منذ 14 قرنا من تواجد العادات والتقاليد القائمة في المجتمعات العربية والإسلامية او حتى الغربية منها، فيما يتعلق بدفن الموتى، وإتباع المراسم المتعارف عليها، ظلت الشعوب والأمم وفية وحريصة كل الحرص على الامتثال الى أدبيات الجنائز، منقولة ومتوارثة من جيل الى جيل. فبعدما كان الميت يغسل، في أهله وفي حضور اسرته، تغير ذلك ولم يعد الغسل واجبا ولا فرضا، لان الضرورة تبيح المحظورة، وعوض ان ينقل الجثمان الى بيت العائلة الكبيرة، لتلقى على روحه آخر نظرات الوداع، ذهبت تلك النظرات ادراج الرياح، وصار الفرد يقول نفسي نفسي، فكم ميت منذ انتشار الوباء، شيعه عمال المستشفى تحت الحراسة القبلية والبعدية، واستنفار في الطريق، خوف من عدوى الاصابة التي قد تسببها الفيروسات المنتشرة على اطراف الضريح. وبعدما كان الميت يسجى بكفن من القماش ابيض اللون مصحوب بقطع من الكافور عليه رائحة العطور او المسك، صار الميت يدفن كما هو، وتوضع عليه مواد كيماوية، تمنع تسرب الفيروس الى الخارج، وهو بداخل كيس النوم المستعمل في الحروب والأزمات. لم تعد الجنائز تقام كعاداتها، يحضرها الاهل والأصدقاء والخلان، وتنصب لها الخيم والقاعات، وتفرش لها الصالونات بالزرابي المبثوثة، فتمتد الى ثلاثة ايام سويا، او اسبوع، الكل التزم حجره الصحي، ويكفي برقية عبر الهاتف، او مكالمة صوتية يواسي فيها المرء اهل الميت، او يعزون فيها عائلته. الجنازة في زمن الكورونا، لم تعد نفسها تلك الجنائز التي كانت في حياتنا السابقة، فكان المرء يميز الواحدة من الاخرى، بين الغني والفقير، الشاب والكهل، الجاهل والعالم، كل موكب جنائزي يعرف من خلال الحضور الرسمي وغير الرسمي، ساعة الدفن، او لحظة العزاء، وأحيانا يكون عشاء الميت في اليوم الثالث، معيارا لمعرفة مكانته في المجتمع. في زمن الكورونا الكل سواسية، والكل معتبر أمام المصاب الجلل، امتثالا لقوله تعالى « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ «، اليست هذه صورة من اهوال القارعة. في زمن الكورونا اخلطت الاوراق، واختفت العادات والأعراف أمام البلاء، بل ان القيم الاجتماعية التي كنا نتفنّن في بعثها اقبرت الى أجل مسمى.