وصلت الأوضاع الاجتماعية التي أفرزتها التحولات الاقتصادية في ولاية المسيلة " عاصمة الحضنة "، حدا فاق التقديرات وتجاوز التبريرات، حيث أن عتبة الفقر بلغت أشدها، مما ترتب عنه زيادة أعداد المتسولين حيث الكل يستعطف الغير على طريقته قصد الحصول على قوت اليوم. تعرف ولاية المسيلة انتشارا واسعا للمعوزين والفقراء، وقد أشرفت وزارة التضامن وحدها، خلال شهر رمضان، على توزيع 20 ألف قفة يوميا، وهو ما يعني وجود 20 ألف عائلة فقيرة لم تقدر على توفير مائدة رمضان لنفسها، فضلا عما تقوم به بعض الجمعيات الخيرية والمحسنين وهيئات مخول لها هذا العمل الخيري، وكأن حياة هذه الفئة مرتبطة بمثل هذه المناسبات، رغم أن معاناتها على مدار السنة. ومن بين المنتمين لهذه الفئة عائلات اشتكت ل " أخبار اليوم " حالها، وكتب عليها صيام الأيام والليالي والشهور، كحال عائلة ( عائشة. ح ) التي صارت تستجدي بعض الجيران. وغير هذه عائلات كثيرة لم يجرؤ أفرادها على بسط أيديهم والتسول في الشوارع بسبب الحياء والخوف من مواجهة المجتمع. غير أن هناك فئة أخرى ضربت عرض الحائط بالحياء وتجاوزت الموانع الاجتماعية، وأزاحت عن طريقها حتى القانون الذي يمنع التسول، فوجدت نفسها في معترك التنافس مع محترفي التسول الذين اكتسبوا الخبرة في سنين الرخاء والبذخ والنعيم. فزاحمتهم في الأماكن العمومية ومداخل المساجد وبعض الشوارع كثيرة الحركة بولاية المسيلة، وهذا ما دفع بمحترفي التسول الذين ضاق بهم عالمهم بحشود كبيرة من الدخلاء إلى الاجتهاد أكثر قصد هيكلة أنفسهم، مع السعي لاكتساب مهارات في الاستعطاف وتقنيات استمالة قلوب الناس، فتراهم يتظاهرون بمظاهر لا تنال في أكثر الأحيان إلا سخط الناس ممن أدركوا زيفهم وجريمتهم في حق أبنائهم، الذين جردوهم من حقوقهم وخاصة التمدرس والرعاية المطلوبة قانونا، ليتخذوهم وسيلة في التسول. لهذا اضطروا إلى الهروب من شبح القهر الذي أصبح يطاردهم في عاصمة الحضنة إلى التسول في المناطق النائية وبلديات الولاية ما دامت ظروفهم المادية سمحت لهم بتوفير سيارات لهذا الغرض. فتجدهم بمدخل كل بلدية يقصدونها يتوقفون لتغيير مظاهرهم، فالنسوة يرتدين لباسا يثير الشفقة ويحضن رضيعا غالبا ما يكون مستأجرا لهذه المهمة. أما العجزة منهم فيرتدون نظارات سوداء ويحملون عصي بيضاء ليتظاهروا بالعمى. ولإيهام الناس أكثر يكلفون الصبية بمرافقتهم، أما الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 12 سنة فيكلفن بحمل " أكياس " يجبن بها الأحياء، في حين يكلف الشباب باعتراض سبيل المارة مرددين عبارات الدعاء والثناء. وتتموقع العجائز في الأسواق الشعبية، وحصادهن اليومي ليس بالهين أو القليل، ويقول صاحب كشك متعدد الخدمات ل " أخبار اليوم "، أنه إعتاد على تبديل القطع النقدية بأوراق مماثلة لبعض أفراد هذه الفئة، وأكد أن دخل الواحدة منهن في منتصف النهار خاصة يوم الجمعة يفوق 2000 دينار جزائري. وبعض المواطنين نقلوا خلال الأيام الماضية خبرا مفاده أن امرأة متسولة حاولت الاعتداء على شابة ببلدية بوسعادة داخل مسكنها بعد أن تظاهرت بالتسول وتأكدت من وحدانيتها في البيت.