الإتحاد الإفريقي: الجزائر قادرة على تعزيز المبادلات البينية الافريقية من خلال قطاع الفلاحة    المركز الدولي للمؤتمرات: رئيس الجمهورية يشرف على لقاء مع رؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في المجالس المنتخبة    رئيس الجمهورية: الارتكاز على الكفاءات الشبانية لتجسيد جزائر منتصرة علميا و اقتصاديا بنفس جديد    إيران: بدء مراسم تشييع جثامين إبراهيم رئيسي ومرافقيه    قواوي : خطر التطهير العرقي يهدد 1.5 مليون فلسطيني في رفح    وصول أول فوج من الحجاج الجزائريين إلى البقاع المقدسة    وحدات الجيش الصحراوي تستهدف جنود الاحتلال المغربي بقطاع حوزة    بباتنة…15 ضحية في حادث مرور خطير    وصول أول فوج من حجاج الجزائر للبقاع المقدسة    فلاحة: السيد شرفة يبحث مع نظيره الموريتاني سبل تعزيز التعاون الثنائي    فقدنا قائدا وأخا وشريكا جمعتنا به خدمة أواصر الأخوة والتعاون ونصرة القضايا العادلة    الرئيس - الطلبة.. رسالة قويّة    مجلس الأمن.. دقيقة صمت ترحما على الرئيس الإيراني ومرافقيه    عنابة- قالمة- عنابة..مرحلة حاسمة لتحديد صاحب القميص الأصفر    دور جزائري هام في ترقية الأمن الغذائي بإفريقيا    دربال يتباحث في بالي مع العديد من نظرائه    حجز 25 ألف قرصا مهلوسا وتوقيف مسبوقا قضائيا    نحو إصدار مؤلف جديد يجمع موروث سكان "الوريدة"    وزارة الاتصال: 2 يونيو آخر أجل لإيداع ملفات التكيف مع قانوني الإعلام والصحافة المكتوبة والالكترونية    مانشستر سيتي يتوّج باللّقب للموسم الرابع على التوالي    اسكندر جميل عثماني في سباق 100م (ت13) باليابان    18 شهرا للشروع في تسويق منتجات "فينكس بيوتيك"    عدة دول أوروبية تمضي قدما نحو الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة    برنامج الأغذية العالمي يؤكد الحاجة إلى دخول "آمن ومستدام" للمساعدات إلى غزة    التشخيص المبكر أنجع وقاية من الأمراض النادرة    المحافظة على الهوية والموروث الثقافي الجزائري    الاستثمار في التكوين لتطوير أداء ممارسي الصحة    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    تحت شعار معلومة دقيقة تنمية مستدامة : انطلاق القافلة المكلفة بعملية الإحصاء العام للفلاحة بقسنطينة    صقور الجزائر.. إبهار واحترافية    الجنائية الدولية تطلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه    كونوا أحسن سفراء للجزائر الكبيرة بتاريخها ومواقفها    تقطير الزهور بمتيجة.. حرفة تقليدية واكبت احتياجات الأسر والمصنّعين    تأكيد على أهمية العلاج الوقائي من الحساسية الموسمية    براهيمي مرشّح لجائزة الأفضل    إشادة بجهود الجزائر من أجل نصرة القضية الفلسطينية    دعوة إلى حماية التراث الفلسطيني    باتنة بحاجة إلى متحف وطني للآثار    اقتراح التسجيل في قائمة الجرد الإضافيّ    استخدام الأوزون في القضاء على الفيروسات وإنتاج الزيتون    "الحمرواة" في معركة تعزيز آمال البقاء    صراع بين بن زية وإدارة كاراباخ    براهيمي يتنافس على جائزة أفضل لاعب في قطر    توسيع التعاون الجزائري – الكونغولي في الطاقة والمناجم    ترقية التعاون بين "سوناطراك" و"زاروبيج نفط" الروسية    بلورة حلول سياسية للأزمات التي تهدّد استقرار المنطقة    الوقوف على جاهزية الجوية الجزائرية لنقل الحجاج    عطّاف: إفريقيا تمرّ بمنعطف حاسم    تعرّضت لحملة حقد وكراهية لا تطاق بفرنسا    جهود لتثمين الموقع الأثري لرجل تيغنيف القديم    جامعة الجزائر 1 تنظم احتفالية    الطالب.. بين تضحيات الماضي ورهانات المستقبل    السيد دربال يتحادث ببالي مع الوزير السعودي للبيئة و المياه و الفلاحة    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراكنون إلى الظلمة في سورة هود


فدوى حلمي
يقول الله تعالى في سورة هود: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113))، هذه الآية الحكيمة التي يصفها الإمام أبو السعود: (أبلغُ ما يُتصور في النّهي عن الظلم والتهديدِ عليه)، ويقول الإمام الآلوسي في هذه الآية: (ذهب أكثر المفسرين، قالوا: وإذا كان حال الميل في الجملة إلى من وجد منه ظلم ما في الإفضاء إلى مساس النّاس النّار فما ظنّك بمن يميل إلى الراسخين في الظلم كل الميل).
