اجتماع الحكومة: الاستماع الى عرض حول إعادة تثمين معاشات ومنح التقاعد    باتنة.. المجاهد السعيد دوحة في ذمة الله    البيض.. وفاة المجاهد بوعلي أحمد عن عمر ناهز 86 سنة    قسنطينة..صالون دولي للسيارات والابتكار من 23 إلى 26 مايو    مجمع الحليب "جيبلي": توقيع اتفاقية اطار مع وكالة "عدل"    دراجات/الجائزة الكبرى لمدينة وهران 2024: الدراج أيوب صحيري يفوز بالمرحلة الأولى    وفاة 8 أشخاص تسمما بغاز أحادي أكسيد الكربون خلال شهر أبريل الماضي    وزير الصحة يشرف على افتتاح يوم علمي حول "تاريخ الطب الشرعي الجزائري"    تدشين مرافق ومنشآت عمومية وإقامة نشاطات رياضية بشرق البلاد    الفنانة حسنة البشارية أيقونة موسيقى الديوان    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    اليوم العالمي لحرية الصحافة: المشهد الإعلامي الوطني يواكب مسار بناء الجزائر الجديدة    معادن نادرة: نتائج البحث عن الليثيوم بتمنراست و إن قزام ايجابية    السيد عطاف يجري بكوبنهاغن لقاءات ثنائية مع عدد من نظرائه    "تحيا فلسطينا": كتاب جديد للتضامن مع الشعب الفلسطيني    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 251 آخرين خلال أسبوع    معرض الجزائر الدولي ال55: نحو 300 مؤسسة سجلت عبر المنصة الرقمية الى غاية اليوم    وزير الاتصال: الانتهاء من إعداد النصوص التطبيقية المنظمة للقطاع    اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحفيون الفلسطينيون قدموا مئات الشهداء وهزموا رواية الاحتلال الصهيوني الكاذبة    رالي اكتشاف الجزائر- 2024 : مشاركة 35 سائقا اجنبيا وعدد معتبر من الجزائريين    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 34 ألفا و 596 شهيدا    منظمة العمل العربية: العدوان الصهيوني دمر ما بناه عمال غزة على مر السنين    المصلحة الجهوية لمكافحة الجريمة المنظمة بقسنطينة: استرجاع أزيد من 543 مليار سنتيم من عائدات تبييض الأموال    رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل: مقاربات الجزائر تجاه قضايا الاستعمار قطعية وشاملة    لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي    في انتظار التألق مع سيدات الخضر في الكان: بوساحة أفضل لاعبة بالدوري السعودي الممتاز    الرئيس تبون يؤكد بمناسبة عيد الشغل: الجزائر في مأمن والجانب الاجتماعي للدولة لن يزول    رئيس الجمهورية يحظى بلقب "النقابي الأول"    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    بخصوص شكوى الفاف    تدعيم الولايات الجديدة بكل الإمكانيات    بداية موفّقة للعناصر الوطنية    العلاقات بين البلدين جيدة ونأمل في تطوير السياحة الدينية مع الجزائر    انبهار بجمال قسنطينة ورغبة في تطوير المبادلات    الجزائر في القلب ومشاركتنا لإبراز الموروث الثقافي الفلسطيني    اجتياح رفح سيكون مأساة تفوق الوصف    إطلاق أول عملية لاستزراع السمك هذا الأسبوع    تكوين 500 حامل مشروع بيئي في 2024    حملة وطنية للوقاية من أخطار موسم الاصطياف    البطولة الإفريقية موعد لقطع تأشيرات جديدة لأولمبياد باريس    المجلس الشّعبي الوطني يشارك في الاجتماع الموسّع    الجزائريون يواصلون مقاطعة المنتجات الممولة للكيان الصهيوني    أوغندا تُجري تجارب على ملعبها قبل استضافة "الخضر"    بولبينة يثني على السعي لاسترجاع تراثنا المادي المنهوب    دعم الإبداع السينمائي والتحفيز على التكوين    تتويج إسباني فلسطيني وإيطالي في الدورة الرابعة    روما يخطط لبيع عوار للإفلات من عقوبات "اليويفا"    دعوة للتبرع بملابس سليمة وصالحة للاستعمال    263 مليون دينار لدعم القطاع بالولاية    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    خنشلة: الوالي محيوت يشرف على إحياء اليوم العالمي للشغل    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوتفلقة.. العودة والتحدي

عاد الرئيس بفضل الله ورعايته، ولو قلت عاد الهمام، لما جانبت الصواب، ولما خالفني في هذا الوصف، كل منصف أمين، أجل، أليس من الهمة والإباء والصمود وبقطع النظر عن مآثر الرجل في الماضي والحاضر أن يتحدى مرضا خطيرا بشجاعة قل نظيرها، وأن ينتصر عليه بإرادة لا مثيل لها وأن يعود الى ممارسة مهامه بعزيمة أذهلت الصديق والعدو، ولا عجب، أنها عزة النفس ورفض الاستسلام الذي يصنع المعجزات، ورحم الله من قال ''عليك نفسك فاستكمل فضائلها.. فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان«.
