تتعرض السنة النبوية لهجوم متواصل، وحملات مستمرة قديما وحديثا، مرة بإنكارها، وأخرى بالتشكيك فيها، ومرة بالطعن في الصحابة الكرام، وهم من نقلوا لنا القرآن الكريم، و حملوا لنا السنة النبوية المطهرة، فإذا تم الطعن فيهم والتشكيك في مقدرتهم، فسوف يصل الشك فيما نقلوه لنا من أصول الدين، وهذا الهجوم المتواصل يهدف لهدم الأصل الثاني من أصول الدين وهو السنة النبوية، وليعيش المسلمون بعيدين عن أصولهم، وليفقدوا العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فالسنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول التشريع الإسلامي؛ ولذلك قد تكفل الله تعالى بحفظها، بعد كتابه الكريم، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر:9، وقد اشتمل الحفظ على حفظ القرآن الكريم، فقد وصل إلينا بالتواتر، محفوظا من كل نقص أو تغيير أو تحريف، وسيظل بإذن الله كذلك إلى يوم الدين. وأوضح العلماء بأدلة من كتاب الله تعالى أن الحفظ اشتمل أيضا على حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في قوله تعالى: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) النساء113، وفي قوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الأحزاب 34. فبين العلماء أن آيات الله هي القرآن الكريم، والحكمة هي السنة النبوية. وسخر سبحانه وتعالى العلماء جيلا بعد جيل لحفظ السنة النبوية من التحريف والتغيير، فقام الصحابة الكرام بحفظ أقوال وأفعال وإقرارات النبي صلى الله عليه وسلم، وقام بعضهم بكتابتها، ثم قام من بعدهم من التابعين بتدوينها، وتصنيفها، ثم تنقيتها وتمحيصها، ووضع العلماء قواعد صارمة في علم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، ووضعوا ضوابط لبيان وتميز الأحاديث الصحيحة عن غيرها، وتفردوا بوضع منهج متميز في نقد الرجال لم تصل إليها أمة من الأمم السابقة للتثبت والتحقق من الأحاديث الصحيحة وتميزيها عن غيرها، واستطاعوا وضع المؤلفات لإفراد الأحاديث الصحيحة والحسنة، ومؤلفات أخرى للأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبذلك حفظت السنة النبوية من التغيير والتحريف، ووصلت لدرجة عالية من التدقيق نفتخر بها ونباهي جميع الأمم. ويشكك المغرضون في هذه الجهود، ويحاولون الزعم أن السنة النبوية لم تكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مثل القرآن الكريم، وأن الله تعالى قد تكفل بحفظ كتابه فقط، ولم يتكفل الله تعالى بحفظ السنة، ويدعون أن الأحاديث النبوية فيها الصحيح وغيره، وأنها اختلطت، ولم قام العلماء بالرد على هذه الشبهات ودحضوها، وأثبتوا أن السنة النبوية قد حفظت كالكتاب الكريم، وتم تمييز الصحيح عن الضعيف، بدأ الهجوم يأخذ صورا أخرى، وأشكالا جديدة خاصة بعد الغزو الفكري الذي جاء بعد هزيمة الصليبيين في الحملة التاسعة على يد المسلمين بعد حملات استمرت أكثر من مئتي عام، وبعد دراسات وبحوث وتفكير طويل، توصلوا إلى أنهم لن يهزموا المسلمين عسكريا إلا إذا هزموهم معنويا وفكريا، وإذا أبعدوهم عن التمسك بكتاب الله تعالى الذي يأمر بالجهاد، ولن يتغلبوا عليهم إلا إذا جعلوهم يهجرون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وإذا أضعفوا المسلمين الذين يعتزون بدينهم، ويتمسكون بتاريخهم. فعكف هؤلاء الأعداء على وضع المخططات التي صاحبت تقسيم دولة الخلافة الإسلامية بعد إسقاطها، وتوزيع دولها على الدول الغربية، فمع احتلال بلاد المسلمين، قاموا أيضا بمحاولات لهدم أصول الدين، وتزوير التاريخ الإسلامي، والتشكيك في عقائد المسلمين، وتغيير اللغة العربية، ونشر اللهجات المحلية، والطعن في السنة النبوية، وذلك بزعم تعارض بعض الأحاديث مع القرآن الكريم، ثم كشروا عن أنيابهم وبدأوا يطعنوا صراحة في الصحابة الكرام، وشجعوا من ينكر سنة خير الآنام صلى الله عليه وسلم. ولقد سمى الله تعالى القرآن حديثاً، من ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا) الزمر :23، وهي تسمية لغوية باعتبار القرآن تضمن أخباراً عظيمة وعجيبة، إلا أن لفظ الحديث صار علماً يطلق على كل ما يصدر عن الرسول، ولقد أطلق الرسول نفسه على كلامه لفظ الحديث، وذلك في قوله لأبي هريرة حين سأله عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة فقال له: (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه) رواه البخاري. بناءً على هذا يمكن القول: إن الحديث في الاصطلاح: هو كل ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو إقرار أو صفة خَلقية أو خُلقية. تنبيه: استعمل العلماء بعض المصطلحات الأخرى إلى جانب مصطلح الحديث مثل السنة، والخبر والأثر، وهذه المصطلحات في حقيقة الأمر متقاربة في معناها، فكلها تدور حول ما صدر عن الرسول ابتداءً، وإن كان بعض العلماء ذكر فروقاً بينها لكنها في النهاية تصلح كلها من حيث دلالتها أن تطلق على حديث الرسول. ولكن استقر الأمر على أن الحديث يطلق على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، والخبر يطلق على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره في العصور القديمة. ثم صار الخبر يطلق حديثا على أي خبر آخر غير الحديث النبوي. وأما الأثر فيطلق على كلام الصحابة والتابعين.