والحقّ يُقال أنّ هذه الآية لَتستوقف كلَّ ذي لُبّ وتنبّه الحسّ في وقفة مع تلك الفئة من النّاس التي تُعمّر بنيان الاستبداد وتسترضي الظلم ولا تنفر منه، وتتواجد في مختلف الفئات الاجتماعية باختلاف مستواها العلميّ أو ميلها الفكريّ وهي (فئة الراكنين إلى الظلمة)، وفي الآية السابقة نتأمّل في خمس وقفات.
الوقفة الأولى:
في قوله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) هو نهيّ لم يتكرر في القرآن الكريم، وتفرّدت به هذه الآية من سورة هود التي اشتملت على قصص سبعة أقوام يجمعهم وصفهم بالظلم والطغيان في أكثر من موضع في كتاب الله تعالى، وقد جاء النّهي عن الركون إلى الذين ظلموا في خواتيم سورة هود بعد استعراض كافّة مشاهد الظلم والطغيان في السورة باختلاف تركيبة السلطة وهيكلية الاستبداد المتعلقة بكل قوم، ومعاني الفعل ( تركنوا) التي ذهب إليها المفسرون لا تخرج عن أفعال قلبية وأفعال جارحة، أمّا القلبيّة منها فكانت: بالميل والمحبة والرضا، وأما الجارحة فكانت: بالسكون، والاشتراك بتزيين الظلم، والمداهنة للظالمين من زيارة ومصاحبة ومجالسة والحديث عنهم بالفضل، والاعتماد عليهم، حتى أنّ الإمام الزمخشريّ قد أضاف أنّ من هذا الركون التزيّي بزيّ الذين ظلموا، و إذا ما بحثنا في معاجم اللغة العربية نجد أنّها اتفقت على صفتين للركون وهما: الميل والسكون، أمّا المراد بالذين ظلموا فهم مرتكبو الظلم فعلاً أيّ كل من اتصف بصفة الظلم وكان متحققاً فيه، أو هم تلك الفئة التي بات الظلم صفة غالبة عليهم فعُرّفوا بفعلهم لشدة التصاقه بهم، ونقيض الركون كما ذكر الإمام الرازي في تفسيره هو (النّفور) من الذين ظلموا.
الوقفة الثانية:
في قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(115).
نلحظ في قوله تعالى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: جاء فعل النّهي عن الطغيان في عمومه في صيغة الجمع، والنّهي عن الركون إلى الذين ظلموا جاء في صيغة الجمع لا المفرد، في حين فعل الأمر بالاستقامة وإقامة الصلاة والصبر جاء مفرداً، وذاك لأنّه من رقيّ الخطاب القرآني ومراعاة مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم والتلّطف الربّاني بقلبه عليه الصلاة والسلام ألّا يوجّه إليه نهيّ مباشر في قضية الطغيان والركون إلى الذين ظلموا وهي القضية التي تعتبر أصل النقص والعيب في أيّ حاكم، ومثلب سقوط سدرة الحكم على مرّ العصور، فكيف بقائد الأمّة وسيّد ولد بني آدم، والأمر الثاني: أنّ الطغيان والركون إلى الذين ظلموا ضرره على مستوى المجتمع والدولة وليس ضررا فرديا، وتكمن شدة خطورة الركون إلى الذين ظلموا بالذات عندما يُمارس بشكل جماعي من خنوع عام في الرعيّة للظالم، فناسب النّهي أن يكون بصيغة الجمع، أمّا الأمر الثالث: مما يدلّ على خطورة الركون إلى الذين ظلموا أنّ النّهي عن هذا الركون سَبق الأمر بإقامة الصلاة، و أنّ الأمر بالاستقامة تبعه النّهي عن الطغيان وعُطف عليه النهي عن الركون إلى (الذين ظلموا)، فأينما وُجد الطغيان في أيّ مجتمع وُجدت فئة الراكنين إلى الذين ظلموا، التي لا يمكن أن يتحقق فيها الاستقامة الصحيحة بهذا الركون.