نعم عاد لتحمل الأمانة التي أوكلها له الشعب، بحزم لا يلين وإصرار لا يقهر واتخذ قرارات إدارية وسياسية جريئة وحاسمة لم يكن يتوقعها الا القليل ممن يعرفون صلابة روح التحدي لديه، عاد بوتفليقة من رحلة الألم ولسان حاله يقول »سأعيش رغم الداء والأعداء *** كالصقر فوق الصخرة الشماء«.
العودة.. والتحدي
رجع الرئيس في حفظ الله فأسقط في يد خصومه وبهتوا كما بهت الذين من قبلهم، رجع فجفت الأقلام، أقلام أولئك المغرضين الحاقدين، الذين ما أن ألمّ به المرض، حتى راحوا يهللون ويطلقون العنان لأفئدتهم المريضة وألسنتهم المسمومة فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وصاروا يرسمون الخطط ويقترحون الحلول العقيمة لأزمة حكم لا وجود لها الا في مخيلاتهم المشوهة بفعل الحقد والضغينة والحسد، نعم رجع بوتفليقة سالما الى عرينه وهو يقول في قرارة نفسه »جزى الله الشدائد كل خير == فقد عرفتني عدوي من صديقي«
عرفهم وقد كان يعرف أكثرهم سلفا ولكن دون أن يحمل أي حقد أو رغبة في الانتقام كما يدعي البعض، فكيف يحمل الحقد من تعلو به الرتب، وهل يرغب في الانتقام من تلا قوله تعالى: ''فمن عفا وأصفح فأجره على الله'' فهو ككل رجل عظيم ورجل شهم كريم مقتنع بأن العفو عند المقدرة من أنبل الشيم.
أجل ولقد برهن على ذلك عندما صفح صفحا جميلا عمن آذوه أشد الأذى، وأساءوا اليه أشد الاساءة في الماضي، في سنوات الغربة والإبعاد والتهميش، لقد صفح عنهم غير مكره، بل وكرم بعضهم ممن لهم ماض ثوري يستحق التكريم.
عاد الرجل الى سالف عهده كما قلت، وألمت بالكثير منهم وعكة تفوق وعكة الرئيس فأصيبوا بالبكم، وإن نطقوا فبألسنة معقودة لا تعي ما تقول، حيث أصبح موقفهم يدعو الى الشفقة، هم الذين لم يشفقوا على رئيسهم في محنته وابتلائه، إنهم قوم لا يعقلون حقا، كما ألحوا وبالغوا في الإلحاح لرؤية الرئيس عندما كان في المستشفى، ولم يقتنعوا بتصريحات الأطباء ولم يصدقوا - التطمينات المتكررة لرئيس الحكومة، لدرجة أنهم ذكروني بقوم موسى عليه السلام وهم يقولون له ''لن نؤمن بك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون''
وأمام إلحاح هؤلاء وتهويلهم وعويلهم ظهر الرئيس رغم تعبه الشديد آنذاك، فصعقوا عندما رأوه يشرب القهوة ويتحدث الى زواره، لم يصدقوا أعينهم وظنوا أنهم يحلمون، وكأنهم لا يعلمون بأن الأمور تجري بمقادير وأن الأعمار بيد الله، لن أعود الى تلك الترهات والأراجيف والتكهنات الخرقاء فقد سبق لي التعليق عليها، لكن أريد أن أشير فقط الى أن نعيقهم لم ينقطع الى اليوم الذي شاهدوا فيه الرئيس يستقبل ضيوفه أعني ''الغنوشي والسيسي'' اللذين جاءا لاستشارته في موضوع الأزمة التونسية، يومها هزم أصحابنا، وزلزلوا زلزالا شديدا، الرئيس يستقبل الأجانب، فهو اذا يتكلم ويفصح ولا يتمتم كما يدعون، الرئيس يناقش ويجادل كعادته، الرئيس يأمر وينهي ويغير الحكومة، ويعين ويقيل الضباط، وأخيرا وليس آخرا يرأس مجلس الوزراء.
