تصنع الحدث في الشوارع والأسواق ومحطات النقل كلمة التقشف تدخل قاموس الجزائريين يبدو أن كلمة (التقشف) دخلت إلى القاموس اليومي للجزائريين وبتنا نسمعها في كل مكان والظاهر أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد أفرزت تلك الكلمة الجديدة التي لم يكن لها حضورا في اللغة العامية المتداولة بين عامة الشعب إلا أن الظروف فتحت الباب واسعا لانتشار تلك الكلمة أو المصطلح بين الناس ومن مختلف الشرائح والفئات بين المتعلمين ومحدودي المستوى وصرنا نصبح ونمسي على سماع تلك الكلمة التي طغت على أحاديث المواطنين في الشوارع والأسواق وعبر محطات النقل وفي كل مكان. نسيمة خباجة المصطلح يدخل في اللغة العربية الفصيحة ويقال في اللغة تقشَّفَ يتقشّف تقشُّفًا فهو متقشِّف وتَقَشَّفَ الرَّجُلُ: قَتَّرَ على نَفْسِهِ وَاكْتَفَى بِما هُوَ ضَرورِيٌّ وَانْصَرَفَ عنِ الْمَلَذَّاتِ والتَّنَعُّمِ ويقال تَقَشَّفَ القَوْمُ بمعنى ساءتْ أَحْوالُهُمْ وَضاقَ عَيْشُهُمْ هذا هو المعنى اللغوي الصحيح للكلمة التي صارت تتداول في العامية الشعبية الجزائرية وأصبح ينطق بها الشيخ والعجوز والشاب والشابة وزحفت حتى إلى الأطفال الصغار وكانت كنتيجة لإعلان تدابير التقشف من طرف الحكومة الجزائرية من أجل مواجهة أزمة انخفاض سعر البترول فاحتضن الشعب تلك الكلمة بصدر رحب وصار يستعملها بطريقة أكثر تهكمية وهو ما جذبنا في إحدى الأسواق في ضواحي العاصمة أين راح بائع الخضر إلى التحدث مع المتبضعين بقوله (ارواحوا تتقشفوا) بعد أن كان يعرض الخضر بأثمان بخسة جدا وكانت الكلمة في محلها حفاظا على القدرة الشرائية للمواطنين في زمن التقشف. دون أن ننسى انتشار الكلمة في المقاهي والمحطات والشوارع بحيث طبعت أغلب الأحاديث التي تمحورت حول سياسة التقشف وغلاء المعيشة وهو ما يشغل معظم المواطنين في هذه الفترة بالذات. رأي الشارع في تداول الكلمة نزلنا إلى الشارع من أجل رصد آراء المواطنين حول التداول الكبير لكلمة التقشف واشتهارها بين أغلب الجزائريين في لمح البصر بحيث باتت تصنع الحدث بينهم بعدما اتخذت منحى جدّي وآخر تهكمي فاختلفت الآراء بين المواطنين. أول من بدأنا معها حديثنا السيدة ليلى موظفة قالت إنها بكل تأكيد سمعت تداول الكلمة كثيرا في كل مكان بحيث تمحورت في أغلب الأحاديث بين المواطنين وقالت إنها انعكاس لما هو حاصل وللأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر خاصة وأن المجتمع الجزائري يتأثر بما يدور من حوله لذلك باتت الكلمة متداولة كثيرا في الشوارع وحتى في الأسر الجزائرية التي تعنيها سياسة التقشف بالدرجة الأولى. (حسام) شاب في الثلاثين عبر بالقول أن الكلمة لا تهمه فهو يعيش التقشف منذ زمن بعيد خاصة وأنه لا يملك وظيفة مستقره ف(الميزيرية) عنوانه ورأى أنها أقوى تأثيرا من لفظ التقشف الذي حل محلها في هذه الفترة. الشيخ إسماعيل متقاعد قال إنه بالفعل جذبه استعمال الكلمة المتكرر وهي كلمة جديدة دخلت إلى أحاديث الجزائريين وكانت كنتيجة لما يدور من حولهم وعن تأثير الكلمة عليه قال إنه بكل تأكيد متقاعد ويعيش التقشف منذ أمد بعيد ومن الضروري شد الحزام مرة أخرى مع الفواتير المتهاطلة خاصة مع الزيادة التي سوف تعرفها أسعار الكهرباء والتي لا تكون بردا وسلاما على أرباب الأسر بكل تأكيد. أما السيد كريم فقال (بالفعل بت أسمع تلك الكلمة أينما حليت في العمل خاصة وأن وظيفتي تتطلب التعامل مع المواطنين وبمراكز البريد وبالمحطات حتى صرنا نسمعها أكثر من مرة في اليوم الواحد) وعن السبب قال تخوف الكثير من غلاء المعيشة جعلهم يجهرون بالكلمة أينما حلّوا. كانت هي آراء المواطنين في انتشار كلمة التقشف بينهم في ظرف قياسي ودخولها في قاموسهم اليومي لكن الجدير بالذكر أن المصطلح سبقته كلمات أخرى في مجتمعنا عكست تدني المعيشة وحالة الفقر والعوز التي تعيشها أغلب الأسر. الميزيرية و الزقينقة مفردات سبقت التقشف مصطلح التقشف هو صحيح مصطلح جديد انتشر مؤخرا بين الجزائريين لكن سبقته مفردات شعبية عامية أخرى كانت تعكس معيشة الطبقات المحرومة على غرار كلمة (الميزيرية) و(الزقينقة) و(الشوماج) إلى غيرها من المفردات الأخرى التي تدخل في العامية الجزائرية لكن الجديد في الأمر أن كلمة التقشف هي كلمة تدخل في اللغة العربية الفصحى إلا أنها رغم ذلك تداولت بصفة ملفتة للانتباه على غير العادة وصارت تميز الأحاديث في أغلب الأسر لصد آفة التبذير التي تنقلب سلبا على ميزانية الأسرة لا محالة ويبدو أن الجزائريين بتكرار الكلمة في أحاديثهم باتوا يهدفون إلى تذكير أنفسهم في كل مرة بالوضع الاقتصادي المرعب الذي يعيشونه في ظل أزمة انخفاض سعر النفط وكان لزاما عليهم أن (يتقشفوا) مثلما يدور دوما في أحاديثهم ولعل أنها طريق للقضاء على آفة التبذير التي طبعت المواطنين في كل مكان وصارت تميز تصرفاتهم سواء في صرف الأموال أو الأكل أو حتى تبذير الماء الذي يعدّ نقطة أخرى تستوجب النصح والإرشاد لاسيما مع شح الأمطار في هذه الآونة وكأن كل العوامل اجتمعت لتنذر بسنة صعبة على الجزائريين. ومجمل القول أن التقشف رغم معناه اللغوي السلبي الذي يعني ضيق العيش وسوء أحوال القوم إلا أن التفاءل يبقى أمل الجميع عن طريق السياسة الرشيدة التي لا تعني فقط السلطة والحكومة بوجه عام بل حتى المواطن البسيط له دور بارز وفعال بتصرفاته العقلانية واجتناب التبذير والإسراف في كل مجال ولو كان بسيطا ما من شأنه أن يعود بالفائدة على البلاد والعباد.