تحتوي النباتات المختلفة على كثير من المواد الطبيعية القادرة على مكافحة الأمراض المستعصية، كالسرطان والتصلب المتعدد وباركنسون، ولا يبقى على البشر غير أن يكتشفوها. طبيعي ألا يعرف أحد كم من هذه المواد موجود في النباتات، لكنها لا تحصى. المهم، الكثير منها يتواجد في النباتات النارة، وتنبع هنا ضرورة الحفاظ على النباتات النادرة من الانقراض، كي يمكن استخلاص المواد الطبية منها. واحدة من هذه المواد استخلصها العلماء الأميركيون من شجرة صينية إبرية مهددة بالانقراض، وربما حان وقت رعايتها وتكثيرها بهدف استخدامها في العلاج. طابع أصدرته الصين لحماية الشجرة من الانقراض كتب منجي دائي، وفريق عمله من جامعة بورديو في لافاييت (انديانا) في Journal of the American Chemical Society أنهم استخلصوا جزيئة من شجرة صينية إبرية قادرة على وقف تقدم مختلف أنواع الأمراض السرطانية. ومن بين تأثيرات أحرى لهذه الجزئية، ثبت أنها توقف عمل بروتين مهم لنشوء وتكاثر الخلايا السرطانية. يستخلص العلماء من شجرة صنوبرية صينية عقارًا ضد السرطان، إلا أنه من غير السهل استخدام هذا الاكتشاف على نحو واسع في الحرب على السرطان، لأن هذه الأشجار مهددة بالانقراض. يقول التقرير إنه لم يتبق من هذه الأشجار سوى ثلاثة نماذج على المستوى العالمي. إنها أشجار إبرية تحمل الاسم العلمي Abies beshanzuensis، ويقول الباحث منجي دائي إنه حان الأوان لحماية مثل هذه الشجرة من الانقراض بعدما تم الكشف عن أهميتها الطبية. سبق للدولة الصينية أن أصدرت طابعًا بريديًا يخلّد هذه النبتة، ويدعو إلى حمايتها من الانقراض. أخذ دائي وفريق عمله عيّنات من حافات وإبر الشجرة الأبرية المذكورة، واستخلصوا منها العديد من المواد التي رقموها، وصنعوا مواد مثيلة لها بالطرق المخبرية. بعد فحص هذه المواد، الواحدة بعد الأخرى، اتضح أن الجزيئة المرقمة 30 قادرة على وقف عمل بروتين Tyrosin-Phosphatase SHP2. يقول دائي إن هذا البروتين "أساسي" في نشوء العديد من أنواع الأورام السرطانية. وتعتبر المواد الكابحة لبروتين SHP2 من أهم المواد الواعدة في الحرب على السرطان، ويبحث العديد من العلماء في العالم عن مواد مضادة له. تتميز المادة المستخلصة من شجرة Abies beshanzuensis عن غيرها في أنها ترتبط بشكل وثيق بجزيئة بروتين SHP2، وتضمن وقف عمله. علاوة على ذلك، ثبت أن الجزيئة 30 تتكامل مع مادة أخرى مثيلة تحمل إنزيم POLE3 تقوي مفعول الأدوية المضادة للسرطان مثل عقار إيتوبوسيد (Etoposid). وهذا عقار يفترض أنه يضر بالحمض النووي للخلايا السرطانية، ويدفعها إلى الموت. ذكر دائي أنهم عثروا على مادة تكافح السرطان بنفسها، ويمكن أن تقوي عمل الأدوية المضادة للأمراض السرطانية. أضاف إنه وزملاؤه سيجرون المزيد من التجارب حول هذه الأشجار وما تحتويه من مواد مفيدة. جدير بالذكر أن شجرة Abies beshanzuensis تعيش في المناطق المرتفعة من الصين. وهي من عائلة بيناسياس الشجريةالإبرية، ويمكن أن تنموا إلى ارتفاع 15-17 مترًا. اكتشفت في عام 1963 على قمة جبل بايزهانسو (1800 م) في مقاطعة زيجانغ في شرق الصين. لم يجد العلماء أكثر من سبع شجرات منها هناك، نقلوا أربعًا منها إلى حديقة بكين الطبيعية، لكنها ماتت هناك.