يواجه جل التلاميذ القاطنين بقرية الفيرمة الواقعة بحي الشهيد محمود ببلدية حاسي بونيف بوهران جملة من الظروف الصعبة يوميا عند توجههم نحو المدرسة . خصوصا أن الحي الفوضوي المعروف ب " الفيرمة " يقع على بعد مسافة طويلة تفصلها عن وسط الحي، إذ يضطر التلميذ إلى العبور وسط أكوام القاذورات والمهملات المنزلية المتراكمة و كذا مخلفات ورشات البناء الواقعة على مقربة من سكناتهم . يومية الجمهورية قررت أن ترافق بعض التلاميذ على مدار يومين كاملين، انطلاقا من ساعة خروجهم من المدرسة إلى غاية وصولهم إلى قريتهم، ما جعلنا نلمس معاناة هؤلاء البراعم الصغار رفقة أوليائهم وهو يواجهون أقسى ظروف التنقل والعيش في منطقتهم المعزولة . كانت الساعة تشير إلى حدود ال11 صباحا ،حين رن جرس مدرسة البشير الابراهيمي ، هو موعد خروج التلاميذ الذين تنتظرهم أمهاتهم أمام المخل الرئيسي، و في الوقت الذي تفرق فيه الأطفال واتجهوا نحو منازلهم ، أخذ أبناء قرية " الفيرمة " طرقا مختلفة وسط الحي من أجل الوصول إلى حيهم الفوضوي، وذلك عبر مسلكين ، الأول يقع بمحاذاة ما يعرف ب " طريق السونتر " ، و هي عبارة عن منطقة فلاحية غابية يحد بينها و بين الطريق جدار على مسافة طول الطريق، والمسلك الثاني تتوسطه أكوام القاذورات و النفايات، وما لفت انتباهنا ونحن نرافق التلاميذ ، أنهم يمشون على شكل مجموعات ، ممسكين بأيدي أمهاتهم بقوة أو آبائهم ، فاغتنمنا فرصة السير معهم ، وسألنا السيدة " ز. خ "والدة إحدى التلميذات التي لم تخف تذمرها الشديد من الوضع المزري الذي يعيشه أبناؤها جراء غياب النقل وانعدام شروط الحياة الطبيعية بالنسبة لهم، إذ أنها تضطر يوميا للخروج أكثر من مرتين من أجل إيصال ابنتها و جلبها من المدرسة ،خوفا عليها من مخاطر الطريق ، حيث قالت "نحن نقطن بمنطقة معزولة جدا ، ونرتعب ساعة التفكير في ظاهرة اختطاف الأطفال، نخاف على فلذات أكبادنا من خطر المركبات بالطريق ،كما أننا أمام معضلة خروج الزواحف و الأفاعي و الحشرات السامة من أكوام القاذورات خلال الأيام التي تشتد فيها الحرارة و أمام انجراف التربة و الغرق أيام الشتاء . ومن جهتها قالت سيدة أخرى وهي أم ل 3 أطفال إنها لا يمكن أن تصف حجم معاناة أبنائها خلال فصل الشتاء، حين يصلون إلى منازلهم و ملابسهم ملطخة و مبللة بالمياه القذرة حد الركبتين، لدرجة أنهم لا يمكنهم الاستمتاع بملابسهم الجديدة ، و هم مجبرون على انتعال " البوت " البلاستيكي كلما تساقطت الأمطار. و نحن في طريقنا نحو قرية " الفيرمة " حاولنا التقرب من بعض التلاميذ الذين تحدثوا بكل براءة عن خوفهم من انتشار الأفاعي و تعرضهم للكلاب التي يضعها أصحاب الورشات من أجل حراسة العتاد ،و يتركونها تجول بالمكان، ما يشكل خطرا كبيرا على سلامتهم وسلامة جميع السكان خاصة الأطفال الصغار ، فضلا عن رائحة القاذورات و الأوحال بالمسلك الأول و طول المسافة بالمسلك الثاني ،فمنهم من لا يمكن لولي أمره أن يرافقه بشكل يوميا لتأمين طريقه أو توفير الحماية له. لا إنارة ولا ماء في القرية المنسية بعد دقائق أمضيناها في السير و الحديث مع بعض الأمهات و الأطفال الذين عبروا عن معاناتهم عند التوجه و العودة من المدرسة، وصلنا أخيرا إلى " الفيرمة " ، وهي قرية فوضوية بها أكثر من 100 عائلة ، تبين أنها تقيم فوق قطعة فلاحية، الجزء الأكبر منها تابع إداريا لبلدية سيدي الشحمي و جزء آخر لبلدية حاسي بونيف، و بسبب خطأ إداري سابق ظلت كل العائلات منذ سنوات طويلة تظن أن القرية تابعة لبلدية حاسي بونيف. وبالفعل وحسب جولتنا الميدانية اتضح لنا أن القرية تفتقر لأدنى شروط الحياة ، حيث يحصل سكانها