أوامر رئيس الجمهورية بتجريم المضاربين وضع حدّا للجشع نجحت الحكومة في إنهاء فوضى الأسواق التي تسببت فيها جماعات وأشخاص عمدوا إلى العبث بقوت وأعصاب الجزائريين، طيلة سنتين. وعادت وفرة المنتجات إلى المحلات بعد تفعيل سيف القانون لمكافحة المضاربة غير المشروعة والاحتكار. منذ 2020، وفي قلب أخطر أزمة صحية يعرفها العالم والجزائر في 100 سنة الأخيرة، لم تتوقف جهات خفية عن إثارة قلق المواطنين، عبر افتعال أزمات عويصة في السوق، تمثلت في ندرة المواد الأساسية، السميد، الزيت والحليب. وكان واضحا، أن الأمر لم يكن اختلالا طبيعيا في قاعدة العرض والطلب، لأن التقارير الرسمية الصادرة عن نقاط الإنتاج، أكدت وفرة المواد، بل ووجود مخزون معتبر يكفي لعدة أشهر. ورغم الظروف الصعبة، المرتبطة بتداعيات جائحة كوفيد-19، لم تتردد هذه الجهات في السعي الحثيث لتحقيق هدفين رئيسيين، هما الدفع باتجاه انهيار النظام الصحي، وإثارة أكبر قدر من الفوضى في السوق الوطنية، ما يحقق آلياً مخطط ضرب استقرار المجتمع ومعه أمن الدولة. ولم يخف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خطورة ما أسماه "الجريمة الاقتصادية"، إذ دفعت الندرة المفتعلة في مادة السميد قبل سنتين، الحكومة لضخ كميات ضخمة في السوق، مما أدى إلى انخفاض المخزون الاستراتيجي الوطني من الحبوب إلى 50٪، ليقرر الرئيس سنّ قانون خاص لمكافحة المضاربة غير الشرعية، يتضمن عقوبات تصل إلى 30 سنة سجنا. وقال، العام الماضي، في حوار مع ممثلي وسائل إعلامية وطنية، "أنه لن يسمح أبدا مع المتورطين"، وشدد أنه "إذا لم تكف عقوبة 30 سنة للردع، سيمر لعقوبة الإعدام". ودخل التشريع المتعلق بمكافحة الظاهرة حيز التنفيذ في النصف الثاني من 2021، بعد صدوره في الجريدة الرسمية ومروره على البرلمان بغرفتيه. الضرب بيد من حديد إلى جانب القانون، عمقت السلطات العمومية وبأمر من رئيس الجمهورية، عمليات البحث والتحري، عن أسباب وخلفيات ندرة عديدة المواد الأساسية، وارتفاع أسعارها بشكل خيالي، بالموازاة مع إطلاق حملات تحسيس عبر فعاليات المجتمع المدني. وشكلت لجان تحقيق برلمانية لبحث ندرة مادتي الزيت، إلى جانب المفتشيات الدائمة لمصالح التجارة، بالتنسيق مع الضبطية القضائية، ليتقرر وبصفة رسمية تفعيل الردع الأمني والقضائي بشكل صارم، منذ مطلع أكتوبر الماضي. وأعلن وزير العدل حافظ الأختام للتلفزيون العمومي، أن لدى الدولة من "القرائن والدلائل التي تؤكد أن الندرة المفتعلة عن طريق الاحتكار، التهريب والمضاربة، تهدف لزعزعة استقرار الدولة من خلال المساس بالقدرة الشرائية للمواطن". وأكد قائلا: "سنضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بقوت الجزائريين"، مضيفا: "سنخوض حربا ضد هؤلاء المقاومين للتغيير الذين يريدون تعفين الجو العام"، ودعا المواطنين إلى التحلي بقليل من الصبر وكثير من الوعي لعدم الوقوع في اللعبة القذرة المتمثلة في بث إشاعات اختفاء المنتجات من المحلات وخلق اللهفة والتدافع والطوابير المسيئة لهم. ولأول مرة، يقدم وزير العدل خلاصات عمل الحكومة على هذه الظاهرة، بناء على "أدلة" أكدت بما لا يدع مجالا للشك أنها "أفعال تخريبية، وراءها جماعات منظمة أقلقها مسار أخلقة الحياة العامة وتقليص فاتورة الاستيراد". وبناء على ذلك، تقرر عرض الجرائم المرتبطة بالمضاربة غير الشرعية أمام قسم الإرهاب والجريمة المنظمة بمحكمة سيدي امحمد بالعاصمة، بالنظر لخطورتها وأبعادها التي تستهدف ضرب استقرار المجتمع ومؤسسات الدولة. حصيلة معتبرة وبحسب التقارير الدورية الصادرة عن وزارة العدل منذ 10 أكتوبر إلى 17 نوفمبر الجاري، تمت المتابعات القضائية بحق 336 متهما في قضايا المضاربة غير المشروعة والتهريب، وفق إجراء المثول الفوري. ومن مجموع المتهمين، صدرت 217 إدانة بالسجن النافذ من 03 سنوات إلى 20 سنة بحق المتورطين، فيما تم تقديم 35 شخصا أمام القسم المتخصص لمكافحة الجريمة المنظمة، منتصف أكتوبر الماضي، أودع 30 منهم السجن. بيانات وزارة العدل أخذت منحًى تنازليا، من حيث عدد المتهمين، إذ أحصت أول حصيلة في الفترة الممتدة ما بين 16 و20 أكتوبر 98 متهما، لينخفض الرقم في الفترة الممتدة ما بين 13 و17 نوفمبر إلى 58، ما يعني أن الردع الأمني والقضائي، بدأ يحقق النتيجة المرجوة منه. أما المؤشر الأبرز على انتصار سيف القانون، فيتثمل في عودة المواد التي ظلت محل مضاربة غير مشروعة واحتكار بشكل دوري (بمعدل كل 5 أشهر)، إلى واجهة المحلات.