الأسطورة أغنية والأغنية ثورة لقد كان الراي ثورة بما أحدثه في الاذهان وفي الموسيقيات وفى الرؤى الجديدة عن عالم ممكن قياسه على أسطورة أغنية الأغنية التي كانت ثورة. كانت ثورة بل لقد كانت متلازمة من الثورات المتداخلة والمتشابكة بصرخات الرفض للمعتاد والممنوع وفي تشظيات موسيقي تحفل بالتيارات الجديدة تلك المستجيبة للرغبات وقتها وبالمكاشفات عن الاجتماعي المعنوي والأخلاقي المتزمت ربما، فلقد راودتهم جميعا بالحان صاخبة سرية وبأشعار من الملحون المسكون بتقية الرمز وشعوبية المعنى، وكانت ثورة بأسماء ربما لم يتح لها إلا الراي الجريح ظل الهامش الحزين أن ترفع قولها إلى سموات البوح الغنائي رغم ضراوة الاقترافات الشخصية التي سبقت من مسارات النبذ السلوكي والعائلي والممنوعات وكسر القيود القبلية القاتلة في نماذج ذكرت فيما سبق. لقد كانت كل هذا تحت ظلال من فترات تاريخية طويلة ومهمة، فترات تاريخية مضت وسكنت الذكريات فيما عرت الأغنية الثورة وبما أعلت من حكايا الأسطورة الرايوية التي أكلت من سير الرايويين أعمارهم فأضحت نماذجا في يوميات الناس يلفها الإبهار وتحيط بها تخوم من الفضول لاكتشاف تلك اليوميات الرايوية التي بعثت أملا ربما في غد أحسن على إيقاعات أغنية. لقد قال الراي ما كان ممنوعا فلا يقال، قال غنائيا بشاعرية وبرايوية أضحت تيارا للعالم بأسره ومخاضا حداثيا موسيقيا تهفو له قلوب العالمين ؟ كان متلازمة من الثورات الهادئة التي لا تتعب ومن الثورات المقتنعة مند البدايات بما تغنى برمزيات المغنى نفسه ورمزية المعني نفسه أيضا، وقد توالدت تاريخيا وتراكمت واقعيا كحالة غنائية استثنائية صعب جدا إلغاؤها رغم ضراوة ما حيك والذي ما زال يحاك ؟ لقد أضحت التجربة مثلما الأسطورة المتجلية في أغنية والأغنية قامت كما الثورة فكانت ضمن أغنية أخرى عريقة وكأنها استولدت من جنبها لكن بأكثرية من مخاضات الغضب والرفض، وكبرت سريعا وامتلكت من السطوات الإيقاعية والجرأة والمكاشفات الضمنية في الأشعار المغناة وبالإيقاعات الصاخبة ما لم تمتلكه أغنية غيرها في بادية الساحل الوهراني ومثلثه الرايوي المتمرد أين رفع الإبهار وجهه الأولى لأنها ببساطة كانت مختلفة تماما ضمن مألوفات كثيرة من الأنماط الغنائية والطبوع والنماذج الأخرى التي استوردت من هنا وهنالك وقد خطت لها مسارا ضمن تراثيات الغرب الجزائري ربما وأغنية الساحل الوهراني تحت سموات البداوة فيما سبق ضمن اللحنيات المغناة التي المكرسة الحضور وبشتى الصنوف. لم تكن مغريات الحياة الموسيقية والغنائية قبل سطوع شموس الأغنية الرايوية بالملفتة بما يكفي أو تلك الجالبة للانتباه كما أحدثته أغنية الراي فقد كانت ببساطة تعيد ما كان يغنى كميراث من العقود التي سبقت في نمطية من الأجواء والمغنيين والأشعار حتى وقد أكل الوقت رغبات تلك الطبوع إلى أن أصبحت ربما من لوازم الفرح والابتهاج لكن ضمن الاعتيادي المالوف الذي لا يثير نزوات الإبهار في ذلك الساحل الوهراني. فقد كانت حياة غنائية ضمن الاعتيادي والمألوف تقديماته الغنائية قبل الأغنية الرايوية الثورة بتمردات ما تلا ؟ فيوميات أهل الغناء من الموسيقيين والمؤديين تعيش في ظلال الهامش من تلك الأيام الماضية في بداوة المكان ومبهجات الحياة، فقد كانوا يحاولون أن يعطروا مساءاتهم بالأفراح فقط ربما بمقاطع غناء يبهج الأرواح وفق ما كان مشهورا حسب الفترات الزمنية من الأصناف شتى. وكانوا هؤلاء من أهل الغناء متلازمة أيضا من المشارب والأجناس قد تمازجت في انصهار تاريخي موسيقي غنائي أعطى صيغا من الأغنيات والإيقاعات المتأصلة. كان الساحل الوهراني سيما مدينته الأشهر وهران محط الأجناس من يهود ومغاربة على ما كان مشاعا من موسيقيات الأمازيغ والعرب والإيقاعات الأفريقية فكانت المدينة برمتها وكأنها مزج من الإيقاعات والنغمات أو حفل كبير من شتى الأغاني المتأصلة الواحدة أعمق من الأخرى والعكس صحيحا تماما كما أن ذلك الإرث الغنائي الموسيقي المزج كان متأثرا بالتطورات الجديدة مقياسا بوقته لاسيما تلك التي تعنى بالموسيقى وأساليب الغناء. ففيما كانت طباع غنائية تأخذ من التجارب الجديدة منهاجا بمقاييس زمانها بما كان متاحا في طالع القرن العشرين، كانت أغنية تكاد تكون الأشهر والأكثر حضورا في جغرافية ذلك الساحل بل وفى الغرب الجزائري كله كما سرده ضمن كتابة سلفت. وهي أغنية كانت مشهورة وغير مشهورة أيضا، ومألوفة ولكن وكأنها غير مألوفة أيضا، متأصلة لكنها جديدة التطلعات في كل فترة ومنتظرة لما يمكن أن تحمله التقلبات الحضارية على الغناء والموسيقى بما كانت تستشعره على انفتاحها إلى كل ما هو جديد، بل أن بنيتها الإيقاعية كانت توحي بذلك التأهب والأحلام الممنوعة. كانت تلك الأغنية البدوية وهي الأكثر رسوخا في التراث الغرب الجزائري وفى أغاني الساحل الوهراني برمته وكانت هي الأخرى بمشارب شتى من الغناء البدوي بشكل عام. وفي خضم الحضور الغنائي الطويل الذي يؤرخ له منذ القرن الثامن عشر كأسلوب من الغناء البدوي البسيط جدا والمحتفى بالشاعرية الشعبية والملحون فكان ضاربا في عمق الماضي، ثم إن تطورا قد مس هذه الأغنية البدوية القديمة فبدأت تسكنها روح مختلفة تماما عما كانت إيقاعيا ربما أو توظيفا للتجارب الجديدة في الإلقاء والتناول اللحني ضمن أساسيات البداوة المغناة، فقد بقيت في أطر من الغناء البدوي بصفة عامة إلى حدود العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين. لما بدا لحنا غريبا إيقاعيا يشد الانتباه في ذات الأغنية تلك ومع الوقت أخذ ذلك الاختلاف ينحى إلى التميز فكان إيقاعا محمولا على ذات الآلة الأكثر حضورا في الأغنية البدوية وهي الدربوكة ذات الأصول العربية وبدأت تلك الإيقاعات الجديدة في إحداث الفارق الذي أضحى بعد خمسة عقود التي تلت الثلاثة الأوائل من القرن العشرين تيارا غنائيا قائما مشهورا وأنه الراي الجزائري.