أجل زلزلوا وفقد الكثير منهم وعيهم وعندما أفاقوا لم يجدوا ما يقولون سوى أن الحكومة حكومة انتخابات بدليل أنه عين في الحقائب السيادية رجالا مقربين منه، ولكن، فهل كانوا ينتظرون منه أن يعين في مناصب حساسة أناسا لا يعرفهم ولا يعرف مدى كفاءتهم والتزامهم وإخلاصهم؟ إن هذا لعمري هو الخرف بعينه، ومع ذلك أقول لهؤلاء لو كانت دوافع التعديل اعتبارات انتخابية محضة لما استغنى عن خدمات رجل أخلص له في الماضي والحاضر ولا زال - حسب ظني - مستعداً للإخلاص في المستقبل إن اقتضت الظروف، أعني ''ولد قابلية'' ومثل هذا الكلام يمكن أن يقال عن ''تو عمار'' أو ''حراوبية'' مثلا، كل ما هناك أن هؤلاء الإخوة عمروا طويلا في مناصبهم حيث بذلوا جهدا لا ينكر، اضافة الى انشغالهم الكبير بأمور الحزب، فكان من الطبيعي ان يستخلفوا بوزراء جدد برهنوا عن كفاءتهم في أدائهم لمهامهم السابقة، ثم ألم يكن الجميع يطالب بضخ - سولو تدريجيا - دماء جديدة في مفاصل الدولة ودواليبها، أضف الى ذلك أن بقاء المسؤول لمدة طويلة في نفس المنصب يجعله عرضة لكثير من النقد، بل والتجريح أحيانا، وهذا مهما كان أداؤه ورغم ما بذل من جهد.
المادة 88... أحاديث الوهم
لن أعود كما قلت الى ظروف مرض الرئيس وما حبك عنه من تخرصات وأحاديث ملفقة عن عجزه، وهم العاجزون، لن أطيل في الموضوع فقد قلت فيه وعنه ما يكفي، كما تحدث فيه غيري لاسيما الأخ الكريم والاستاذ القدير ''مقران آيت العربي'' وهو معارض، لكنه معارض شريف، أقول شريف لأن أكثرية من يدعون المعارضة اليوم معارضون مزيفون وسماسرة سياسة، كما سأوضح ذلك في بقية هذا الحديث، لقد كتب الأخ ''مقران'' مقالا أفحم كل المتشدقين بالدستور والماسكين ولا أقول المتمسكين بحبل المادة 88 من أحكامه لعلها تحقق لهم ما لم يستطيعوا تحقيقه بنضالهم المزعوم، وعليه، فكل التقدير والشكر للأستاذ ''مقران'' على أمانته العلمية وحياده، فقد أثبت لهم بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المادة الدستورية غير قابلة للتطبيق في حالة الرئيس ''بوتفليقة'' الأكيد أن هؤلاء الناس يئسوا من القدرة على الوصول للسلطة، فضلوا الطريق وأصبحوا يدورون في حلقة مفرغة، يتحدثون عن التغيير ولا يحددون معناه ومحتواه وأساليبه، كما يتحدثون باسم الشعب، والشعب منهم براء بدليل النتائج المخزية التي حصلوا عليها في الانتخابات الأخيرة وما قبلها، ذلك لأن الشعب قد اكتشفهم وكشف سرائرهم وعرف مآربهم. فرغم القرارات الرئاسية الأخيرة التي أثبتت للذكي وحتى البليد، بأن الرئيس هو صاحب الشأن دون منازع، مازالوا يتحدثون عن أصحاب القرار وعن سلطة فعلية أخرى، عجيب والله أمر هؤلاء.
فمادامت هناك حسب زعمهم - سلطة أخرى في البلاد، فلماذا اذا أصموا آذاننا بالكلام عن الفراغ السلطوي الذي أحدثه مرض الرئيس وغيابه؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى لطالما طالبوا بإرساء حكم مدني بعيد عن تأثير وتدخل الجيش في الشؤون السياسية، ثم ها هم اليوم والكثير منهم على الأقل يدعونه - في مفارقة عجيبة - للتدخل في الحياة السياسية.
