توجد في الدول المتقدمة الكثير من مراكز البحث والتفكير و الدراسات الإستراتيجية و السياسية والاجتماعية والعسكرية التي تقوم بالمتابعة والمراقبة لما يحدث من تطور في مختلف المجالات ودراستها دراسة علمية مبنية على حقائق ومعطيات دقيقة و سواء كانت تلك المراكز تابعة لجامعات أو لهيئات مستقلة فأنها تنشر أعمالها لاطلاع الجمهور والحكومات عليها لمناقشتها والاستفادة في معالجة القضايا المطروحة بتثمين الايجابيات ومحاربة السلبيات والعوائق فتتخذ القرارات السياسية والاقتصادية الملائمة التي تكون لها فائدة وكل شيء عندهم يتم بعلم بعيدا عن الارتجال الذي يولد الفوضى والاضطراب فالتواصل مع المجتمع وتهيئة الرأي العام أو حتى صناعته لا تكون بطريقة عشوائية وإنما يتم التوجه المجتمع أو الشعب بطريقة مدروسة وبعد استشارة خبراء في الإعلام والاتصال حيث يتم التركيز على مواضيع وقضايا معينة وإظهارها بالشكل الذي يريده الساسة في الحكومة أو الأحزاب من أجل التعبئة حول الموقف لكسب اكبر عدد من الأشخاص خاصة خلال الحملات الانتخابية التي يكون فيها التنافس على أشده بين المرشحين فيتم إنفاق المال للقيام بالدعاية الانتخابية والتراشق بالاتهامات عبر وسائل الإعلام التي تلعب دورا كبيرا للتأثير في الناخبين وجعلهم يميلون إلى مرشح أو حزب معين ومنحه أصواتهم فالممارسة السياسية في عصرنا المتميز بانتشار وسائل الأعلام يجري الإعداد لها جيدا وبشكل مدروس على عكس ما يحدث عندنا حيث نجد أكثر المعلنين عن رغباتهم في الترشح للانتخابات الرئاسية أتوا من المجهول لا علاقة لهم بالسياسة ولا ينتمون إلى أحزاب أو هيئات لها علاقة بالسياسة وتسمع أحدهم يصرح في ثقة بأنه متأكد من فوزه دون أن ينتمي إلى حزب سياسي أو تكون له قاعدة شعبية وكأننا أمام عمل مسرحي وليس انتخابات رئاسية ذات أهمية بالغة بالنسبة لمستقبلنا في هذا الوطن العزيز علينا اعتقد أننا مازلنا بعيدين عما نطمح إليه في المجال السياسي من برامج مدروسة وقابلة للتنفيذ ومن خطابات سياسية قائمة على تلك البرامج ومدعمة بأفكار وآراء خبراء فمراكز ومكاتب الدراسات عندنا شبه معدومة ومركز الدراسات الإستراتيجية لا نجد لعمله أثرا يذكر في وسائل الإعلام مثلا ومعاهدنا وجامعاتنا تعيش في عزلة ولا تستشار في صنع القرارات رغم وجود كفاءات علمية فيها نسمع عنها أو تظهر في بعض وسائل الإعلام دون أن تلفت انتباه المسئولين الذين يتخذون القرارات والمواقف بعيدا عن الخبراء والمستشارين من خارج الهيئات التي يشرفون عليها وقد اقتدت بهم الأحزاب السياسية وسارت على نهجهم فلا تستشير غيرها ولو على سبيل الاستئناس بآرائهم ولم نجد خلال بحثنا معلومات اعتماد أحزاب معينة على دراسات علمية تسمح لها بالتواصل مع المجتمع الجزائري لإقناعه بأفكارها وبرامجها .