يعتبر الاتصال "سلاح فتاك" في كل الحروب، وهوالعنصر الذي لم يهمله جيش التحرير الوطني في نضاله ضد الاستعمار الفرنسي، من خلال إنشاء مصلحة للإعلام، وفق ما أكده المجاهد صالح مكاشير (88 سنة). وابرز السيد ميكاشير، وهو أمين سابق وعضو بمصلحة الإعلام لمركز قيادة الولاية التاريخية الثالثة، الأهمية القصوى التي يكتسيها التحكم في الاتصال والإعلام في أي حرب كانت. إذ أن أمر الدعاية والدعاية المضادة لم يغب عن المشاركين في مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) ولا عن معدو الأرضية المتوجة لهذا المؤتمر، والتي أوصت بإنشاء مصلحة للأعلام بهدف مواجهة دعاية العدو. وقام العقيد عميروش بإنشاء مصلحة الإعلام على مستوى مركز قيادة الولاية التاريخية الثالثة، ليتم تكليف أمين مركز القيادة بذات الولاية، طاهر عميروشن، بتسييرها. وهي المصلحة التي قامت بنشر جريدة جيش التحري الوطني "النهضة الجزائرية"، وفق السيد ميكاشير، الذي لاحظ في السياق أن "أحسن انجاز لهذه المصلحة سيبقى المنشور". حيث وصف" منشور الولاية الثالثة بأنسب وسيلة دعائية خلال الثورة التحريرية. كان محل تقدير كبير لأنه أضحى الحبل السري الرابط ما بين قيادة الثورة والمجاهدين ومناضلي جبهة التحرير الوطني"، وفق توضيحات السيد ميكاشير. وأفاد في هذا الصدد بإصدار مصلحة الإعلام ل"منشورات اخترقت جدران السجون وحافظت على الرابط ما بين جيش التحرير والشعب والمناضلين والسجناء من خلال منحهم الأمل والشجاعة. "المعتقلون في السجون ومراكز التعذيب كانوا أهم المستهدفين بهذه المنشورات بعد المناضلين والجنود في المدن والأرياف، بغرض الرفع من معنوياتهم" يقول المجاهد ميكاشير. وأشار ذات المجاهد إلى هذه المنشورات الحاملة "للكلمات الفذة والانتقامية" لشهدائنا، كانت تنقل من شبكة إلى شبكة لغاية وصولها إلى السجون ومراكز الاعتقال، حيث "كانت تخترق الجدران لتبلغ أيدي السجناء والمعتقلين الذين ينتظرونها بفارغ الصبر لما لها من اثر ايجابي من حيث مدهم بالشجاعة والصلابة الضروريتين لاستمرارهم في نضالهم الأبي"، يقول مسترسلا. وسرعان ما أضحت منشورات الولاية التاريخية الثالثة "مصدر إشعاع يمد المقاومة بالعزيمة الضرورية لمواصلة مسارها، في حين بذل سجانو فرنسا، من مختلف الرتب، كل ما بوسهم لوقفها من خلال التفتيشات المتكررة للمساجين، التي لم تكن لان تضعف عزيمتهم المتوقدة"، وفق ما أضافه المجاهد. وفي كتابه الجديد الصادر منذ حوالي شهر عن دار النشر "إمل" تحت عنوان "Plumes et écritoires et pages d'Histoire"، (أقلام وكتابات وصفحات من التاريخ)، كرس صالح ميكاشير حيزا هاما لدور مصلحة الإعلام بالولاية الثالثة التاريخية في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي. وكانت مصلحة الإعلام تتوفر على آلة طابعة من نوع "رونيو" اليدوية، قبل احتجازها من طرف الجيش الاستعماري ليتم تعويضها بنظام "غوتينبرغ" أو ما يعرف بنظام اللوحة. حيث كانت كل مستلزمات النسخ من