الحقيقة أن كلهم يخطب ود القوات المسلحة إلا واحدا شذ عنهم في هذه المرة، أعني زعيم ''حزب العدالة والتنمية'' الذي أصبح يتحدث حديثا غير معهود، حيث بات ينادي بإبعاد الجيش عن أمور السياسة، في تقديري أن خرجته الناشزة هذه، تعود الى كونه أصبح يشعر بأنه انتهى سياسيا، مما جعله يبحث عن أي ذريعة أو عذر لتبرير فشله الذريع.
سأعود للحديث عن جيشنا الشعبي العتيد، سليل جيش التحرير الوطني، خاصة وأني قضيت أولى سنوات عمري في صفوفه، لكن قبل هذا أود أن أقول لصاحبنا ''جاب الله'' بأنني عندما أقول بأنه انتهى، أوضح عن أية نهاية أتحدث، عكس ما فعله هو، عندما تكلم عن الرئيس على صفحات الشروق، حيث قال بنبرة المتيقن بأن بوتفليقة انتهى ووضع نقطة على السطر.
من الذي انتهى...؟
فليسمح لي السيد ''جاب الله'' أن أذكره - وكان من المفروض أنه هو من يذكرني، لأنه الشيخ والفقيه، بأن الانسان لا ينتهي أبدا وبأن الموت ليست نهايته كما يعرف، وإنما هي مجرد انتقال من حال الى حال، من دار الفناء الى دار البقاء، ثم أن الانسان بعد رحيله من الدنيا يبقى حيا بالذكر، ان هو خلد اسمه بمواقف وأعمال تحفظها له الأجيال على مر الأيام، ورحم الله الشاعر الخالد أحمد شوقي اذ يقول:
دقات قلب المرء قائلة له ** إن الزمان دقائق وثوان فاصنع لنفسك قبل موتك ذكرها ** فالذكر بعد الموت عمر ثان وعليه فبوتفليقة سواء استمر في قيادة الأمة أو سلم المشعل لغيره فقد خلد ذكره في تاريخ الجزائر الحديث، فبماذا سيذكرك الناس يا أخي عبد الله - مع احترامنا لمسارك - اذا استثنينا موقفا حسبناه موقفا شجاعا في يوم من الأيام، كان ذلك عقب توقيف الانتخابات، عندما أعلنت عن تشكيل جبهة - وما أكثر الجبهات - سميتها جبهة الدفاع عن اختيار الشعب، أجل لقد كان موقفا جريئا قدره الناس، لكن سرعان ما تخليت عنه وانخرطت في العملية السياسية التي تلت تلك الأحداث، حيث كان لك نواب وأميار فأين هو الثابت والوفاء والوعد؟ هذا بقطع النظر عن تقييمنا لما جرى وموقفنا مما حدث في تلك الفترة الحالكة مع الأسف، أعود للقول بأن ''جاب الله'' ''إنتهى سياسيا'' منذ الانتخابات النيابية الاخيرة وما اسفرت عنه من نتائج باهتة كي لا اقول مهينة بالنسبة لحزبه الأخير، أقول لحزبه الاخير لأنه سبق أن أسس احزابا أخرى تخلت عنه، وحتى لو قال بأنه هو من تخلى عنها فان ذلك مؤشر واضح على عجزه وعدم قدرته على تسيير وقيادة الرجال، لاشك أن استاذنا جاب الله قد تيقن من انهيار مصداقيته، ولهذا أصبح يقول بأنه عازف عن الترشح للرئاسيات المقبلة وينتحل لذلك أعذارا واهية لم تعد تقنع أحدا ممن يعرفون تقلباته. الأكيد أن الرجل أصيب بإحباط شديد وخيبة مريرة وإلا لما تجرأ - كما أسلفت - على الخوض في مسائل تتعلق بقواتنا المسلحة، وهنا أريد أن أذكره بأن الجيش الوطني الشعبي لم يتدخل يوما في أمور السياسة - وهو لها كاره - الا بدافع الحفاظ على تماسك الأمة واستقرار البلاد، وذلك كلما عجزت نخبتنا السياسية الفاشلة عن القيام بواجبها في ريادة وقيادة المجتمع، إن فشل زعيم حزب العدالة والتنمية هو بالتأكيد ما جعله ينتقل من السفسطة