وبقيت منها 3 أشجار فقط، وهناك محاولات لزراعتها في المنطقة نفسها التي عثر عليها فيها. وهيبة\ب كيف تطور الإنسان وأصبح بإمكانه تناول حليب البقر؟ أصبح للألبان المنتجة من الأبقار وحيوانات أخرى منافسون. فبدائل "الحليب" المنتجة من النباتات كفول الصويا واللوز تزداد شعبية وتقبلا من قبل المستهلكين. وفي أغلب الأحيان تعد هذه البدائل متوافقة مع نمط حياة أولئك الذين يرفضون تناول المنتجات الحيوانية عن مبدأ، علاوة على الذين لديهم حساسية ضد الحليب والذين يعجزون عن هضمه. ومن الجدير بالذكر أن الفائز الثاني في مسابقة برنامج "المتدرب The Apprentice" التلفزيوني البريطاني كان يدير شركة تُسوق حليبا مُطعما منتجا من الجوز. ولكن انتشار الألبان البديلة ليس إلا أحدث تطور في قصة علاقة الجنس البشري الطويلة مع الألبان الحيوانية. وتعود هذه العلاقة إلى آلاف السنين، وتخللها الكثير من العقبات كما شهدت العديد من النجاحات. عندما نفكر بالأمر مليا، لابد أن نسنتنتج بأن الحليب (الحيواني) مادة غريبة وغير طبيعية. فالحليب عبارة عن سائل تنتجه الأبقار أو حيوان آخر لإطعام صغاره، وعلينا عصر ضرع البقرة - أي حلبها - من أجل الحصول عليه. وكان تناول حليب الأبقار وغيرها من الحيوانات غير معروف في العديد من الحضارات. ففي عام 2000، أطلقت الصين حملة شاملة كان الهدف منها تشجيع المواطنين على استهلاك المزيد من الحليب والألبان عموما لدواع صحية. وكان يتعين على هذه الحملة أن تتغلب على الشكوك التي كانت تساور الكثير من الصينيين، وعلى وجه الخصوص كبار السن منهم. يذكر أن الأجبان - وهي في الأساس حليب فاسد - ما زالت تُصيب الكثير من الصينيين بالغثيان. حليب في مزرعة للألبان في روسي: يعد تناول الحليب البقري ظاهرة حديثة العهد نسبيا مقارنة بتاريخ الجنس البشري الذي يبلغ نحو 300 ألف سنة فلم يكن أي من البشر تقريبا يشربه قبل نحو 10 آلاف سنة تقريبا، والذين كانوا يتناولونه كانوا يفعلون ذلك في مناسبات نادرة. وكان أول من بدأ بتناول الحليب البقري بشكل اعتيادي هم الفلاحون والمزارعون في أوروبا الغربية، وكان هؤلاء من أوائل البشر الذين ربوا الحيوانات الأليفة والمروضة بما فيها الأبقار. أما اليوم، أصبح تناول حليب الأبقار شيئا طبيعيا في أوروبا الشمالية وأمريكا الشمالية والعديد من المناطق الأخرى. غذاء الرضع: هناك سبب بيولوجي - أو حيوي - يفسر الغرابة التي تحيط بتناول الحليب البقري. فحليب البقر يحتوي على سكر اللاكتوز، وهو سكر يختلف كليا عن السكريات الموجودة في الفواكه وغيرها من الأطعمة الحلوة. وفي مرحلة الرضاعة، ينتج جسم الإنسان إنزيما خاصا يُطلق عليه "لاكتيز