على الإنارة عن طريق الربط العشوائي لكوابل الكهرباء مباشرة من أعمدة الإنارة العمومية، و يتزودون بالمياه عن طريق الصهاريج المتنقلة كما يتنقلون نحو الحي المجاور من أجل التبضع و شراء ما يلزمهم من مواد استهلاكية ، و بطبيعة الحال لا تجد الأمهات في حالة غياب الأب حلا آخر سوى إرسال طفلها من أجل شراء ما يلزمها ،علما أن سكان الفيرمة يدفعون بين الفترة و الأخرى بعض الدنانير لأحد سكان الفيرمة يدعى " بن عودة " ، هذا الأخير الذي وجد في فرز النفايات و المهملات المنزلية و حرقها طريقة لكسب قوت يومه . رغم النتائج السلبية من هذه العملية، حيث أشار السكان أن ذلك الدخان و الغبار المتسرب إلى المنازل بشكل يومي أضرّ بصحة الاطفال ، حيث أصيب جلّهم بأمراض الربو والحساسية ، دون الحديث عن الأمراض الجلدية التي كان أحد أسبابها تلوث الجو و انتشار الأوساخ و الحشرات ، كما أن الأطفال لم يجدوا أمامهم ساعة الخروج للعب سوى فضاءات يكفي القول أنها عبارة عن أزقة قرية فوضوية موحلة شتاء و تكسوها الحشائش والأعشاب الضارة و الأشواك صيفا ، تندس بها الأفاعي و الحشرات و يكسوها الغبار المتسرب إلى المنازل على مدار الفصول المشمسة . ونحن نجول في القرية استقبلتنا أحد العائلات المنكوبة ، حيث راحت ربة المنزل تعبر لنا عن انزعاجها الشديد من قساوة العيش في هذه المنطقة، في ظل الافتقار إلى السكن الذي يحفظ العيش الكريم و شوارع آمنة تريحهم من هاجس الخوف الدائم على سلامة أطفالهم بها ساعة الخروج من المنزل . في حين أوضحت عائلات أخرى أن قساوة العيش بقرية الفيرمة تهدد مستقبل أطفالها و أن الأفراد صغارا و كبارا تعبوا من الوضع المزري و ملوا من الوعود و الانتظار على أمل التفاتة من المسؤولين لتحسين وضعهم المعيشي ، فحصولهم على سكنات اجتماعية كفيل بالقضاء على المشكلة من أساسها خاصة أن ورشات البناء التي تقع على مقربة من قريتهم تضم مشروعا أو مشروعين اثنين لسكنات يفوق عددها عدد سكان القرية، فلو وجهت حسب رأيهم لصالح أكبر عدد منهم تحدده لجنة ميدانية تحقق في أمرهم سيتم القضاء على المعضلة ، و في نفس الوقت يزاول أطفالهم دراستهم بنفس المؤسسة التربوية بدل أن يتم توجيه السكنات لصالح وافدين جدد من أحياء أخرى ، و تخلق مشكلة أخرى باستمرار الوضع المزري و تأزمه و تكتظ أقسام المدرسة الوحيدة بالجوار.و يظل الوضع على حاله و الخطر يهدد سلامة الصغار و الكبار بالقرية. وهكذا انتهت جولتنا القصيرة عبر أزقة القرية في حدود منتصف النهار ، والتي كانت كافية للوقوف على واقع الحياة بتلك الرقعة العمرانية التي تفتقر إلى أدنى شروط الحياة الكريمة وتنعدم بها المرافق بمختلف أنواعها، وهكذا يظلّ حلم الطفل القاطن بها هو طريق معبدة يمشي عليها بحذائه الجديد ، ليستمتع بلمعانه لبضعة أيام أو الجري رفقة أقرانه دون تلطيف ملابسه بالوحل ساعة السقوط أو اللعب بدراجة هوائية لبضع الوقت ، و يبقى حلم اللعب بحديقة أو فضاء للألعاب كتلك الفضاءات العمومية حلم لم يخطر بالبال ، يشبه حلم زيارة جنة الأحلام التي رآها أحدهم كان أوفرهم حظا وعجز عن وصفها لهم . تأثير الوضع الاجتماعي على التحصيل الدراسي اقترب موعد الالتحاق بالمدرسة خلال الفترة المسائية فانطلقنا لسلك نفس الدرب في طريق العودة كانت شوارع القرية تبدو و أنها خالية على عروشها، حيث تقول إحدى السيدات إن الأطفال ينطلقون مبكرا خوفا من غلق باب المدرسة، اتجهنا مباشرة نحو المؤسسة التربوية البشير الابراهيمي بحي الشهيد محمود رن جرس الدخول كان الأطفال قد اصطفوا عند الباب وبعض الأمهات لم يغادرن المكان إلى غاية الاطمئنان على أطفالهن والتأكد من دخولهم الأقسام