الى الديماغوجية ويقول كلاما أقرب الى الدجل والتخريف منه الى الكلام العقلاني الرصين، والا كيف نفسر حديثه عن ابتكاره لدستور خاص به، أن يقدم اقتراحات وأفكار قد تفيد الهيئة المخولة بصياغة الدستور - ولا أقول الدستور النهائي الذي سيخضع للمناقشة والإثراء على الأقل داخل البرلمان، فهذا مقبول ومستحب بل ومطلوب، لكن أن يصوغ دستورا كاملا ويعرضه على الناس فهذا لعمري بدعة ما بعدها بدعة سبقه أو لحق به اليها حزب آخر وهو بالمناسبة حزب يحمل مشروعا مناقضا تماما لمشروع ''جاب الله'' أقصد حزب ''الأرسيدي'' العلماني التغريبي الذي أصبح لا يتردد في تأييد بعض مواقف هذا الحزب المتطرف المأجور أعني ''الماك'' وزعيمه المتصهين الذي بلغ به ''الكفر'' بالوطن الى حد المطالبة بالحكم الذاتي لمنطقة القبائل الأبية، مع أن الأغلبية الساحقة من سكان القبائل الشرفاء، إن لم أقل كلهم، تبرأوا منه براءة الذئب من دم ''يوسف'' كيف لا وبلاد القبائل التي انجبت فطاحل العلماء في الشريعة واللغة العربية، كانت دائما - ورغم كل محاولات الاستعمار لسلخها عن أمتها - معقلا للثوار وحصنا حصينا للهوية الجزائرية أو ''الأنية والاصالة'' كما سماها وعرفها واعتز بها مفكر العروبة والإسلام، سليل جبال القبائل الشامخة، الأستاذ ''مولود قاسم'' رحمه الله وطيب ثراه.
أحزاب الإنتظار
هناك حزب ''اسلامي'' آخر أقصد ''حمس'' عودنا على الخرجات العجيبة الغريبة، كانت أبرزها تلك المقولة التي لم يسبقه اليها أحد في العالمين، أقصد مقولة : ''كنا في الحكومة ولم نكن في السلطة'' كلام لا يعقل وفيه اهانة لذكاء الجزائريين، هذا الحزب الذي فقد ظله منذ انتكاسة ''الربيع العربي'' أصبح يتحدث في الآونة الأخيرة عن ''حكومة ظل'' وهي بدعة أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، نعرف أن بعض الشعوب المقاومة للاستعمار، شكلت حكومات مؤقتة اثناء الكفاح، كما هو الشأن بالنسبة للشعب الجزائري إبان الثورة، لكن لم نسمع أبدا عن حكومة ''ظل'' في بلدان حرة موحدة كاملة السيادة! أليس هذا قمة التخريف والتدجيل؟ في ظني أن هذا الحزب أو بالأحرى زعيمه الحالي فقد ''البوصلة'' واشتبهت عليه السبل ولم يجد ما يفعله سوى صياغة وثيقة سماها ''وثيقة الاصلاح الوطني'' وراح يعرضها على الاحزاب المعارضة، قاصيها ودانيها، اسلامييها وعلمانييها، قديمها وحديثها، وكان أول حزب يعرض عليه وثيقته هو حزب ''الأرسيدي'' التغريبي، عجيب والله أمر هؤلاء الإسلاميين!؟
لو توجه بها الى ''الافافاس'' لما استغرب أحد مسعاه، ذلك أن هذا الأخير رغم أنه حزب ديمقراطي ذو نزعة علمانية، إلا أنه لم يتنكر في يوم من الايام للثوابت الوطنية من اسلام وعربية وامازيغية بالطبع، كما أنه لم يشارك أبدا طيلة نصف قرن من مساره النضالي في أي نشاط من شأنه أن يزعزع وحدة الوطن والأمة، وأكبر دليل على ذلك هو موقفه الوطني الرائع أثناءالعدوان المغربي على حدودنا سنة .1963
وهل كان أحد يتوقع موقفا غير ذلك الموقف الأبي من حزب يرأسه أحد زعماء الثورة وقادتها البارزين، أعني بالذكر الأخ ''حسين آيت أحمد'' أمد الله في عمره.
