مقبولة، لابد لها من المرور على مكتب المصالحة، حيث يلتقي الطرفان وتحاول الهيئة المكونة للمكتب حل النزاع وفقا لما ينص عليه القانون، يعتبر هذا الإجراء الشكلي ضروري لصحة إجراءات التقاضي، غير أن المطلوب من هذه المكتب، حسب مختصين في القانون، ليس مجرد توجيه سؤال للأطراف حول الشيء المتنازع عليه والذي ينحصر عموما في الطرد التعسفي، أو عقود العمل غير المحددة، والاكتفاء بتحرير المحضر بالصلح أو عدمه فحسب، وهو الانشغال الذي طرحه الياس جيجيل محام معتمد لدى المحكمة العليا، الذي يعتقد بالنظر إلى العدد الكبير من القضايا العمالية المطروحة أمام العدالة بأن دورها كهيئة تستهدف إلى حل النزاع قبل وصولها إلى المحكمة يكاد يكون منعدما، بل وينحصر في مجرد تعبئة بيانات على الوثيقة لا تحمل في معظم الأحيان الأسباب الأساسية التي أدت إلى وقوع النزاع، حيث نلمس فيها يوضح “غياب الجدية في العمل، إذ لا يعطي المشرفون على مفتشية العمل الأهمية للنزاع المعروض، لا سيما أن المحكمة موجودة وتتولى فض النزاع”. من المفترض أن دور مكتب المصالحة، حسب المحامي الياس، هو مراقبة مدى الالتزام بتطبيق القانون في النزاع المعروض الذي يستهدف الجهة المستخدمة، اعتبار أن منازعات العمل يثيرها في أغلب الأحيان إن لم نقل كلها، العامل. غير أن ما يحدث عكس ذلك، إذ تكتفي مفتشية العمل بسؤال الأطراف عن النزاع وتحرير المحضر وتطلب من الطرفين التوجه بالوثيقة إلى المحكمة. تتلخص معظم النزاعات التي تقود العامل إلى أروقة المحاكم عموما في ارتباطها بعقود عمل غير محددة، أو عدم التصريح به لدى الضمان الاجتماعي، أو في عدم التزام الهيئة المستخدمة ببعض النصوص الواردة بالاتفاقية الجماعية، أو بالنظام الداخلي، وهي من المفروض، حسب الأستاذ كمال نقاط، يمكن لمكتب المصالحة تبعا لصلاحياته أن يطلب من الهيئة المستخدمة تسويتها، لاسيما أنها تتعلق بنقاط قانونية واضحة لا مجال للخطأ فيها، لكن غياب أهل الاختصاص في المجال، أي على مستوى المكتب، يجعل تحقيق الأهداف بعيد وعليه يقول المحامي كمال: “حتى يتسنى لمكتب المصالحة تحقيق مردود أفضل - أعتقد أن المطلوب - هو البحث عن أشخاص أكفاء في المجال القانوني للمساهمة في التقليل من القضايا العالقة في المحاكم لأسباب كان يمكن أن تحل على مستوى المفتشية، كأن يكون هناك تكوين في المجال القانوني للموظفين على مستوى المفتشية، لأن دور هذه الأخيرة ليس حماية العامل بل توجيهه وإرشاده إلى النقاط القانونية وتوعيته، مع السعي إلى بلوغ الصلح الذي يحفظ للعامل حقه في الهيئة المستخدمة”. من جهته، يرى الأستاذ “يوسف. ص” محام معتمد لدى المجلس، بأن العامل في المجتمع الجزائري لا يعرف حقوقه، وإن حدث وتعرض لمشكل ما يقصد مباشرة مفتشية العمل سريعا معتقدا بأنها يمكن أن تحميه، غير أنه يصاب بخيبة أمل عندما يجد أن دورها ينحصر غالبا في تحرير وثيقة يعبئ بها بيانات تختم بعبارة “محضر عدم الصلح”، وليس هذا الهدف الذي ينشده العامل، إذ يجد نفسه بين أروقة المحاكم، وقد ينتهي به الحال إلى فقد منصب عمله. دور مفتشية العمل، حسب الأستاذ يوسف، ليس توجيه العامل إلى الإجراءات التي ينبغي له القيام بها لرفع الدعوى، بل يتمثل دورها الأساسي في الحرص والسعي إلى إحداث الصلح، ما دام أن قانون العمل وجد أساسا لحماية العامل بالدرجة الأولى، لكن ما يحدث في واقع الأمر غير ذلك، إذ نلاحظ، يضيف؛ “تبعا للقضايا التي نعالجها على بعض المحاضر في أغلب الأحيان، غياب أصل النزاع، أي لا يتم ذكره، وافتقارها لطلبات العامل، الأمر الذي يجعلنا نقول: “إن مكاتب المصالحة لا تقوم بدورها كما يجب، ولعل كثرة القضايا التي من المفروض أن تحل على مستواه لدليل على ذلك، كونها تتعلق ببعض المغالطات القانونية التي يمكن تداركها ليتم تجنيب الطرفين التقاضي بالمحكمة، لكن للأسف، 99 بالمائة من المحاضر في خلافات العمل تحمل عبارة عدم الصلح”. لا تبذل مكاتب المصالحة المجهود الكافي للقيام بدورها كما يتطلبه القانون، يقول كريم أستاذ في القانون ومحامي معتمد لدى المجلس، ونكاد نجزم يقول بأن المرور عبر مكاتب المصالحة أصبح اليوم مع كثرة النزاعات العمالية مجرد إجراء شكلي حتى تقبل الدعوى فقط، وهو أمر مؤسف يقودنا إلى القول بأن المكتب يفتقر إلى الجدية في التعامل مع النزاعات، وإلا كيف نفسر، يعلق محدثنا: “نسبة كبيرة من القضايا التي توجه إلى القسم الاجتماعي تحمل في ملفاتها محاضر عدم الصلح، وما إن تصل إلى المحاكم حتى يتم ضبط النص القانوني ويحصل العامل أو الهيئة المستخدمة على حقها كاملا”.