زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للجزائر خلّفت عاصفة من ردود الفعل التي يشبه بعضها ردود الفعل التي صاحبت زيارة رئيس مصر الرّاحل أنور السادات للقدس وللمستوطنة الصهيونية حيفا، ثمّ لقيامه بالتوقيع على اتّفاقية كامب ديفيد، وسبب ذلك هو أن بعض الأبواق غير المسؤولة هنا وهناك صوّرت الأزمة الأخيرة بين الجزائر ومصر بالطريقة التي جعلت الجزائر تتحوّل إلى عدو لمصر أخطر من العدو الصهيوني نفسه. الصهاينة كافأوا السادات على طريقتهم، فسمّوا باسمه ميدانا في حيفا وجعلوا اسمه على نصب تذكاري في تل أبيب، لكن المؤكّد أن الجزائر لن تكافئ مبارك على زيارته لها قبل يومين. فالرّجل جاء معزّيا، والعزاء واجب وليس »مزية« من أحد على أحد، والجزائر ليست تل أبيب لتكون زيارته إليها فعلا يستحقّ وضع اسم صاحبه على نصب تذكاري أو ساحة عمومية. قد تكون علاقة مبارك ببعض المسؤولين الصهاينة أكثر ودّية وحميمية من تلك التي جمعت سلفه السادات بالمسؤولين الصهاينة، لكن هذا لا يعني أن مبارك مثل السادات تماما، قد يكون خذل الفلسطينيين عموما وأبناء غزّة خصوصا لكنه ليس مثل السادات الذي كان أوّل من تجرّأ على توقيع معاهدة استسلام مع بني صهيون. والتاريخ سيروي للأجيال ما فعله كلّ من الرجلين للفلسطينيين وبهم، والأجيال القادمة يمكنها أن تحكم أيّ الرّجلين أساء أكثر إلى القضية الفلسطينية. ولا شكّ في أن علاقة مبارك والنّظام المصري بوجه عام، بالكيان الصهيوني تدخل في دائرة اهتمام الجزائريين، بالنّظر إلى اهتمامهم الشديد بالقضية الفلسطينية، لكن هذه العلاقة ظلّت دائمة في خانة الفعل السيادي المصري، لذلك لم تتأثّر العلاقات بين الجزائر ومصر إلاّ حين ضرُب اللاّعبون الجزائريون بالحجارة في مصر ثمّ شُتم شهداء ورموز الجزائر. ومهما كانت الآن درجة الوعي بخطورة ما حصل، فإن الجرح أعمق من أن تداويه زيارة واحدة، ربما لم تكن مخصّصة أصلا لمداواته، فالرئيسان »بوتفليقة« و»مبارك« تحدّثا على انفراد لوقت غير قصير، ولا نعتقد أن الظرف كان مناسبا للحديث عن أزمة معقّدة جدّا.