المعطي منجب لوح في الأيام الأخيرة مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان بإمكانية استقالته من الحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، منذ آذار/مارس الماضي. الرميد وهو الشخصية الحزبية الأهم في الحكومة بعد رئيسها، شرح موقفه بطريقة غير مباشرة ولكن بوضوح كاف يُفهم منه أنه لا يشعر بالارتياح الكامل داخل الحكومة. فقد صرح للصحافة أن «الاستمرار في تقلد المسؤولية الحكومية من عدمها (…) مجرد تفصيل». ثم أضاف أن «المهم هو أن يقوم المسؤول بواجبه مادام مسؤولا وإذا رأى أن لا جدوى من الاستمرار في تحمل المسؤولية فجدير به المغادرة (…) أنا اليوم وزير دولة أتحمل مسؤوليتي بما يرضي ضميري، أما ما يمكن أن يقع غدا فعلمه عند الله تعالى». الرميد كان قد عبر أيضا عن صدمته منذ أسابيع لما تم نشر فيديو لزعيم الحراك من طرف مواقع إعلامية مقربة من السلطة واعتبر هذا إهانة لكل المواطنين. أكثر من هذا فإن سعد الدين العثماني المعروف باعتداله وعدم استعماله لقاموس عبد الإله بنكيران المنتقد للسلطة، عبر كذلك عن انزعاجه من التأثير السلطوي الطاغي في القرار السياسي للجهاز التنفيذي الذي هو رئيسه، على الأقل من الناحية النظرية. فقد صرح رئيس الحكومة أياما قليلة بعد الخطاب الملكي المنتقد للسياسيين ولأعضاء الحكومة «إن هناك من لا يريد للبلد أن يبقى بمرجعيته الإسلامية، ولا يريد له أيضا أن يستمر في بنائه الديمقراطي، ويريد من جهة أخرى أن يعود بالبلاد إلى الخلف بنفس تحكمي». وأضاف العثماني «كانت هناك جهات لم تكن تريد لهذه الحكومة أن تخرج، سواء حين عين بنكيران لتشكيلها أو حين تم تعييني وهؤلاء مازالوا مستمرين في كيدهم (…)». هكذا استعمل السيد العثماني كلمة «تحكم» وهو المفهوم الذي كان يثير حنق القصر على بنكيران الذي كان يستعمله ليشير إلى بطانة القصر التي تكاد تتحكم في كل شيء. ولما نتمعن في تصريحي العثماني والرميد فكلاهما يتضمنان ردا مهذبا ولكن واضحا على الملك. فهما يؤكدان ضمنيا على أن هناك من يعرقل عمل أعضاء الحكومة بجعله غير ذي جدوى (حالة الرميد) أو عن طريق التحكم (كما يشير لذلك تصريح رئيس الحكومة). ولنذكر هنا أن محمد السادس أفصح ولم يكتف بالتلميح إلى أنه يرفض رفضا قاطعا ومسبقا مثل هذه المواقف والتصريحات التي تجعل من القصر مسؤولا عن كل شيء بما في ذلك عن الأمور التي تفشل. فقد قال الملك بالحرف الواحد: «على كل مسؤول ان يمارس صلاحياته دون انتظار الإذن من أحد وعوض أن يبرر عجزه بترديد أسطوانة «يمنعونني من القيام بعملي «فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد». وها هو الرميد يقول إذن ولو بطريقة «ديبلوماسية»: نعم سيدي إني قد أشعر بأنه لا جدوي من وجودي داخل الحكومة وهذا، إذا استمر، سيؤدي بي في الأخير إلى مغادرتها. ويمكن أن نطرح الآن السؤال التالي، ماهي الأسباب الكامنة وراء هذه الشروخ التي بدأت تظهر بين القصر والزعامة السياسية للحكومة. إنه الحراك ولا شك. فالعثماني كان قد اعتذر أمام العموم ومنذ أسابيع عن العنف الذي كانت تمارسه القوات العمومية ضد المتظاهرين السلميين. فما معنى أن تتابع قوات الشرطة نفس الأسلوب بل وأشد في التعامل مع مواطني الريف؟ فهل كلام رئيس الحكومة لا قيمة له؟ وما معنى أن يدافع الملك في خطابه الأخير عن الأمن ورجاله دون أية إشارة إلى الأخطاء والتجاوزات التي ارتكبت ودون أن يعبر عن دعمه لحكومة السيد العثماني؟ يبدو الرميد كذلك محرجا غاية الحرج من تمادي الأمن في استعمال العنف ضد المتظاهرين رغم أن عددهم أصبح لا يتجاوز العشرات في أغلب الأحيان. كما أن التحقيق الرسمي في نشر الفيديو الفاضح لزعيم الحراك من طرف «صحف» مقربة من الأمن لم يسفر على شيء. ويبدو واضحا أن الملف سيقفل دون متابعات جدية. ونفس الشيء قله عن استشهاد الشاب عماد العتابي بعد إصابته بخرطوشة الغاز المسيل للدموع وكذلك عن تعذيب بعض قياديي الحراك وإهانتهم من طرف الشرطة وهو الشيء الذي أكده المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهو مؤسسة رسمية. إن هذا الشنآن يذكرنا بما كان يقع بين القصر ورئاسة الحكومة في عهد بنكيران والذي أدى من بين ما أدى إليه إلى «البلوكاج» ثم إلى إعفاء بنكيران من رئاسة الحكومة مما أدخل البلاد في أزمة بين العدالة والتنمية والنظام دامت شهورا طويلة. فهل يقف المغرب من جديد على عتبة أزمة جديدة بين القصر والبيجيدي.