تنتشر خلال طيلة شهر رمضان ظاهرة استعمال الأطفال القصر، والزّج بهم في الأسواق الفوضوية لبيع الشربات وقلب اللوز وأوراق البوراك والحوليات التقليدية …، وغيرها بإيعاز من أوليائهم الذين أرغموهم على هذه التجارة سعياً لجمع المال دون المبالاة بتبعيتها ظناً منهم أنه رهان وتحدي. هذه هي مأساة حقيقية أبطالها أولياء وضحاياها أطفال أبرياء منعرجها خطير على أمال وتطلعات مستقبل الأجيال. وأصبحت معالمها في ازدياد مستمر في ظل غياب ثقافة الوعي والرعاية الأسرية والاجتماعية. إن هذا الانتشار الفظيع لهذه الظاهرة التي أصبح السوق كذلك لا يتحكم في معالمها مقارنة بالكم الهائل من الاكتظاظ لهؤلاء الأطفال الذين يبيعون كل شيء رغم الإجراءات الردعية وقمع الغش وغيرها من الممارسات الرقابية. ونحن نتجول في أسواق مدينة سوق أهراس وسدراتة، استفسرنا عن تنامي الظاهرة فأجمع معظم الأطفال ممن التقيناهم أن ما أدى بهم لممارسة هذه النشاطات، الوضعية الاجتماعية المزرية التي طالت عائلتهم، مما فرض عليهم اختيار هذه المهنة أو تلك لجمع المال وبالتالي إعالة أسرهم. فيما يفضل البعض الدلالة وبيع الهواتف النقالة، وألبسة وأحذية العيد، والكتب المدرسية…، والتي تعتبر مصدراً عاديا لجمع المال ولا خطر فيها، في الوقت الذي زج بالعشرات منهم في شبكات التهريب، واستغلال ظروفهم الاجتماعية القاسية في ترويج وبيع المخدرات والمهلوسات وأوراق الصرف بمبالغ ضئيلة لا تساوي خطورة ما قد يتعرضون إليه، وهو ما تؤكده تقارير المصالح الأمنية والرقابية بأن 80 بالمائة من المتورطين في قضايا الإجرام والتهريب من شريحة القصر أثبتته الدراسات العلمية بأن دفع الطفل لمثل هذه الممارسات صورة من عامل انعدام الرعاية والعناية بالطفل والتي تظهر جليا في نقص المرافق الترفيهية والتسلية في مدن وقرى وبلديات ولاية سوق أهراس كفضاءات اللعب والسباحة وافتقار جل دور الشباب للوسائل التي يستحقها الطفل. وهو الوضع الذي ينطبق بالدرجة الأولى على أطفال المناطق النائية وشريحة كبيرة من أطفال المدن حيث أن معظم هؤلاء الأطفال لا يعرفون لحد الآن زرقة البحر، ولا حدائق التسلية والترفيه نتيجة عدم قدرة عائلاتهم على كلفة المعيشة خاصة منهم الشريحة التي تعيش على محور بلديات الشريط الحدودي والمناطق الجنوبية أين لازال العديد من العائلات والمشاتي النائية المعزولة لم تر نور الكهرباء بعد. عوامل ومحطات مختصرة لواقع مر، يتطلب معالجة ودراسة علمية قصد التخفيف من معاناة هذه الشريحة وإنقاذها من بؤر الانحراف، ومنحها الرعاية والعناية وأبعادها عن الظواهر والآفات الاجتماعية لنصنع منه جيلا سلاحه التحدي ورهانه العلم والمعرفة. لعريبي لزهر