كان النقاش الذي تميزت به الندوة التي نظمها الأفلان حول »رهانات انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة«، كان نقاشا حرا ومفتوحا على الرأي والرأي المخالف، مما أعطى الندوة بعدا تحليليا وتشريحيا للإشكالية المطروحة، بعيدا عن التوجيه أو التوظيف السياسي. الخبراء الذين تداولوا على المنصة، سواء كانوا من الأساتذة والمختصين أو من الاتحاد العام للعمال الجزائريين أو ممثلي أرباب العمل، قدموا تصوراتهم للمسألة في شفافية تامة، فمنهم من هو مع حتمية انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة لكن مع عدم التسرع، وهناك من يرى أن انضمام بلادنا إلى هذه الهيئة الدولية »انتحار اقتصادي« وهناك رأي ثالث يربط الانضمام بالتهيؤ له، من خلال قيام إنتاج وطني تكون له القدرة على المنافسة، من حيث الجودة والسعر. لقد ذهب أكثر من متدخل بأن ربط مصير الجزائر بهذه المنظمات الدولية يعد بمثابة الانتحار الاقتصادي، من منطلق أن قواعدها مسخّرة لخدمة الاقتصاديات الرأسمالية القوية، عبر »إغراق« أسواق الدول الفقيرة أو النامية، على غرار الجزائر بالمنتجات المستوردة، وهذا من شأنه أن يشكل تهديدا واضحا للمنتوج الوطني، على قلته وضعفه، كما سيتسبب في تسريح آلاف العمال. وفي هذا السياق كان الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين سيدي السعيد قد صرح بأن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة قد يعرض إلى الخطر مستقبل أكثر من 7 ملايين عامل جزائري. وأجمع المتدخلون أيضا على أن الجزائر غير مستعدة حاليا وحتى على المدى المتوسط لتفادي سلبيات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، نظرا لهشاشة اقتصادها وضعف أو انعدام تنافسية مؤسساتها. واعتبروا تطبيق الالتزامات التي يتطلبه الانضمام خطرا على الطبقة المتوسطة بالدرجة الأولى وضمان بقائها، مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الوطني يوجد حاليا في مفترق الطرق وهو يواجه العديد من التحديات سببتها قرارات السياسة الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة الاستيراد وضعف الصادرات، مع اقتصاد وطني هش، يعتمد على الريع البترولي. وكما هو معلوم فغن الالتزامات التي يفرضها الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يقتضي، حرية المنافسة و الالتزام بعدم التمييز بين الدول أو بين المنتج الوطني أو الأجنبي أو بين الإنتاج الوطني والأجنبي، التخلي عن دعم الصادرات، تجنب سياسة الإغراق والإلغاء التدريجي للقيود الجمركية. إن موضوع انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة، يكتسي أهمية بالغة، مما يقتضي فتح نقاش معمق ومسؤول وشفاف، لتحديد الإيجابيات والسلبيات، ذلك أنه إذا كان الانضمام حتمية، لأن دولة مثل الجزائر لا يمكن أن تبقى خارج هذا الإطار، وإذا كان الدخول انتحارا اقتصاديا، لأن بلادنا غير مهيأة من الناحية الاقتصادية، فإن التساؤل المطروح هو: إلى متى والجزائر تفاوض بعد عشرين سنة من المفاوضات، ثم متى يكون لنا اقتصاد وطني قوي ومتنوع وقادر على المنافسة. أما السؤال الكبير الذي أجمع عليه كل الخبراء فهو: متى يتحرر الاقتصاد الوطني من التسيير السياسي. وإذا كانت معركة حماية الاقتصاد الوطني معركة سيادة، فمن باب أولى أن يكون تطوير الاقتصاد الوطني قضية وطنية، لاستكمال الاستقلال السياسي باستقلال اقتصادي، وعندها يصبح الحديث عن انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة من موقع قوة، لكن متى يكون ذلك، وكيف يكون. نترك الإجابة عن السؤال للمستقبل.