وعَنْ أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ) رواه التِّرمذي، وقال: حسنٌ. قال ابن رجب رحمه الله تعالى: 1- الذي يعني الإنسان هو الذي تتعلق به عنايته، ويكون مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء. وليس المراد أنه ترك ما لا عناية به ولا إرادة، بحكم الهوس وطلب النفس، بل بحكم الشرع والإسلام، ولذا جعله من حسن الإسلام. فإن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، وسَلِم من المحرمات والمشتبهات والمكروهات، وفضول المباحات التي لا نحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه، وبلغ درجة الإحسان، وهو أن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، فمن عَبَدَ الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه، أو على استحضار قرب الله منه وإطلاله، فقد حسن إسلامه، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام، ويشتغل بما يعنيه فيه. فإنه يتولد من هذين المقامين الاستحياء من الله، وترك كل ما يستحيى منه. 2- وقال الشيخ أحمد الفشني: الذي يعني الإنسان من الأمور ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه وسلامته في معاده، وذلك يسير بالنسبة إلى ما لا يعنيه، فإن اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور سلم من شر عظيم، والسلامة من الشر خير. 3- قال ابن عبد البر: كلامه صلى الله عليه وسلم هذا من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة. وقال ابن الصلاح: قال أبو زيد إمام المالكية في زمنه: جماع آداب الخير في أربعة أحاديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) و(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (لا تغضب) و(المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه). فهذا الحديث من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. 4- قال الإمام الغزالي: وحدّ ما لا يعنيك في الكلام أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مال، فإنك به مضيع زمانك، لأنك به أنفقت وقتك الذي خير لك لو صرفته في الفكر والذكر، فمن قدر على أن يأخذ كنزاً من الكنوز فأخذ بدله مدرة لا ينتفع بها كان خاسراً.