بقلم : إسماعيل بوزيدة* للثقافة دور مهم في حياة المجتمعات حيث تمثل ذلك الزخم والموروث وتلك العادات والتقاليد وذلك التميز والتفرد الخاص بكل مجتمع وتمثل تلك الصورة النمطية والواجهة التي تعرفك بالهوية والانتماء وللثقافة مجالات كثيرة ومتعددة ولها دور خطير في الحفاظ على التناسق الاجتماعي ويمكنها أن تؤثر على المجتمعات بالإيجاب والسلب وعلى الأخلاق والعادات والمرجعية الفكرية وكل أمة لا تحصن نفسها ثقافيا بآليات جيدة وبوعي معرفي فهي عرضة للغزو الثقافي وللثقافات الدخيلة. ورأينا كيف حافظت المجتمعات الآسيوية على ثقافتها في خضم تجاربها وتفتحها على الآخر وكان تفتحها إيجابيا جدا حيث غرفت من المنابع العلمية والحضارية المفيدة وتركت ما لا يتناسب معها فكانت نموذجا عظيما يحتذى به والعكس في المجتمعات العربية والإسلامية التي ولأسباب عديدة وظروف متعددة ومؤثرة على رأسها الاستعمار كانت مكبا للثقافات الغربية الدخيلة التي أثرت كثيرا على الهوية والثوابت الخاصة بتلك المجتمعات وأفقدتها تميزها وساهمت في انسلاخها عن جذورها وهو ماكان له أضرار وعواقب وخيمة في جميع المجالات وأصبحت هذه المجتمعات مضطربة ومعقدة بسبب ذلك التمازج الثقافي بين الأصلي والوافد ومن هنا تشكلت المعضلة الثقافية في الأوطان العربية المحافظة التي لها ثقافتها وتاريخها وهويتها ودينها الذي يتناقض كثيرا مع البضاعة الثقافية الوافدة. وكان من الضروري منذ سنوات التطرق إلى هذه الإشكاليات الثقافية خاصة بعد استقلال الأوطان والشروع في مشاريع بناء وإصلاح ثقافي وبرامج ترميم واسترداد للهوية والثوابت التي فقدت وتلاشت بفعل السلخ الذي امتد طوال سنوات الاستدمار الحالك ولكن للأسف لم يحدث ذلك فقد توجهت جل الدول العربية مباشرة بعد استقلالها إلى تبني إيديولوجيات وأنظمة وسياسات خارجية وعالمية وكانت التجارب الاقتصادية خير دليل على ذلك حيث تبنت تلك المجتمعات أنظمة اقتصادية اشتراكية رأسمالية أو غيرها دون أن تكون لها نماذج خاصة بها ومرت السنوات وأثبتت تلك التجارب فشلها الفظيع لأنها لم تتجانس مع تلك المجتمعات وثقافتها. لكن وحتى لا نكون من اليائسين أو المثبطين فإن المشروع الإصلاحي الثقافي يمكن إطلاقه في أي وقت ولم يفت الأوان بعد إذا توفرت الإرادة والعزيمة واجتمعت الآراء وجلس كل الفاعلين وأصحاب القرار على طاولة واحدة حتى يخرجوا من هذه الأزمة المعقدة التي كان الدخول فيها وبالا على هذه الأمة ومجتمعاتها وأصالتها وهويتها وتميزها. إن الانطلاق في مشروع إصلاح ثقافي لابد أن يكون مدروسا وشاملا ومنظما وفق معايير وضوابط علمية وليس مجرد فعل فوضوي أو جزئي ولابد أن يمس هذا العمل كل مكونات وعناصر الثقافة بالتأصيل والترميم والتجديد ولابد من إعادة الثقافة إلى السكة الصحيحة.. تصالح الثقافة مع الهوية والثوابت لابد من عمل كبير يعيد الثقافة إلى أحضان الهوية والتميز الخاص بكل مجتمع ولابد من عمل جبار من أجل وضع أطر للفنون حتى تكون لها رسالة وحتى تساهم في الرقي والازدهار فكما نلاحظ اليوم أن الفنون خاصة السينمائية والغنائية منها أصبحت في أغلبها مواطن للفساد ودوافع للانحلال والتفسخ ولم تبقى سوى بعض الفنون النبيلة المحترمة تؤدي رسالة راقية ولها مبادئ على غرار الفنون التشكيلية والمسرح والفنون الأدبية وغيرها من أنواع الفنون الراقية. وعليه لابد من وضع خارطة طريق تؤسس للإصلاح الثقافي في الأوطان العربية يشارك في صياغتها الجميع ولابد من العزم على التأسيس لها على أرض الواقع حتى لا تبقى مجرد مبادرات أو أفكار ومجرد حبر على ورق فالفن والثقافة لهما تأثير كبير على الأفراد وعلى الناشئين وعلى المجتمعات بصفة عامة إما بالسلب أو بالإيجاب. علينا أن نعلم الأجيال الجديدة الناشئة تاريخها وثقافتها ومبادئها حتى ننجح في إخراجها من هذا المأزق الذي عانت منه الأجيال المخضرمة التي عايشت عصري الاستعمار والاستقلال على كل المؤسسات أن تتكاتف للتوعية بهذا المشروع من مؤسسات تربوية وجمعيات وكتاب ومثقفين وغيرهم فتجاربنا التي قمنا بها في الماضي والتي استوردنا فيها ثقافات وعادات الغير وأساليبهم كانت فاشلة ومفسدة.