بقلم: ماهر أبو طير أعرفه شخصيا، لا يصلي ولا يصوم، ويعيش خارج الأردن، ثري هو، صديقاته لا عدد لهن، رغم أنه متزوج، لا تمر ليلة إلا ويشرب فيها الخمر، ولا يبالي بأحد. عمره على مشارف الستين، وكلما كنت أسأله بلطف، لماذا لا يتوقف عن كل هذا، لم يكن ليجيبني إلا بجواب واحد، يقول إنه ذاهب إلى جهنم حتما، لأنه يعصي الله، ولأن كل رجال الدين يحتقرونه، بسبب أفعاله، ويلذعونه بأسوأ الكلام، ممن يعرفونه. بات يائسا، من العودة لله، فوق كراهيته لأي وعظ ديني، أو نصيحة، راويا عشرات القصص التي أهين فيها، من أقارب متدينين له، لكونه اشتهر بالمعصية، ولا يتوقف، فيما الجميع يكسبون الثواب على ظهره عبر تقريعه، وفقا لتعبيره. يأس فوق يأس، ومشاعره تقطر بالغضب والحقد على المتدينين، لأن أغلبهم لم يحدثوه إلا عن جهنم، وعن حرائق القبر، والعقارب والأفاعي، والضرب والعقاب، قائلا إن خطابهم التنفيري، جعله يشتد في العصيان، بما أن المآلات محسومة. كنا في نقاش ذات مرة، ومعنا طبيب مصري، هادئ، حكيم، جميل اللسان، ومتدين بطريقة مختلفة، وأمام ما سمعه، قال لصديقنا، إن عليه أن لا يستمع لأحد، وأن يبحث عن دواء إذا كان جادا لمحو الذنوب، وللتخفيف عن سجله المثقل، لأن الأمر بيد الله وحده، وليس بيد البشر، دون أن ننكر هنا، مبدأ العقاب للعاصي، إذ مقابله مبدأ العفو عن العاصي. أعاد صديقنا المصري الكلام مرات، حتى شعرت لأول مرة أن رجل الأعمال، يستمع ويتوهج وجهه، حين قال له الطبيب، عليك أن تتصدق، وتساعد المحتاجين، لأن الصدقة تطفئ غضب الله، وهي سر ودواء، حتى لو لم تتمكن من التوقف عن حالك هذا حاليا، إذ عليك أن لا تترك سجلاتك سوداء دون نقاط مضيئة. مرت الأيام، وكانت النتيجة بعد سنين، أن صديقنا هذا بقي على حاله من العصيان، لكنه بدأ في ذات الوقت ببناء بيوت للأيتام، وتخصيص منح للطلبة الفقراء، وبدأ يقدم مبالغ مالية كبيرة في رمضان للمحتاجين، وتوسع هنا وهناك، بطريقة جميلة، ورائعة، لكن دون أن يتوقف عن عصيانه، غير أن حاله اختلف جذريا، فقد كان خطه العصيان فقط، ثم أسس خطا موازيا من الإحسان، لعله يخفف من ثقل سجله، وسواد وجهه أمام الله يوم الحساب. لأن الصدقة تطفئ غضب الله، ولأن فيها الدواء والسر، مرت أربع سنين على هذه الحالة، خطان متوازيان، متناقضان، إلى أن جاء رجل الأعمال إلى عمان ذات يوم. قال لي إنه ترك الخمر كليا منذ تسع شهور، لا خمر ولا زنى، وبات يصلي ويصوم، بكل يسر وسهولة، وسبب ذلك أنه في ليلة ما، أحضر زانية ممن يتم الدفع لهن، وحين أدخلها إلى شقة يمتلكها، فجرا، وهي شقة تملكها مؤخرا، وقبل أن يبدأ بطقوسه المعتادة، سمع أذان الفجر فجأة، ولم يكن يتنبه إلى أن المسجد مجاور لشقته تماما، والأذان زلزل أركانه، وهز بنيانه. يقول والدمع في عينيه لم أسمع أذانا في حياتي مثل ذاك الفجر، تزلزل وجداني، وكأن نورا من السماء اجتاح روحي، شعرت ببرد شديد، قشعريرة، خوف، ويد سماوية تضرب صدري، وقلبي يخفق بشدة، وكأني أبصرت الدنيا لحظة الأذان، والزانية مازالت في الشقة الجديدة. أخرجها وأعادها إلى حيث كانت، وكان ذلك فجر مختلف في حياته، ميلاد جديد، ولم أجد كلاما أقوله له، إلا أن حسن ظنه بالله، تسبب له بالنجاه، فالله أبى له، وهو مغيث للأيتام والفقراء والمساكين أن يبقى على حاله، فجاءت مواقيت التغيير، ببركة الصدقة، ولأنه تخلص من اليأس في علاقته مع الله. حاله اليوم مختلف تماما، يكفيك وجهه النوراني المشرق بحق، حين تقارنه أحيانا ببعض من يمارسون الوعظ على الناس، ووجوههم مغبرة لأنهم ينفرون الناس، بدلا من طمأنتهم واجتذابهم بالحسنى، ولأن بعضهم، يعبد الله على حرف، مغرورا بطاعته، ويظن نفسه فوق البشر، طائعين وعصاة، سائرا كطاووس في الأزقة. في القصة دلالات كثيرة، أقلها أن تنفير الناس، لا يخدم الدين، واستقطابهم بالحسنى، أهم، كما أن أنين العاصي، في مرات كثيرة، خير من غرور الطائع. خذوا الناس بالحسنى، في هذا الزمن.