برز خطاب التخويف في الحملة الانتخابية للرئاسيات، خطاب يعكس نظرة النخب السياسية إلى عموم المواطنين ويحيل إلى حالة جزائرية تستدعي الدراسة. واللافت أن الخوف متأصل في هذه الأمصار، وقد يكون مؤشرا على عدم تطور المجتمع المنشغل أساسا بإشباع حاجاته الأولية والاكتفاء بتأمين الوجود وتحصيل ما هو موجود، وكذلك عدم تطور النخبة السياسية التي تحوم خطاباتها حول انشغالات بسيطة تتراوح بين تلبية حاجيات المواطنين ووضع أسس دولة استعصت على التأسيس بعد أكثر من خمسين سنة من الاستقلال. و يكشف هذا الخطاب في النهاية عن علاقة مأزومة ومرضية بين الساسة والمواطنين يترجمها الابتزاز المتبادل بين الطرفين، طرف يمتلك أدوات المتعة وطرف يملك القدرة على إفسادها، فيجري توافق على أساس المساومة التي تتحوّل إلى عقد اجتماعي غير معلن. والخوف في هذه الحالة يطابق المخطط الكلاسيكي الذي يقترحه التحليل النفسي والذي ينشأ من رغبة مكبوتة في قتل الأب، وتوقع الانتقام من الأب ذاته وما يصاحب العملية التي لم تحدث من رعب. وربما يسود هذا الشعور في التجمعات البدائية التي لم تستدخل تشريعات جديدة لتنظيم حياتها الاجتماعية، أي المجتمعات ذات البنى الأبوية، المتخلفة، التي ظلت على هامش التطور الذي عرفته البشرية. حتى وإن أخذت هذه المجتمعات بمظاهر التطور السائدة في مجتمعات أخرى، مظاهر لا تسندها التجربة التاريخية رغم الضريبة المدفوعة التي قد تفوق الضريبة التي دفعتها الشعوب السعيدة. وبالطبع فإن الديموقراطية هي الحل، رغم مشاق التدرب عليها في مجتمعات كالمجتمع الجزائري والمجتمعات العربية عموما بسبب ضعف التنمية البشرية، وإخفاق مشاريع التنوير والتحديث القسري التي تمت بعض المحاولات لتنفيذها بعد مرحلة الاستعمار، وربما ذلك ما يفسر التخبط الذي تعيشه الدول العربية التي تجد نفسها في حالة نكوص إلى مراحل بدائية كلما سعت إلى تجريب الديموقراطية: أي بين خياري الجماعات الدينية أو العسكر. ومثلما تتطلب معالجة الخوف المرضي استدعاء مسبباته الكامنة إلى ساحة الشعور، يستدعي علاج الخوف الاجتماعي إخراج المكبوتات السياسية إلى ساحة النقاش العام وتسمية الأشياء بمسمياتها، والاعتراف بالإخفاقات التي صاحبت بناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال، بغرض التوافق على بناء يتسع للجميع وتنطفئ فيه الحروب الدائرة قرب منابع الريع.