خوفا من غياب المعلمة و عودتهم في الحين ، كانت الفرصة سانحة أمامنا للاستفسار و سؤال بعض النسوة عن تأثير الأوضاع المعيشية على التحصيل الدراسي للتلميذ ، و على ما يبدو أن إجابات الأغلبية كانت مختلفة ، فمنهن من أكدت أن الأمر أثر بشكل كبير على أطفالها و على تشكيل شخصياتهم، فلا يمكن أن تتبلور لديهم مفاهيم ومكتسبات دون أن تتأثر بمحيطهم ، فيربطون معلوماتهم المكتسبة مع تخيلاتهم وواقعهم والمعيشي هذا ، في حين أن هناك من قالت إن أطفالها يختلفون فيما بينهم و أن المعرفة مرتبطة بالذكاء و هو أمر وراثي أو نعمة يمنحها الله لا علاقة لها بالظروف المعيشية ، على الأقل فيما يتعلق بالتلاميذ بمرحلة الطور الابتدائي، بحيث لا يصل فيها الطفل إلى درجة وعي تجعله يدرك أو يشعر بقساوة الظروف، باستثناء تأثير المرض ، خاصة بالنسبة لأولئك المصابين بمرض الربو ، والذين يؤثر المرض على مستوى و درجة تحصيلهم العلمي. و من جهة أخرى لم يفوّت أولياء التلاميذ الفرصة لتقديم جزيل الشكر للمعلمين والمعلمات ، خاصة لمدير مدرسة البشير الابراهيمي، لما يقدمونه من عناية خاصة لصالح أطفالهم و تسجيلهم ضمن قائمة الفئات المحتاجة للاستفادة من المنحة أو الحقائب المدرسية و تقديم النصائح و الإرشادات المهمة لهم ، الأمر الذي يرفع من معنويات الطفل و تحفيزه على الدراسة رغم الظروف الصعبة التي يعيشوها يوميا والمشاكل التي يواجهها في طريقه للالتحاق بمدرسته. مساع لتحويل الأرض من فلاحية إلى عقارية وقبل مغادرتنا لبلدية حاسي بونيف و إنهائنا لهذا الاستطلاع كان لابد لنا أن نتصل بمسؤولي المنطقة علنا نجد إجابات صريحة وحلول ناجعة من شأنها أن تبث الأمل في قلوب هذه العائلات ، وبما أن المسؤولين ببلدية حاسي بونيف خلال الآونة الأخيرة تداولوا على كرسي رئاسة البلدية، فقد أشارت مصادر من المجلس الشعبي البلدي أنه خلال العهدة الأخيرة ترأس المجلس الشعبي البلدي أكثر من مسؤول ، منهم من بادر في البحث عن حلول بالتنسيق مع المسؤولين ببلدية سيدي الشحمي ، ولم يبق على رأس البلدية حتى يشهد السكان نهاية مساعيه ، و منهم من لم يلتفت للقرية ، مبررا عدم قدرته على إيجاد حل للسكان نظرا لاستعصاء المشكلة ،نتيجة الخطأ الإداري ، كون أن سكان القرية يمارسون حقوقهم وواجباتهم كمواطنين تابعين لبلدية حاسي بونيف منذ سنوات فاقت 33 سنة بالنسبة للأوائل منهم، فيما أنهم تابعين إداريا لسيدي الشحمي . أما المسؤولين خلال الفترة الحالية فقد أشاروا عبر تصريح للجمهورية على لسان بعض أعضاء المجلس الشعبي البلدي أنهم لن يقدموا أي وعود لسكان القرية رغم درايتهم بالأوضاع الصعبة التي يكابدونها ، لأنهم في مرحلة انتقالية بسبب الانتخابات المحلية التي تفصلنا عنها أيام قليلة، كما أن الفترة السابقة التي ترأس فيها المير الحالي "محمد بن عبيث " قصيرة لم تمكنه من الالتفات للقرية في فترة الرئاسة المؤقتة بالنيابة و إنما حاول جاهدا القضاء على هذه المشاكل لأحياء بلدية حاسي بونيف، بما فيها حي الشهيد محمود كمشاكل ليست مستعصية بالقدر الذي عليه حال القرية . ومن جهته أوضح رئيس بلدية سيدي الشحمي السيد " كرطالي سيد أحمد " أنه اجتهد من أجل إيجاد حل للسكان و لم يفصل في الموضوع بتوزيع سكنات اجتماعية نظرا لقلة المشاريع السكنية ،وإنما وصل إلى اقتراح السعي من أجل تحويل طبيعة الأرض من فلاحية إلى عقارية و تسوية وضعية السكنات ،و بالتالي استفادة القرية من مشاريع لنفض الغبار عليها ، و إلى ذلك الحين يبقى وضع العائلات مرهون بالمرحلة المقبلة التي ستحدد من هم المسؤولين المحليين بعد الانتخابات و مدى اهتمامهم بوضع المواطن بهذه القرية .