مناهج تربوية لتعليم قتل العرب لتلاميذ المدارس *** ليس سرّا أن دولة الكيان استغلّت على مدار عشرات السنين المخزون الهائل من يهود البلدان العربية في نشاطاتها التجسّسية داخل البلدان العربية كالجاسوس الصهيوني في سوريا إيلي كوهين مثلا وقد شكّل هؤلاء وخصوصا المتعلّمون منهم في العراقوسوريا ومصر عماد أجهزة ومؤسّسات البحث العلمي والاستخبارات العسكرية على الرغم من أن هيمنة الثقافة الإشكنازية والاستعلاء على الشرق دفعا بكثير من الشرقيين إلى محاولة كتم أصولهم أو معرفتهم باللّغة العربية. وكانت اللّغة العربية أمرا مباحا فقط إذا طُوّع لخدمة سياسات الاحتلال وأهدافه وليس كممثّلة لثقافة وحضارة عريقتين. مع مرور الوقت واختفاء أجيال اليهود العرب الذين يتقنون العربية سعت سلطات الاحتلال إلى الاحتفاظ بمخزون ممّن يجيدون اللّغة العربية عبر تعليم اللّغة العربية في المدارس الرسمية. لكن اللّغة العربية كانت موضع استهتار ولم يقدم عليها عادة إلّا يهود من أصول شرقية كونها مألوفة لديهم ومدخلا يمكن الحصول من خلاله على درجة عالية في الامتحانات التوجيهية. على الرغم من ذلك لم تهمل أجهزة الاحتلال موضوع تعليم اللّغة العربية لكنها لجأت إلى الترغيب في تعلّمها عبر توصيفها بأنها مدخل ل (معرفة العدو أولا وأداة لإحباط التهديدات والأخطار التي تحيط بإسرائيل) على الرغم من أن عددا من أساتذة اللّغة العربية من اليهود الشرقيين حاولوا بفعل أصولهم العربية مثل مجموعة من الأساتذة العراقيين كشموئيل موري وشمعون بلاص وموشي شارون ومئير حدّاد وآخرون إيفاء العربية حقّها ربما أيضا بغية الرفع من مكانة تخصّصهم فيها. * حاجة قومية وعسكرية كشفت صحيفة (هآرتس) في تقرير لها أن النظرة العسكرية والأمنية ما تزال مسيطرة في التخطيط لتعليم اللّغة العربية خصوصا في المرحلة الإعدادية وعبر استخدام جنود نظاميين ما يزيد من الهالة الأمنية والحاجة القومية إلى دراسة العربية. وحسب التقرير فإن الدروس التي يعطيها الجنود في المدارس الإعدادية تبدأ مثلا بمطالبة التلاميذ بتقديم المساعدة لإحباط عملية وردت إخباريات بشأنها كما يُطلب منهم فكّ رموز المعلومات المتوفّرة ومحاولة فهم وترجمة مقاطع صوتية أو نصّية من التحذيرات بشأن العملية وانتهاء بتقديم الشكر لهم لأنهم ساهموا في منع عملية كانت ستودي بحياة زملائهم في المدرسة. وتقول الصحيفة في تقريرها إن هدفا أساسيا من بين مجموعة أهداف تسعى وزارة التعليم أو سلاح الاستخبارات العسكرية إلى تحقيقه من وراء فعاليات تعليمية كهذه هو جعل التلاميذ (يدركون أهمّية اللّغة العربية) وقد تمّ اختيار أسلوب الترهيب أداة لتحقيق هذه الغاية. وعلى الرغم من أن الاستخبارات العسكرية (أمان) تملك وحدة خاصّة للجنود الدروز من الداخل الفلسطيني الذين فرضت عليهم الخدمة الإلزامية إلّا أن المؤسّسة تسعى إلى توسيع نطاق متعلّمي العربية كأداة في خدمة الاحتلال وليس كلغة وثقافة. وفي هذا السياق يكشف عميد كلّية الأدب في جامعة حيفا رؤبان شنير أن شعبة الاستخبارات دأبت على مرّ السنين على تطوير وتأهيل (لحم للاستخبارات العسكرية) فيما يشير التقرير إلى أن وحدة الاستخبارات النخبوية 8200 هي التي تتولّى هذه المهمة وتوفّر المرشدين من الجنود لتمرير هذه الفعاليات في المدارس. * تعلّموا قتل العرب يتدرّب التلاميذ خلال حصص اللّغة العربية للصفّين الثاني والثالث إعدادي على محاولات لفكّ رموز الرسائل التحذيرية وفكّ رموز محادثات مسجّلة