التكوين البشري للأحزاب السياسية الجزائرية ليس متجانسا ولا يسعى لغاية واحدة وراء قيادات رشيدة وبرامج معدة بإحكام قابلة للتطبيق تخضع للدراسة والتجديد والمعلومات حول هذه الأحزاب غائبة سواء تعلق الأمر بالبرامج أو عدد المنخرطين فيها لذا من الصعب معرفة تركيبتها الاجتماعية وتقديم معلومات دقيقة حولها لمعرفة مدى قوتها وتأثيرها فما نقدمه هنا هو مجرد محاولة ومن المهم أن نبدأ بالحزب العتيد لجبهة التحرير الوطني الذي يعيش على تراث الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر فقد قام باحتواء المنظمات الجماهيرية كالاتحاد العام للعمال الجزائريين والمنظمة الوطنية للمجاهدين واتحاد الفلاحين الجزائريين واتحاد الصحافيين والكتاب والمترجمين والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات. وأنشأ الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية وجعل اتحاد الطلبة الجزائريين فرعا له فكل شرائح المجتمع كانت ممثلة في هذا الحزب الذي كان يحتكر العمل السياسي إلى أن صدر دستور 23 فبراير 1983 واعتراف النظام بوجود التعددية الحزبية فظهرت عشرات الأحزاب وصار بإمكان المواطن الجزائري أن يؤسس حزبا له أو يختار الحزب الذي يريد النضال في صفوفه حسب ميوله وقناعته. وقد استقلت بعض التنظيمات الجماهيرية عن حزب جبهة التحرير الوطني وتأسست منظمات طلابية جديدة كالاتحاد الطلابي الحرّ. كما تأسست نقابات عديدة في قطاعات التعليم والصحة والإدارة العمومية والشؤون الدينية والتعليم العالي ..إلخ. ورغم كثرة الأحزاب فقد ظلت جبهة التحرير الوطني قريبة من النظام تلقى الدعم المادي والمعنوي منه لهذا استمر العديد من المناضلين القدماء في داخلها أو في المنظمات الجماهيرية في الانتماء إليها كالمنظمة الوطنية للمجاهدين والمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء والاتحاد العام للعمال الجزائريين . ونظرا لاعتماد النظام على هذا الحزب الذي فاز مع غريمه التجمع الوطني الديمقراطي بأغلبية مقاعد البرلمان والمجالس الشعبية المحلية الولائية والبلدية والمناصب الوزارية الممنوحة له فقد ازداد الإقبال على الانخراط في صفوفه والترشح في قوائمه الانتخابية وتسلل أصحاب الشكارة من المقاولين وأصحاب المال إلى الصفوف الأولى بحثا عن النفوذ والحصانة البرلمانية التي تحميهم من المتابعة القضائية. ولا يكاد التجمع الوطني الديمقراطي يختلف عنه في التوجّه والتركيبة البشرية والحظوة لدى السلطة السياسية وتقاسم الريع والامتيازات. أما الأحزاب الإسلامية فكانت في بدايتها تضم الطبقة المتعلمة من طلبة وأساتذة ومعلمين لكنها اضطرت لفتح الأبواب أمام أصحاب المال من التجار والمقاولين فسدوا الأبواب أمام الشباب وصارت هذه الأحزاب منغلقة على نفسها ولا تهتم إلا بمصالح المنتمين إليها. وعندنا أحزاب التيار الديمقراطي الليبرالي واليساري التي تضم فئة ذات الثقافة الفرنسية بالدرجة الأولى وتنتقد النظام وتأكل في قصعته فهي المتحكمة في القطاعات الإستراتيجية بينما تسوق الكلام للبسطاء للضحك عليهم فالأغلبية الساحقة من المواطنين لا تنتمي إلى الأحزاب والمنظمات والجمعيات ولا تثق فيها.