لم يكن ممكنا أبدا وحتى في الخيال أن يحلم يوما أي فرد من أفراد الشعب الجزائري بانتزاع الجزائر من مخالب فرنسا ،التي أصبحت قانونا وواقعا الجناح الجنوبي للدولة الفرنسية التي لا يفصل شطريها عن بعضهما بعضا إلا البحر الأبيض المتوسط ، كما يقسم نهر السين باريس إلى قسمين ..؟ وقد تأكد ذلك بصورة جلية واضحة ،في قوانين وأدبيات فرنسا بعد الاحتفال بمئوية احتلالها للجزائر،وما لقي ذلك من تأكيد دعاة الاندماج والانصهار مع الكيان الفرنسي الغريب في العادات والتقاليد والدين واللسان والتاريخ والجغرافية ، والتي تأبى كلها عملية الإدماج ،وقد أوضح هذا الإمام بن باديس ، الذي قال: "إن الجزائر ليست فرنسية ولا يمكن أن تكون فرنسية حتى ولو أرادت ذلك"..؟ ومن أجل كل ذلك وغيره ومن أجل الدين و"الحقرة" والظلم والطغيان وحرمان الجزائري من أن يعيش حرا متعلما يتمتع بخيرات بلاده ،يتحكم في مصيره ويحكم بلاده بنفسه ،ثارت ثائرة الشعب الجزائري وقامت بثورة على المستدمر الفرنسي الحاقد الذي عاث في الوطن فسادا دون رقيب،وكأن البلاد بلا أهل أو سكان أصليين ،لهم كرامتهم ولهم شخصيتهم وكيانهم المستقل ،وهي الحقيقة التي لم تدركها فرنسا إلا يوم الفاتح من نوفمبر الذي أذهلها وأخلط أوراقها ولم تصدق ما وقع ،فأعادت لها ضربات المجاهدين صوابها..! لم يكن ذلك سهلا وفي متناول اليد ،فقد ضحى الجزائريون بأعز ما يملكون وهي أرواحهم وأموالهم ،وذلك في سبيل استرجاع السيادة الوطنية التي داستها أقدام خيول فرنسا العجوز يوم 5 جويلية 1830..؟ وقد أقسم المجاهدون وبأغلظ الإيمان أن يسترجعوا استقلال الجزائر وأن يعيدوا البسمة إلى الشفاه ،وأن ينتصروا على فرنسا مهما كانت قوتها ،وألا تحتفل بالمائة الثانية للاحتلال ،وأن يحتفلوا بالاستقلال في اليوم نفسه الذي دخلت نزلت فيها فرنسا ، وبهدف محو ذلك اليوم الأغبر اللعين الذي انهزمت فيه جيوش الداي حسين ،والذي لن يتتكرر أبدا..؟ !