lactase" يقوم بهضم سكر اللاكتوز الموجود في حليب الأم. ولكن بعد الفطام، يتوقف إنتاج هذا الإنزيم عند الكثيرين. ومن دون إنزيم اللاكتيز، لا يمكن للإنسان أن يهضم اللاكتوز الموجود في الحليب بشكل جيد. ونتيجة لذلك، يعاني البالغ منا الذي يتناول كمية كبيرة من الحليب من الغازات وألم المعدة وحتى الإسهال. ومن المفيد ملاحظة أنه في اللبائن الأخرى لا توجد ظاهرة وجود إنزيم اللاكتيز، كما هي الحال عند الأبقار أو الكلاب والقطط، على سبيل المثال لا الحصر. لذا، فالأوروبيون الأوائل الذين بدأوا بتناول الحليب كانوا يعانون من مشكلة وجود الغازات في أمعائهم كثيرا نتيجة لذلك، بيد أن عملية التطور أخذت بفعل فعلها، وبدأ كثيرون بالاحتفاظ بقدرتهم على إنتاج إنزيم اللاكتيز حتى مرحلة البلوغ، وأتاح لهم "استمرار اللاكتيز" قدرة تناول الحليب من دون أعراض جانبية. كان هذا التطور نتيجة تحويرات طرأت على جزء من الحمض النووي المسؤول عن السيطرة على فاعلية جين اللاكتيز. لوحة في قبر مثيثي في مصر الذي يعود تاريخه الى 2350 سنة قبل الميلاد يظهر مصريا قديما وهو يحلب بقرة تقول لاورا سيغوريل، الاستاذ المساعد في متحف الجنس البشري في باريس، والتي شاركت في تأليف تقرير عن ثبات واستمرار إنزيم اللاكتيز بالعمل في عام 2017 "المرة الأولى التي نرى فيها جين ثبات واستمرار إنزيم اللاكتيز في أوروبا كانت قبل 5 آلاف سنة في جنوب أوروبا، وباشر هذا الجين في الانتشار في أوروبا الوسطى قبل 3 آلاف سنة". وكانت خاصية الاحتفاظ بفاعلية إنزيم اللاكتيز قد حظيت بالأفضلية في عملية التطور، بحيث باتت أمرا شائعا في بعض المجتمعات والأجناس. ففي أوروبا الشمالية، تبلغ نسبة الذين يحتفظون بهذه الفاعلية أكثر من 90 بالمئة، وهو رقم نراه أيضا في بعض المجتمعات والأجناس في إفريقيا والشرق الأوسط ولكن هناك الكثير من المجتمعات التي تقل فيها هذه القدرة كثيرا، من أمثال بعض المناطق في إفريقيا وآسيا وأمريكاالجنوبية. سيدة تبتاع حليب الصويا في هونغ كونغ: يصاب الكثير من الآسيويين بالغثيان جراء تناول حليب البقر لندرة جين المحافظة على اللاكتيز بعد البلوغ من الصعوبة بمكان تفهم هذه الظاهرة بشكل دقيق لأننا لا نعرف بشكل محدد السبب الذي يجعل من شرب الحليب - وبالتالي الاحتفاظ باللاكتيز - شيئا مفيدا. تقول سيغوريل "لماذا كان هذا الأمر مفيدا ونافعا بنفسه؟" الجواب البديهي هو أن تناول الحليب أتاح للبشر مصدرا جديدا للتغذية، ما قلل من مخاطر المجاعة. ولكن تأملا دقيقا للموضوع يكشف لنا أن هذه النظرية ليست صحيحة. تقول سيغوريل "هناك مصادر متعددة للغذاء، ولذا فإنه من العجيب أن يتمتع مصدر واحد بهذه الأهمية بخلاف المصادر الأخرى". من الجدير بالذكر، أن البشر الذين يفتقرون إلى اللاكتيز يمكنهم مع ذلك تناول كميات معينة من سكر اللاكتوز من دون أن يصابوا بأي أعراض جانبية، ولذا فبالنسبة لهؤلاء، لا بأس في تناول كميات قليلة من حليب الألقار. كما أن هناك