قال تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ). النمل:22 أنظر يا رعاك الله إلى قول الهدهد: (أحطت بما لم تحط به). هذا تبرير غيابه عن الاجتماع الذي عقده نبي الله سليمان لجنوده. قال الشوكاني رحمه الله: (والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته). ويقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله: (والإحاطة: الاشتمال على الشيء وجعله في حوزة المحيط، وهي هنا مستعارة لاستعياب العلم بالمعلومات). فالهدهد لم يقنع بأخذ طرف من الأخبار، وإنما مازال ببلقيس وقومها حتى (أحاط) بأخبارهم، وفي هذا من الدقة والضبط ما لا يخفى. فالواجب عليك دائما ألا تبادر إلى الحكم على الشيء حتى تحيط به ، وتلم بجوانبه. إن من مشاكل شبابنا اليوم: ضيق الأفق وقصر النظر، والنظر إلى القضية أو المشكلة من زاوية واحدة دون إحاطة كإحاطة الهدهد مما يوقع في المشاكل ويؤدي إلى التعصب للرأي. وأبرز آفات هذا الضيق في الأفق معاداة المخالف في الفروع، ذلك أن هذا المعادي لم يحط بالمسألة من سائر جهاتها فيعرف أنها قابلة للأخذ والرد وإنما نظر من زاوية واحدة ظنها الصواب المحض، وصدق فيه قول من قال: (يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم، فيحسب أن عنده العلم كله)!. ومن ثّم يكون من آفات هذا الضيق الخطيرة شيوع ظاهرة التأثيم والتفسيق والتبديع، إذ المقترف لهذه الأمور لم يحط بما أخذه على خصمه، ولم يعرف جلية الأمر، ولا نظر الدوافع والأسباب، ولا جمع كلام المتهم كله ليوازن بعضه ببعض ... وإنما هو في الغالب أخذ ذروا فحكم، أو نظر إلى جزء فجزم. فما أحوجنا إذا إلى هذا السلوك الهدهدي... الإحاطة أولا، ثم الحكم والتصرف.. * عن صفحة (الشيخ خليفة) إمام بسيدي بلعباس على الفايسبوك