تزامنت الاحتفالات المخلدة للذكرى ال 57 لعيد الاستقلال، مع الجمعة ال20 للحراك الشعبي، التي صنعت الحدث وخلقت الاستثناء هذه السنة، بمسيرتها السلمية الحاشدة بآلاف المتظاهرين، الذين استغلوا رمزية هذا التاريخ المهم، ليؤكدوا على صمودهم وتمسكهم بمطالبهم وبشعاراتهم المرفوعة، وعزمهم على الاستمرار في مسيراتهم الأسبوعية التي تجاوزت شهرها الرابع، الداعية إلى رحيل كل رموز النظام السابق، والتابعين له والمحسوبين عليه، وضرورة إحداث التغيير الجذري، الذي يفتح عهدا جديدا للجزائر التي يطمح إليها ويحلم بها كل أبنائها، المخلصين لوطنهم ... جزائر مبنية على أسس متينة وقواعد صلبة وقائمة على الديمقراطية الحقة، وقوية بمؤسساتها التي لا تزول بزوال الرجال. كما ثمن المتظاهرون الحرب القائمة على الفساد، وطالبوا أن تتواصل وأن تطال كل المتورطين في كل القضايا مهما كان وزنها ومهما بلغ حجمها، المفتوحة من قبل العدالة الجزائرية والحرص على معاقبة كل من له يد فيها، من قريب أو بعيد ودون أي تمييز.. لقد أخرج الحراك، أو بالأحرى الثورة السلمية والحضارية، التي عكست ولا تزال، وعي هذا الشعب ومدى تحليه بروح المسؤولية اتجاه وطنه، وكذا نضجه السياسي الذي لم تبلغه حتى الأحزاب نفسها، بأسمائها ومساره، من تلك المشاهد البائسة والصور النمطية الباهتة، التي ظلت تطبع هذه الاحتفالات منذ أكثر من عشريتين، حيث أعطتها المسيرات الشعبية الحاشدة، طعما خاصا وقيمة وطنية، تحمل أكثر من دلالة، بعيدا عن تلك الاحتفالات الفولكلورية، التي مللنا ويئسنا من مشاهدتها، كونها أساءت كثيرا وطويلا لهذه المناسبة العظيمة من تاريخ وطننا. الشباب .. صناع الحدث حيث صنع الاحتفالات بهذه الذكرى في غمرة الثورة السلمية، خلافا للعادة، أجمل صور الحرية والوطنية على الاطلاق، يكفي أنها ربطت الماض بالحاضر، واستحضرت مشاهد فرحة 5 جويلية 1962 ... بطريقة عفوية ودون برامج مسطرة أو مسبقة، التي عادة ما تستنزف أموالا طائلة لا تعكس تلك الاحتفالات. ما أشبه البارحة باليوم، وما أجل هذا الشعب الذي توشح بالراية الوطنية بمختلف أطيافه، وخرج ليجوب شوارع الوطن في عيد الاستقلال ويرسخ بذلك رسالة الشهيد البطل العربي بن مهيدي القائل «ارموا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب». فالاحتفالات الحقيقية احتضنها الشارع وصنعها أبناء الشعب هذه المرة ... يا لها من لحظات تاريخية واستثنائية عاشها الجزائريون، ستبقى راسخة في الذاكرة الجماعية، هل انتهى فعلا زمن التهريج في مثل هذه المناسبات والمواعيد المهمة ؟ وهل هو الانتقال السلس من رسمية الخطابات إلى شعبية الاحتفالات؟