في سابقة هي الأولى و لاعتبارات سياسية متسارعة و دون ما دراسة مسبقة من طرف السلطة ، وجدت الدولة الجزائرية في خضمّ الحاح شعبي عارم مُطالِب بالتغيير السلمي ، - وجدت نفسها - تفتح مجال الإعلام الذي ظل منذ الاستقلال محتكرا من طرف الدولة ، إعلام كشفت الأيّام و الأحداث الداخلية و الدولية التي وضعته على المحك ، أنّ احترافيته مسألة تحدٍ بالدرجة الأولى ، تحدي نفسه و الترفع عن الدفاع عن الأجندات و الانزواء تحت المصالح الآنية للذين يغذونه و يتغذون منه . بقدر ما كانت الخطوة عملاقة - بالنسبة للجزائريين المنتمين إلى عالم ثالث و بأنظمة شمولية في عمومها - بقدر ما كان الرهان كبيرا ، لأنّ فتح مجال الإعلام في الظروف المذكورة معناه أنّ ذات الإعلام سيخوض عوض الثورة ، ثورات ، أوّلها رسم النموذج الذي يجب أن يسير عليه ، و لا يجب بأيّ حال من الأحوال أن يكون منقولا ، ثانيا البحث عن ماهية علاقته بالسلطة التي لم تفتح المجال طوعا بل استجابة لضغط الشارع في أحداث أكتوبر 1988 ، ثم موقفه من أصحاب المال و السلطة و الذين كانت لهم حصّتهم من هذا الانفتاح و بالتالي قد يجد بعض الإعلام نفسه يخوض معركة غير معركته بعد أن صار لهم إعلامهم و هم المنتمون إلى قطاعات شتّى ، و منهم منتمون إلى دوائر القرار و صناعته .، بل صارت علاقة بعض الإعلام مع السلطة مبنية على أساس علاقة أولئك مع السلطة، و أبانت عديد الأحداث و المواقف الحرجة التي تعرّض لها الإعلام الخاص عن هذه العلاقة ليست بأيّ حال من الأحوال علاقة ود . مادامت العلاقة لم تكن بين الإعلام الجديد و السلطة علاقة ود، هل وصل هذا الإعلام أن يكون سلطة مضادة للسلطة الرسمية و يرسّم الشرخ معها ، ليس من باب الاختلاف السلبي بل اختلاف في الأداء من أجل الوصول إلى المقاصد ، مقاصد تأخذ في حسبانها الأول مصلحة البلاد و الشعب . بقدر ما صفّق الجزائريون لتجارب صحفية خاصة بزغت مع الانبلاج الأوّل للانفتاح و جلبت الإجابات لفضوله في عديد المسائل بغض النظر عن الخبر الذي استثمرت فيه - و كان أغلبه أمنيا ربّعها بعضا من الوقت على رأس المشهد الإعلامي - وضعت لنفسها المتاريس فلم تقتحم مسائل عديدة وضعتها في خانة الخطوط الحمراء ، إمّا خوفا من السلطة الرسمية أو من أصحاب المال المتحكمين في خيوط اللعبة ، و بالتالي لم تستطع أنّ تكوّن سلطة مضادة و لو أنّها تعطي الانطباع بأنّ الوقوف في وجه السلطة كان حصان الحرب الذي تركبه من خلال افتتاحيات لا تستجمع رأيا موحدا و لكن تشتمّ منها روائح مصالح خلفية ،ولكن مهما كان يكتب لها أجر الاجتهاد لأنّ 31 سنة من التعددية يمكن القول نظريا و تطبيقيا أنّها مدة قصيرة عندما نقارنها بإعلام الديمقراطيات الكبيرة ، و أكثر من ذلك ، موضوعيا ، الدولة لم ترافق هذا الانفتاح الإعلامي بل رأت فيه ندا لها تخاف منه على مصالحها ، و بالتالي عقدة الحوف من الآخر كانت السمة المشتركة بينهما ، و حتّى عندما وصلنا إلى فتح السمعي البصري لاحظنا كمجرد مشاهدين و متابعين غياب الاحترافية عن المؤسسة السمعية البصرية الخاصة كمؤسسة و ليس ككفاءات إعلامية سوادها الأعظم قادم من السمعي البصري العمومي و أيضا من الصحافة المكتوبة العمومية ، كما أنّ الاندفاع غير المدروس في تناول المسائل و اختراق خصوصية المجتمع الجزائري بدافع المنافسة لفظ عديد التجارب الإعلامية من البيوت الجزائرية التي صارت تقف على الاختيار و لا تنقاد وراء اشهار أو تشهير . الاندفاع في الطرح من أجل الاستقطاب ، توظيف المال و التوجه نحو صحافة الرأي و ما يعاب و بشكل لافت قد تستقطب المشاهد العادي و لكن قد يلفظها أيضا أصحاب العين الثالثة من مختصين و متمرسين على الصوت و الصورة و مع تقادم المواضيع المطروحة و تلاشي حدّة الانبهار قد ينصرف المشاهد عن هذه القنوات فلمن و من أجل من تصنع سلطة مضادة تقف من خلالها و بها في وجه السلطة الرسمية ؟؟