أوراق وحبر وورق الكربون تصل من منطقة "تامغوت" نقلا بالبغال، وفق ما ورد في الكتاب السالف الذكر. وأبرز السيد ميكاشير في نصه "الصعاب الجمة التي كان يواجهها مناضلو جبهة التحرير من اجل إيصال كل هذه اللوازم إلى هدفها، وبذلوا تضحيات جمة من اجل هذا الهدف الأسمى بالنسبة لهم"، مرافعا في السياق من اجل "ضرورة تكريم كل هؤلاء الوطنيون يوما ما، لأنهم حقا قد عانوا الأمرين من اجل ضمان سير مصلحة الإعلام للولاية التاريخية الثالثة". مواجهة المعلومات المضللة والدعاية الفرنسية تمثلت مهمة مصلحة الإعلام في "نشر رسائل الإدارة السياسية لجبهة التحرير الوطني في صفوف المناضلين والشعب من اجل مواجهة الدعايات المغرضة والتعتيم الإعلامي الممارس من طرف العدو". وهي المهمة المنعكسة جليا في فهرس جريدة "النهضة الجزائرية" التي كانت تضم افتتاحية من توقيع طاهر عميروشن في معظم الأحيان "تعرض بالتفصيل كل الأفكار الرئيسية للجبهة وفق ما هي محددة في أرضية الصومام، كما كانت تروي كل العمليات العسكرية والمعارك ضد العدو الفرنسي، موازاة مع تكريس صفحات كاملة من الجريدة لفضائع فرنسا الاستعمارية". كما كانت نفس الجريدة تتضمن مقالات لموح سعيد عيساني وسي لعمارة حامل، اللذان كانا يقفان الند بالند ضد الإعلام الاستعماري المغرض وكل دعايات الأقسام الإدارية الخاصة لفرنسا الاستعمارية. وكان لهما الفضل في تفكيك كل أكاذيبهم موازاة مع التنديد بكل القمع والظلم والتعذيب والأفعال الشنيعة والوحشية التي مارسها جيش أمة كانت تدعي التحضر" ، يقول المجاهد ميكاشير متأسفا. وكانت كل هذه المقالات تنسخ وتجمع في شكل كوم من الأوراق يتم تغطيتها وربطها، ثم تحميلها على ظهور البغال لإيصالها مع الرسائل العادية إلى مراكز القيادة بمختلف المناطق، وهي مرافقة بأعوان الاتصال المندوبين لدى المراكز القيادية الولائية. كما أبرز المجاهد ميكاشير في كتابه حرص هؤلاء المناضلون والمسبلون على إيصال هذه المقالات إلى أهدافها، ثم توزيعها بكل ذكاء وروية دون جذب انتباه العدو. وكان مسئول الاتصال آنذاك مكلف بالمشاركة في اجتماعات القرويين، مع القراءة والتعليق على مضامين المنشورات والجريدة. وهي نفس المهمة الموكلة له أيضا ضمن وحدات الكفاح بغرض إعلام وتعريف الجنود برسائل القيادة العليا، وفق نفس الكتاب. ولمواجهة عمل مصلحة الإعلام ، قامت فرنسا الاستعمارية، يقول السيد ميكاشير، ببذل أقصى ما لديها من جهد ووسائل، بما فيها مصالح العمل البسيكولوجي التي استعانت بترسانة هامة من الخبراء في الاتصال والكتابة وعلم النفس والتصوير، لأجل تمرير دعاياتها المغرضة من خلال كل الوسائل الإعلامية المتاحة لديها. لقد بذل الجيش الاستعماري كل ما لديه متجاهلا صلابة هذا الشعب الأبي، الذي لم تتمكن المقصلة ولا مراكز الاعتقال ولا التعذيب من ثني عزيمته، وبقي متشبثا بحلم الحرية والكرامة وإيمانه بالنصر المحتوم، بعد تضحيات جسام، ما عزز عقيدته وجعلها حصنا منيعا لا تخترقها ألاعيب فرنسا.