الوقفة الثالثة:
الركون وهو في الغالب أيسر ردة فعل سلبيّة على الظلم سواء بالشعور أو بالفعل من خلال عدم الإقدام على أيّ فعل يدلل على النفور من الذين ظلموا، إلّا أنّ مجرّد السكون لا التأييد ولا الميل فقط السكون إلى الذين ظلموا منهيُّ عنه، والآيات التابعة لهذه الآية تؤكد هذا المعنى في موضعين، أمّا الموضع الأول: ففي قوله تعالى في الآية 116: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)، نلحظ أنّ الاستثناء من جموع الذين ظلموا كان فقط للذين ينهون عن الفساد وهم قلّة لكنّهم هم فقط المستثنيون أيّ أصحاب الفعل العمليّ، ولم يكن الاستثناء للمنكرين للظلم الساكنين، وأمّا الموضع الثاني: ففي قوله تعالى في الآية 117: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، يتضح هنا أنّ مانع هلاك الأمم بظلمها هو فعل أهلها بالإصلاح، ولم يقل وأهلها صالحون بل مصلحون، وهنا يؤكد سيد قطب على حقيقتين، فيقول:
- (فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحقّ عليها، إما بهلاك الاستئصال. وإما بهلاك الانحلال.. والاختلال).
- (فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمّام الأمان للأمم والشعوب.. وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره، إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع).
الوقفة الرابعة:
إنّ جزاء مجرد الركون إلى الذين ظلموا هو (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، وهنا أنقل عبارة الإمام الشوكاني: (قوله: (فَتَمَسَّكُمُ لنَّارُ) بسبب الركون إليهم، وفيه إشارة إلى أن الظلمة أهل النار، أو كالنار، ومصاحبة النار توجب لا محالة مسّ النار..)، وهناك وجه آخر لطيف أشار إليه الماوردي إذ قال: (فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها، ويكون ذكر النار على هذا الوجه استعارة وتشبيهاً، وعلى الوجه الأول خبراً ووعيداً)، ويقع في ظني وظني قاصر بأنّ هذه الآية تحمل المعنيين معاً وعلى الحقيقة، أمّا الأول: ففي الحياة الدنيا بالمعنى الحقيقي حيث سيتعدّى إليكم ظلمهم فتصبحوا من شركاء في الظلم إلى ظالمين فعليين، وأمّا المعنى الحقيقي الثاني: أنّه سينتظركم في الآخرة صحبة هؤلاء الظالمين في النار. وفي قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) تدليل على عظيم تجريم فعل الركون إلى الذين ظلموا، لمن اتخذهم ركناً يأوي إليه ويرتكن عليه ويركن في ظله، فلن يكونوا لكم أولياء ولا أنصار يحولون بينكم وبين عذاب الله بعدما رضيتم بهم أولياء وأنصار في الحياة الدنيا، واستغنيتم بهم عن ولاية الله سبحانه ونصرته.
الوقفة الأخيرة:
فعل المسّ ناسب فعل الركون، فإن كنتم تظنّون بأنّ دعمكم للظالمين بالسكون والميل اليسير، هذا الركون العادي الخارجي السطحي كما في ظنّكم ليس بالأمر الجلل وغير نافذ في أصل الظلم، فهو تماماً كما ستمسّكم النار مسّاً يوم القيامة فهل هذا بالعذاب اليسير الهيّن؟ ومنذ متى كان عذاب الله يسيراً هيّناً؟، وهو العزيز القائل: (وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ). (21: 46). هذا والله تعالى أعلم.
ومما أختمُ به بعضاً مما كتبه بعض النّاصحين للزهريّ حين خالط السلاطين فقال له: (... واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت إنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغيّ بدنوك ممن لم يؤد حقّا ولم يترك باطلاً، حين أدناك اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم وسلماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يدخلون الشكّ بك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.