إن الأفافاس - كما أشرت الى ذلك في مقالات سابقة، هو الحزب المعارض الوحيد الجديد بهذا النعت، حيث يمتاز بالجدية في العمل والثبات في النضال والوفاء للمبادىء، ولست الوحيد الذي يشهد بهذا فكل المناضلين الاصلاء في جبهة التحرير وحتى تيارات سياسية اخرى يقرون له بهذا الامتياز، وما المبادرة الاخيرة التي قام بها الامين العام للافلان بمباركة من الرئيس ذاته، والتي تمثلت في الرسالة الاخوية التي وجهها الى الزعيم آيت احمد، الا كعرفان وتأكيد على المكانة التي يحظى بها هذا الرجل الفذ لدى الشعب الجزائري، وقيادته لهذا لم أفهم كما لم يفهم كثيرون غيري ممن يعرفون مواقف الارسيدي الملتبسة، كيف اختار السيد مقري ان يخصه بأول زيارة له ضمن مشاوراته، سعيا وراء توافق تشك أغلبية الاحزاب في امكانية حدوثه، ثم ها هو بعد ذلك وفي نفس المسعى يجمع كتلة العشرة (10) التي أصبحت أربع عشر (14) ثم ستة شر (16) حسب ما سمعته وقد تصبح كتلة العشرين أو أكثر إن استمر السي عبد الرزاق على هذا النهج، ولا عجب، فقد باتت الأحزاب تنبت ''كالفطر'' في كل يوم، الى درجة أني أتحدى أيا كان من المتابعين للشأن السياسي، ومهما كانت قوة ذاكرته، أن يسرد أسماءها كلها أو حتى نصفها بل ثلثها، خاصة وأن الكثير منها تتشابه بل تكاد تتطابق، هذه الجماعات أقصد (14) والتي تضم الى جانب ''الخضر'' أحزابا لا يهمها الا التشويش على الرئيس وإزعاجه، ولا اقول إحراجه، ناهيك عن زعزعته أو النيل من عزيمته - لأنها عاجزة عن فعل شيء آخر، الكل يعرف أن هذه التشكيلات لا وزن لها في الشارع، وإن كان لبعضها نوع من الصدى في الماضي، فقد فقدته مع مرور الأيام نتيجة لفشلها وعجزها وصراعاتها الداخلية، فهي اليوم تدور في حلقة مفرغة، كلما سألت أحد زعماء أو مسيري هذه الأحزاب عن تصوره لحل مشاكل البلاد الا وسمعت نفس الجواب ''يجب تغيير النظام'' واذا سألته عن كيفية تغيير النظام قال لك: الحل عند أصحاب القرار، هذه هي عبقرية معارضتنا، تتلخص في كلمتي ''النظام'' و''اصحاب القرار'' فباستثناء بعض التشكيلات التي لا تتعدى عدد اصابع اليد في أحسن الاحوال، كل هذه ''المجموعات:'' همها الوحيد هو المناورة من اجل التقرب من السلطة لعلها تحصل على بعض فتات موائدها، كما شهد بذلك شاهد من اهلها، اقصد السيد ''التواتي'' الذي صرح بالحرف الواحد أن 80٪ من هؤلاء المعارضين لاينتظرون الا اشارة من السلطة ليرتموا في احضانها مهللين شاكرين، وقد - وأقول قد - لا اكون مخطئا ان زعمت بأن ''حمس'' نفسها لا نتنظر الا ايماءة من السلطان لتعود الى حضنه الدافئ بعد أن أيقنت ان حساباتها كانت خاطئة ولو افترضنا أن بعض هذه الاحزاب يسعى فعلا الى إحداث تغيير حقيقي، فهل يتصور قادتها أن هذا التغيير سيحدث تلقائيا أو بسحر ساحر، بدون نضال دؤوب وعلى جميع الاصعدة؟ أم تراهم ينتظرون أن تدعوهم السلطة لتسلم لهم الحكم منة وتكرما ومكافأة على صبرهم وانتظارهم الذي لا ينتهي، إنهم حقا ''أحزاب الانتظار'' كما سماهم الصحفي المتميز الأخ ''نجيب بلحيمر''.
نخبة فاشلة
وعلى ذكر ''موسى تواتي'' صاحب ''الأفنار'' الذي لا يتوقف عن انتقاد المعارضة الخائبة ناسيا أنه أحد رموزها البارزين، هذا الرجل المهووس بفرنسا يرى في كل تحرك - مهما كان - تقوم به الحكومة يدا نافذة للغرب ولفرنسا بالتحديد، وكأن فرنسا لازالت تحكم الجزائر، وينسى اخونا التواتي ان الجزائر تحررت منذ نصف قرن بفضل تضحيات الشهداء، وهو أحد أبنائهم مع الأسف.
هذا الرجل الذي ثبت فشله في تسيير وقيادة حزبه بعد الفضائح التي يعرفها العام والخاص من انشقاقات وصراعات واتهامات، اصبح اليوم وبكل وقاحة ولا أقول جرأة يهدد بالنزول الى الشارع وكأن له جحافل من المريدين والانصار، ولو كنت مكان السلطة لشجعته على الخروج كي يعرف الناس - وأكثرهم يعرفون وزنه وحجمه في الشارع الذي يلوح به.
