ذكر القرآن الكريم في مواضع كثيرة العين مقدمة عن الأذن ففي قوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) ذلك لأن العين من حيث ترتيب الوضع التشريحي تتقدم عن الأذن فالعين مكانها الوجه والأذن تأتي خلفها في الرأس من الجهتين، فكان من الطبيعي أن يقدم الذي في الأمام ويؤخر الذي في الخلف، وهذ مجرد مستقبلات. أما تقديم السمع عن البصر في 38 موضع في القرآن الكريم منها قوله (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، فيأتي لعدة اكتشافات علمية أكدت ضرورة ذلك وهي: 1- من حيث المراكز الأساسية المتحكمة من داخل المخ نجد أن مركزي السمع مقابلان للأذنين في كل من الشقين الأيسر والأيمن، أما مركز البصر فيوجد في مؤخرة المخ لذلك فإن القرآن قال (إن السمع والبصر كان كل ذلك عنه مسئولا) فذكر السمع مقدما للبصر لتقدم مركز السمع وتأخر مركز البصر في 38 موضعا في الكتاب الكريم. 2- الجنين في مرحلة المضغة في الأسبوع الثالث من الحمل تتكون الصحيفة السمعية والتي تعتبر النواة المكونة لمركز السمع في المخ، أما الصحيفة البصرية التي تكون الجهاز البصري تتكون في أول الأسبوع الرابع، فالسمع مقدم في الخلق عن البصر. 3- الجنين من الشهر الخامس يستطيع سماع صوت قلب والدته وحركة أمعائها وهو المخلوق الوحيد الذي يتوفر لديه تلك الخصوصية دون سائر المخلوقات، ويبدأ في إدراك ما يدور خارج بطن أمه لهذا ينصح الحوامل بسماع القرآن والهدوء، أما البصر فلا يمكنه رؤية الأشياء إلا بعد الولادة بأسبوعين. 4- بالنسبة لاكتمال حاستي السمع والبصر في الأسبوع الأول بعد الولادة يكون السمع حادا جدا ومكتملاً، أما البصر فيكون ضعيفاً جدا منذ الشهر السادس ليرى شكل أمه ولا يميز إلا بعد العاشر وفي السنة العاشرة يكتمل نمو حاسة البصر تماما. 5- من حيث المساحة التي تعمل خلالها الحاسة فمساحة السمع موزعة على الجهات الأربع ويمكن السماع من جميع الجهات، أما البصر فهو محدود جدا ولا يتجاوز المساحة المرئية المواجهة له. 6- من حيث الأولوية عند النوم، فالسمع الحاسة الوحيدة التي تعمل أثناء النوم ويمكنها التفاعل مع المؤثرات المحيطة بالنائم يستيقظ نتيجة اندفاع صوت قوي بجواره على حين لا يستطيع رؤية شيء خارجي أو التأثر بالروائح. 7- كلما زاد ضغط الهواء على الإنسان فقدَ حاسة السمع أولا. 8- (صمٌّ بكم عمي) هذه الآية تتضمن ثلاثة إعجازات علمية: فقدَّم الصم عن العمي لتقدم مركزه عن البصر، وهناك ارتباط بين مركز السمع والبيان، فإذا ولد الطفل لايسمع فلا يستطيع الكلام على عكس البصر فإن ولد الطفل أعمى فيسمع ويتكلم بشكل طبيعي، ومنطقة البيان الخاصة بالكلام تقع وسط المخ بين مركزي السمع والبصر. وكل هذه الحقائق فسَّرت الإعجاز الذي أقره كتاب الله عندما تقدم السمع عن البصر في الذكر، مما يؤكد على حكمة المولى عز وجل في حفظ كتابه القائم بما فيه إلى يوم أن نلاقيه تعالى.