بالعربية والسعي للكشف عن موعد العملية وكلّ ذلك بعد محاولة تحديد مكان تنفيذ العملية عبر فكّ رموز لغز كلمات متقاطعة. وحسب التقرير فإن هذا الأسلوب المتّبع في تدريس اللّغة العربية هو نتاج إخضاع تعليم اللّغة العربية في دولة الاحتلال للاحتياجات الأمنية والعسكرية وبفعل العلاقة الوثيقة بين وزارة التعليم وبين الجيش الإسرائيلي. من هنا فإن التعليم في الصفوف العليا يتضمّن تخصّصا في مجمل التهديدات مع استعراض مزهو بالفخر لعمليات التصفية والاغتيالات التي نفّذها الاحتلال في حقّ ناشطين ومقاومين فلسطينيين بل وحتى تمرير دروس عن خطر الأنفاق ودرس يتضمّن شرحا لعملية اغتيال الشهيد خليل الوزير المعروف ب (أبي جهاد) في تونس. ويلفت التقرير إلى أن باستطاعة التلاميذ أن يختاروا في الصفّ الأوّل ثانوي دروسا عن اغتيال الشهيد يحيى عياش أو حتى أن يختاروا في مرحلة الثاني ثانوي التخصّص في تأثير الميراث الإسلامي على أنماط عمل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتنظيم (الدولة الإسلامية.. داعش) وحزب اللّه بل وحتى عن كيفية تصفية الأمين العام السابق لحزب اللّه عباس الموسوي أو درسا حول الجهاد المسلّح المتصاعد في أوروبا). ويشير التقرير إلى دراسة جديدة أعدّها الدكتور يونتان مندل تكشف أن هذا التمازج والانسجام بين وزارة التعليم الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لم يبدأ في الفترة الأخيرة بل هو قائم منذ عشرات السنين إذ تكشف وثيقة تعود إلى العام 1956 وضعها مستشار رئيس الحكومة الإسرائلية للشؤون العربية يهوشفاط هركابي أنه يجب مع تخرّج التلاميذ أن يتخصّصوا الاستشراق في المدارس ل (ضمان تطوير كوادر قادرة على تبوّؤ مناصب ووظائف في الشؤون العربية وهو ما يلزم ملاءمة هذه الأجهزة التعليمية لهذه الاحتياجات الخاصّة). وكان هركابي قد أصبح لاحقا جنرالا وشغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات (أمان) وعمل محاضرا للعلاقات الدولية في الجامعة العبرية حتى وفاته قبل نحو عشر سنوات واشتهر باختصاصه في حرب العصابات. وورد في كتاب مندل أنه بعد 8 سنوات أبلغ مفتش اللّغة العربية للمعلّمين بالمدارس اليهودية بأنه على (ضوء الطلب المتزايد من الجيش بادر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أمان إلى عقد لقاء مع وزارة التعليم لتشجيع تعليم العربية). وتكرّر الأمر في العام 1976 إذ يورد الكتاب نصّ وثيقة عن لقاء بين رئيس أمان الجنرال شلومو جزيت وبين وزير التعليم أهرون يادلين. ويبيّن الكتاب أن قسم تطوير دراسة الاستشراق في (أمان) أقيم بعد حرب أكتوبر 1973. وينقل التقرير في (هآرتس) عن أستاذة تعلّم اللّغة العربية قولها إن (شيئا لم يتغيّر منذ ذلك الحين وما يزال الجنود من جهاز الاستخبارات هم من يدرّسون العربية وبأجندة عسكرية صرفة). ويكشف كتاب مندل -حسب التقرير- أن الخطّ الموجّه في تعليم اللّغة العربية كان ما يزال كما هو عليه (باعتبارها لغة نسمعها ونترجمها وليست لغة وثقافة نقرأها). هكذا تبلور جهاز كامل يمثّل فيه العربي الغريب فيما يعتبر رجال جهاز الاستخبارات شركاء طبيعيين وهذا ما يفسّر عدم توظيف وزارة التعليم معلّمين عربا لتعليم اللّغة العربية في المدارس اليهودية وتبيّن أن الوزارة توظّف 1317 أستاذ للّغة العربية في المدارس اليهودية بينهم 127 شخص من العرب ويتّضح أيضا أن المنهج المعمول به يكاد لا يعلّم الطلاّب تحدّث اللّغة العربية إلاّ قليلا حسب الكتاب.