تحدثت عن حمس وعن زعيمها الجديد ''مقري'' وكدت أنسى أخاه من''الرضاعة'' السيد مناصرة، ذلك الرجل الذي أصبح يوما ما وزيرا بالصدفة، أقول بالصدفة لأنه ما كان ليرقى الى الوزارة لولا فضل التحالف الرئاسي الذي أسس له المرحوم ''محفوظ نحناح'' وما أدراك ما نحناح لو أطال الله عمره لما وصلت ''حماس'' الى ما وصلت اليه من تشرذم وضعف ولما انشق عنها الأخ ''مناصرة'' وأسس حركة ''التغيير'' التي انشقت عنها هي الاخرى حركة سماها اصحابها ''حركة البناء'' وهي تسمية تدعو الى التفاؤل، فليتها كانت إسما على مسمى.
ما كنت لأذكر الأخ مناصرة لولا تغير موقعه بثمانين درجة، حيث أنه يرى اليوم بأن التغيير لا يأتي الا عن طريق توافق يشمل كل ألوان الطيف من إسلاميين وعلمانيين ويساريين وهلم جرا، ما يحيرني في هذه الرؤيا التي اهتدت اليها عبقريته العجيبة هو: كيف يستطيع هذا الرجل الذي رضع من ثدي الحكومة ردحا من الزمن أن يوفق بين كل هذه الاحزاب التي اصبح عددها يقارب عدد سنوات الاستقلال، وحتى لو اقتصرنا على التشكيلات السياسية التي يمكن ان ننعتها تجاوزا بالكبيرة، فكيف يمكنه ان يجمع على خريطة طريق واحدة احزابا تتعارض في توجهاتها وبرامجها، إن كان لها أصلا برامج - تعارضا يصل حد التنافر والعداء أحيانا.
كيف يستطيع أن يحقق هذا وهو الذي لم يتمكن من الحفاظ على وحدة حركته، ناهيك عن وحدة الحركات الإسلامية بكل فصائلها، والتي تبدو اليوم منقسمة اكثر من أي وقت مضى، كيف يستطيع أن يجمع كل هذه التكتلات على كلمة سواء إلا إذا كانت هذه الكلمة تتلخص كما قلنا من قبل - في عبارة واحدة لا غير، ألا وهي:'' منع بوتفليقة من الاستمرار في الحكم'' وهي العبارة نفسها التي يحاول زميله مقري أن يجمع الناس عليها ولكن هيهات.
لن أكون منصفا ان لم أعرج على أخينا ''فوزي رباعين'' الرجل الذي احتكر الثورة التحريرية عندما سمى حزبه ''عهد ''54 كأن الثورة لم يشارك فيها أحد غيره وجماعته وليت حزبه كان له من القوة والإشعاع ما يرقى به ويجعله جديرا بعظمة الثورة، إذا لهان الأمر، وتجاوز له القوم عن هذا التطاول المثير، ''أخونا فوزي'' الذي ترشح للرئاسيات في السابق وخاب مسعاه، لو اكتفى بانتقاد اداء الرئيس وطريقته في التسيير ومواقفه من القضايا الداخلية والخارجية، لكان ذلك من حقه، شأنه شأن كل مواطن جزائري حتى لو، اختلفنا معه، لكنه بالغ في الاسفاف عندما قال فيما يشبه الكفر بالنعمة ونكران الجميل :أن بوتفليقة لم يقدم شيئا للجزائر، ولم ينجز أي شيء للوطن بالاموال الضخمة التي بذرها تبذيرا منذ مجيئه؟
هذا ولا يفوتني قبل أن أنتهي من هذه الجولة في دروب معارضتنا المنهكة، أن أشير باختصار الى مبادرة الثلاثة الذين خلفوا'' أقصد مبادرة الأستاذ ''رحابي وصاحبيه'' لو لم يكن الأخ رحابي من الوزراء المغضوب عليهم سابقا ومن السياسيين الذين وقفوا ضد بوتفليقة في سالف الأيام لقلت ومع احترامنا له- بأن مبادرته نابعة من موقف مسؤول عبرت عنه مجموعة من المثقفين لا تحركهم الا الغيرة على الوطن، لكن مادام الأمر تشتم منه رائحة الحزازات الشخصية فلا يمكن أن ندرجها الا في خانة المناورات السياسية، التي تدفعها روح الانتقام والرغبة في تصفية الحسابات مع الأسف، هذا لا يعني أننا ضد المبادرات التي تأتي من مثقفينا ومفكرينا، بل على العكس، نحن نأسف لعدم انخراطهم في الشأن العام وقلة انشغالهم بهموم الوطن كم تمنيت ولازلت أتمنى أن تطلع علينا دراسات جادة تمتاز بالامانة العلمية في تحليلها للوضع العام للبلاد، وتخرج بمقترحات موضوعية تسهم بها في انارة الرأي العام وتنبيه القادة الى أمور تساعد على حل مشكلات اليوم والاستعداد لتحديات المستقبل، ولكن يبدو لي مع الأسف أن نخبتنا الفكرية قد استمرأت الخمول والركود شأنها شأن النخبة السياسية إن جاز القول بأن لدينا نخبة سياسية.