خيار تحويل الحليب إلى زبدة أو لبن أو القشطة أو الجبنة، وكلها عمليات تقلل من نسبة اللاكتوز. فالأجبان الصلبة - كجبنة التشيدر - تحتوي على 10 في المئة فقط من نسبة اللاكتوز الموجودة في الحليب. والزبدة لا تختلف عن ذلك كثيرا. تقول سيغوريل "أقل نسبة لاكتوز موجودة في القشطة السميكة والزبدة" الأجبان الصلبة - مثل البارميزان - تحتوي على نسبة قليلة جدا من سكر اللاكتوز أو قد تكون خالية منه تماما يبدو أن الإنسان اخترع الأجبان بشكل سريع. ففي سبتمبر 2018، قال آثاريون كانوا يعملون في التنقيب في صربيا إنهم عثروا على آنية تحتوي على أحماض أمينية تشير إلى أن هذه الأواني كانت تستخدم لفصل الخثارة عن مصل اللبن، وهي خطوة مهمة في انتاج الجبنة. وإذا صح ذلك، وهو أمر خضع للكثير من التشكيك، فإنه يدل على أن الأوروبيين الجنوبيين كانوا ينتجون الأجبان قبل 7200 سنة. وقد وردت أدلة مشابهة من زمن أحدث - قبل 6 آلاف سنة - من مناطق أخرى في أوروبا. كان ذلك قبل انتشار ظاهرة الاحتفاظ بإنزيم اللاكتيز بين الأوروبيين. ولكن هناك فرقا واضحا لتمكن مجموعات بشرية معينة من تطوير درجات عالية من الاحتفاظ باللاكتيز وعجز أخرى عن ذلك، حسبما تقول استاذة علم الوراثيات في كلية لندن الجامعية دالاس سوالو. فأولئك الذين تطورت لديهم هذه القدرة هم رعاة ومربي الماشية، أما الذين امتهنوا الصيد ولم يربوا المواشي فلم تحدث عندهم التغيرات الجينية الضرورية. ولم تحدث أيضا لدى "فلاحي الغابات" الذين كانوا يفلحون ولم يربوا المواشي. من المعقول، بل من البديهي، القول إن الذين لم يتح لهم الحصول على الحليب الحيواني لم يتعرضوا لضغوط تطورية كبيرة لإجبارهم على التوافق مع تناول هذا الحليب.ولكن السؤال الملح هو الآتي: لماذا حصل بعض مربي المواشي فقط على هذه الخصلة بينما لم يحصل عليها آخرون؟ هناك لغز كبير يحيط بتمكن بعض التجمعات التي تربي المواشي من الاحتفاظ بالقدرة على هضم اللاكتوز وليس غيرهاتشير سيغوريل إلى أن الرعاة في شرق آسيا، كما في منغوليا، لديهم مستويات متدنية جدا من قدرة الاحتفاظ باللاكتيز رغم اعتمادهم الكبير في غذائهم على حليب مواشيهم. لقد كان التغير في هذه القدرة شائعا في التجمعات السكانية في أوروبا وآسيا الغربية، ولذا كان من الممكن جدا لهم أن ينشروا هذا التغير أو هذه الطفرة الوراثية إلى هذه المجموعات الآسيوية الشرقية، ولكنهم لم يفعلوا. تقول سيغوريل "هذه هي الأحجية الكبرى". منافع الألبان تعتقد سيغوريل أنه قد يكون لتناول الحليب منافع أخرى تتجاوز قيمته الغذائية,فمربوا المواشي معرضون للإصابة بأمراض هذه الحيوانات، بما فيها مرضي الجمرة الخبيثة ومرض "كريبتوسبوريديوسي" الذي يسبب الإسهال والذي تسببه جراثيم تعيش في الأمعاء الغليظة. لكن تناول حليب البقر قد ينتج أجساما مضادة لهذه الأمراض، وفي حقيقة الأمر فإن هذا التأثير الوقائي قد يكون أحد منافع إرضاع الأطفال طبيعيا. نسوة يرضعن أطفالهن طبيعيا