شبكاتٌ تجني من ورائهم الملايين أطفالٌ يُؤجّرون للتسول ب300 دينار لليوم أضحت ظاهرة التسول في شوارع العاصمة وضواحيها ديكورا يطبع يومياتها حيث بات من البديهي أن نشاهد متسولين صغارا، وكهولا شيوخا ونساءً يكسبون كلهم مصروفهم اليومي بإستعطاف المارة في الشوارع أمام مباني الإدارات والبنوك ومختلف المؤسسات، فضلا عن تموقعهم الدائم بمحطات الحافلات. لكن الغريب في الأمر الطرق والأساليب التي يستعملها هؤلاء في استمالة واستعطاف المارة حتى يشفقون ويحنون عليهم.. من إظهار وصفة دواء،; ترديد عبارات تثير الشفقة وتهز القلوب "أعطوني باش نشري لحليبg لرضيع"أو "نشري الدوا" أغرب وسيلة لفتت انتباهنا، هي كراء أطفال الصغار بمبالغ تتراح بيم 200 إلى 300 دج لليوم الواحد، تستعملهم شبكة مختصة مجهولة. وخلال استطلاعنا عن هذه الظاهرة في مختلف أنحاء العاصمة، شد انتباهنا أطفال صغار يقفون عند مفترق الطرق ويمدون أيديهم، لعل السائقين يشفقون لحالهم ويمدون لهم بعض النقود، وهم يعرفون جيدا لمن يمودون أيديهم بناءً على دروس وتقنيات تعلموها سابقا لتسول، حيث تجعل قلوب المواطنون أكثر شفقة ورحمة، كما أن أنضارهم تكون موجه نحو أصحاب السيارات الفخمة وأصحاب الجاه، فأثناء تواجدنا بعين المكان لاحظنا طفل صغير عمره حوالي 8 سنوات يتجّه نحو سائق على متن سيارة مارسيدس وبدأت تردد أدعية "الله يحفظك يا عموا ويعطيك ما تتمنى خاوتي جياع عاوني باش نشري الخبز والدي متوفي ولا معيل لعائلتي" وبعد إلحاح طويل منحه في يده عشرة دنانير. بعدها صدفنا رجلاً في الأربعينيات، ثيابه تبدو نظيفة بالرغم من أنها قديمة يمد يده ويتفادى النظر إلى المارة، حاولنا التحدث إليه، لكنه إمتنع عن ذلك وعلى مسافة أمتار كان يوجد متسول آخر رفقة طفل لايتجاوز 4 سنوات وهو في حالة يرثى لها، تصادق وجودنا هناك مع مرور إمرأتين أمامه الأولى بدأت بالتفتيش في حقيبتها بحثا عن بعض الدنانير لتقدمها له، الذي بالمقابل شكرها، سألناها عن دافع ماقامت به لتقول "عندما أصادف حالات كهذه يتقطع قلبي من شدة الحزن والتأثر، وسوف ينتابني الندم ويؤنبني ضميري إذ لم أقدم له بعض النقود" وتقول مرافقتها "ينتابني الكثير من الشك حول هؤلاء المتسولين فقد لا تصدقوني إن قلت لكم إنهم يعملون لكراء الأطفال الصغار لإستعطاف قلوب المارة وهذا مقابل 300 دج وأظن أيضا أن المعوزين والفقراء هم أكثر ضحايا إحتيالاتهم لأنهم يعرفون حقيقة الحرمان والحاجة". وأمام مدخل عمارة بوسط العاصمة شاهدنا طفلتين لايتجاوز سنهما في حدود التاسعة.. سألنا إحدى سكان العمارة عنهما فقيل لنا: هذه مؤسسة في حد ذاتها تشمل في شبكتها عدة أشخاص فكما تلاحظون هاتين الطفلتين جاءتا إلى هنا منذ السادسة صباحا رفقة إمرأة التي إختارت مكانا آخر ويضيف هناك شخص يتكفل بنقلهما إلى هنا على متن سيارة" كات كات" ويعود في المساء ليأخذهما. وفي السياق ذاته وفي نفس الحي سألنا مواطنا آخر من قاطني ذات الحي فقال لنا أن هذه الشبكة تستغل الأطفال الصغار، النساء، المعوقين .. لتحقيق أرباح طائلة، وبحكم أنني صاحب محل مواد غذائية بهذا الحي فإني أعرف جيدا تصرفاتهم فقبل منتصف النهار أتسلم من هؤلاء المتسولين مايقارب 2000 دج صرف لأعطيه بدلها أوراقا نقدية ونفس الشيء في المساء. وحسب عملية بسيطة نستخلص أن الواحد منهم يحصل على 3500 دج يوميا يعني 10 ملايين في الشهر وبالتالي فهناك من المتسولين من جمع ثروة كبيرة بهذه الطريقة ومن المفارقات والغريب أن المهندس أو الطبيب يتقاضى أجرا أقل من هؤلاء المتسولين الذين اتخذوا من الظاهرة مهنة دائمة باعتبارها اقصر الطرق وأسرعها لجلب المال دون كلل أو تعب على حساب السذّج و"الطيبين" من المواطنين.