خيبة أمل..
إن الكلام عن المعارضة في الجزائر وعن الوضع السياسي بصفة عامة طويل وطويل جدا، وهناك أشياء كثيرة لابد أن تقال لكن أرى انني أسهبت، ولذلك سأترك الخوض فيها لمقال آخر سيأتي لاحقا إن شاء الله.
وقبل ان أختم لابد أن أشير الى أنني لا أعرف أحدا من الاخوة الذين أتى ذكرهم في هذا الحديث الا من خلال مواقفهم وما قرأت عنهم أو سمعت منهم ولذلك فأنا لا أحمل أي عداوة او حقد لهم،. بل على العكس، فأنا أكن لهم ما ينبغي أن يحمله أي مواطن لأخيه في الوطن والملة من محبة واحترام، ولكن الامانة الفكرية تحتم علي أن أكون صريحا غير مجامل فيما اعتقده حقا، عندما أتناول مواقفهم بالتقييم في إطار تحليلي للوضع السياسي العام في بلادنا، فمعذرة، اذا، إن أنا خدشت شعور بعضهم، فليس هذا قصدي، كل ما أهدف اليه هو كشف مواقف بعض السياسيين - لا أقول على حقيقتها، فقد أكون مخطئا، وإنما كما آراها ويراها كثير من المواطنين من نخب وعامة.
خلاصة القول أن الرئيس قد عاد الى أرض الوطن في حفظ الله ورعايته، وخاب أمل أولئك البؤساء الذين راهنوا على مرضه ليعتلوا سدة الحكم، وأقول لبؤساء لأنني أرى ككل الشرفاء أن من البؤس، بل من الخسة، أن يستغل الانسان غياب خصمه ليطعنه في الظهر. فالكرماء لا يواجهون غريمهم إلا وهو واقف، ولا ينازلونه وهو مجرد من السلاح.
وعندما نستبشر بعودة الرئيس ونطمئن على سلامة البلاد وبوجوده على رأسها، لا ندعي بأنه الرجل الوحيد القادر على قيادة الأمة، فالجزائر لم تعقم، ولا شك أن من بين أبنائها من هو أهل لاستلام المشعل عندما يحين الحين، لكن هذا الرجل الجدير بتحمل الأمانة لا يوجد بالتأكيد من بين هؤلاء الأشباح الذين يدعون الزعامة والقدرة على حل مشاكل البلاد الحالية والمستقبلية، وهم عاجزون ولو عن معالجة التخبط الذي تعيشه أحزابهم - إن جاز التعبير - لأن من بين هذه الاحزاب من لا يتعدى عدد مناضليها عدد مؤسسيها، ولولا تسيب الساحة السياسية لما كان لهم الذكر بين الناس سواء غابوا أم حضروا.
انا على يقين بأن حب الوطن والخوف عليه خاصة في هذه الفترة العصيبة، الحبلى بالمخاطر والتحديات هو وحده الذي جعل الرئيس يستمر في تحمل أعباء مهمة تنوء بثقلها الجبال، رغم المرض، والتعب، ان الشعور الحاد بالمسؤولية هو بلا ريبة من يمد هذا الرجل بعزم وإرادة لا تفت فيهما لا وطأة الداء ولا مكائد الاعداء.
ومهما يكن وكما كتبت سابقا - وقد كان الرئيس لايزال على سرير المستشفى - ان بوتفليقة لابد وأن يترك الحكم يوما ما، انها سنة الحياة، وحينها سنرى هل سيكون هؤلاء ''المتزعمون'' في مستوى الامانة العظمى التي ستؤول اليهم، اتمنى ذلك وان كنت أشك فيه، نعم أتمناه مخلصا، وذلك حرصا على الجزائر ومستقبل أبنائها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.