في العاصمة الكولومبية بوغوتا في اليوم العالمي للارضاع. يعتقد بأن خواص حليب الأم الوقائية هي واحدة من منافع الإرضاع الطبيعيولكن جزءا من الغياب الغامض لخاصية الاحتفاظ باللاكتيز قد يكون مرده الحظ ولاشيء غير الحظ، أي له علاقة باحتمال حصول التغير الجيني الضروري عند أحدى مجاميع مربي المواشي. وحتى وقت قريب، كان عدد سكان الأرض أقل بكثير من عددهم اليوم، كما كانت التجمعات البشرية أقل عددا، ولذا قد يكون بعض من هؤلاء قد افلتوا من الطفرة بالحظ العاثر. تقول سوالو "أعتقد بأن الجزء الأكثر ترابطا ومتانة من الصورة هو وجود علاقة بين نمط الحياة مع مهنة رعي الماشية. ولكن يجب أن يقع التغيير الجيني أولا، قبل أن تتولى عملية الاختيار الطبيعي مسارها. وتشير سوالو إلى أنه في حالة الرعاة المنغوليين، يتناول هؤلاء عادة الحليب الخاثر الذي يحتوي على نسب أقل من سكر اللاكتوز. وثمة من يحاجج بأن السهولة التي يمكن أن يحول بها الحليب لجعله أكثر تقبلا يجعل من ارتفاع نسبة الاحتفاظ باللاكتيز أمرا محيرا بشكل أكبر. تقول كاثرين ووكر، طالبة الدكتوراه التي تعمل تحت إشراف الأستاذة سوالو "لأننا كنا نتقن التوافق حضاريا مع عمليتي تحويل الحليب وتخثيره، أشعر بالحيرة إزاء السبب الذي أدى إلى توافقنا مع هذا الموضوع جينيا". وقد تكون هناك أسباب عدة لتعزيز عملية التحول نحو الاحتفاظ بأنزيم اللاكتيز، وليس سببا واحدا. تقول سوالو إن مفتاح الحل لهذا اللغز يكمن في منافع الحليب الغذائية، فهو غني بالدهون والبروتينات والسكر والفيتامينات وغيرها من المواد المفيدة كما يعد الحليب مصدرا للماء النظيف. واعتمادا على المنطقة التي يعيش فيها الإنسان، قد يكون تطور بحيث أصبح يتقبله بشكل أو بآخر. ليس من الواضح إن كان الاحتفاظ بإنزيم اللاكتيز ما زال خاضعا لقوانين التطور، ولا إن كان هذا التعديل سيواصل الانتشار، حسبما تقول سوالو. شاركت سوالو في عام 2018 في تأليف دراسة تتعلق بمجموعة من الرعاة تعيش في منطقة كوشويمبو في تشيلي، كانت مرت بعملية تحوير نحو الاحتفاظ باللاكتيز عندما اختلط أجدادهم بالأوروبيين القادمين حديثا إلى أمريكاالجنوبية قبل 500 سنة. وتواصل هذه الصفة انتشارها في ذلك المجتمع بفضل عملية تطور تشابه تلك التي مر بها الأوروبيون الشماليون قبل 5 آلاف سنة. أبقار تقتات على البرسيم في شمال غربي فرنسا، وهي منطقة تأقلم الناس فيها مع تناول الحليب قبل 3 آلاف سنة هذه حالة خاصة لأن شعب كوشيمبو يعتمد اعتمادا كبيرا على الحليب. وتختلف الصورة بشكل كبير على النطاق العالمي. تقول سوالو "اعتقدت شخصيا بأن الموقف قد استقر، عدا في تلك البلدان المعتمدة أساسا على الحليب وتعاني من شح في الطعام. لكن في الغرب، الذي يتوفر فيه الطعام بكثرة، لم تزل ضغوط الاختيار كما كانت". تدهور الألبان؟ إن التطورات في السنوات الأخيرة تشير إلى عكس ذلك، أي أن الناس بدأوا بترك الحليب. ففي تشرين الثاني / نوفمبر 2018، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقا عنوانه "كيف انتهت قصة عشقنا للحليب" تطرق للنجاحات التي حققتها الشركات المنتجة "لحليب" الجوز والشعير، وألمح إلى أن حليب البقر بات يواجه تحديات حقيقية. ولكن الأرقام تروي قصة مختلفة، فحسب تقرير نشرته في عام 2018 شبكة IFCN لبحوث الألبان، فقد ارتفع إنتاج الألبان كل عام منذ 1998 استجابة للطلب المتزايد. وأنتج في هذه الفترة أكثر من 864 مليون طن من الحليب على النطاق العالمي. وليست هناك أي مؤشرات إلى تباطؤ هذه الوتيرة، إذ تتوقع IFCN أن يرتفع الطلب على الحليب بنسبة 35 في المئة بحلول عام 2035 ليصل إلى 1,168 مليون طن. ولكن هذه الأرقام تخفي بعض التوجهات أو التيارات المحلية. ففي دراسة نشرت في عام 2010 للاستهلاك الغذائي تبين أن استهلاك الحليب في الولاياتالمتحدة انخفض في العقود الأخيرة، لصالح المشروبات الغازية وليس لصالح حليب اللوز أو غيره. بيد أن هذا الانخفاض قابلته زيادة في الطلب في البلدان النامية وفي البلدان الآسيوية على وجه الخصوص وهو أمر أكدت عليه IFCN أيضا. وفي غضون ذلك، توصلت دراسة أجريت في عام 2015 لعادات الناس في تناول الحليب شملت 187 بلدا إلى أن استهلاك هذه المادة أكثر شيوعا عند كبار السن، مما يشير إلى أن صغار السن لا تستهويهم هذه المادة غير أن تلك الدراسة لم تتطرق إلى استهلاك الأجيال الشابة لمنتجات الحليب كاللبن (الزبادي). الطلب على الحليب في تصاعد في آسيا، على العكس من الولاياتالمتحدة يبدو من غير المرجح أن يؤثر الحليب البديل على ولع العالم المتزايد بحليب الأبقار، على الأقل في العقد القادم.تضيف ووكر أن الحليب البديل ليس "بديلا معادلا" لحليب البقر، فعلى وجه الخصوص لا تحتوي هذه البدائل على نفس الكم من المواد المغذية. وتقول إن هذه البدائل مناسبة لأولئك الذين يرفضون تناول المنتجات الحيوانية وأولئك الذين يعانون من حساسية للحليب. يذكر أن هذه الحساسية هي لبروتين الحليب وليس للاكتوز. تفتقر بدائل الحليب - كحليب اللوز - الى المواد المغذية التي يحتوي عليها حليب البقر ومن المثير للانتباه أن معظم النمو في الطلب على حليب البقر مصدره آسيا، التي لا يتميز سكانها بقدرة هضم اللاكتيز. ولكن مهما يرى هؤلاء في فوائد الحليب، يبدو أنها تتغلب على المضار الهضمية المحتملة والحاجة إلى معالجة الحليب صناعيا. وفي حقيقة الأمر، فإن منظمة الصحة العالمية شجعت سكان دول العالم النامي على تربية المزيد من الحيوانات غير التقليدية والمنتجةللحليب - مثل حيوان اللاما - وذلك لكي يتمكنوا من جني منافع الحليب في حال عدم توفر حليب البقر وارتفاع سعره. علاوة على ذلك، نصحت دراسة واسعة نشرت في كانون الثاني / يناير الماضي بخفض استهلاك اللحوم الحمراء، ولكنها في ذات الوقت أوصت بتناول قدحا واحدا من الحليب على الأقل يوميا. يبدو أن الحليب لم يفقد رونقه، بل أنه يزداد شعبية رغم أن أجسامنا - بشكل عام - فقدت القدرة على التكيف معه.