اليوم تحسم انتخابات الرئاسة في تونس بإجراء الدور الثاني، ومع إعلان الفائز بهذه الانتخابات سيعرف الرئيس الذي سيحكم تونس خلال السنوات الخمس القادمة، وسيفتح الباب أمام المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة والتي ستكون حكومة ائتلافية بكل تأكيد على اعتبار أنه لا يوجد أي حزب يحوز الأغلبية المطلقة التي تجعله قادرا على تشكيل الحكومة منفردا. تونس تكون قد تجاوزت المرحلة الأكثر حرجا، وهي تتجه إلى إدارة المرحلة اللاحقة، وهي مرحلة حساسة على المستويين السياسي والاقتصادي، بحكومة منتخبة ديمقراطيا، وبمعارضة قوية، سواء اختار نداء تونس التحالف مع النهضة أو المضي قدما دون إشراكها في الحكومة، وهذا في حد ذاته يعتبر مكسبا كبيرا، ولعل السنوات الخمس القادمة ستؤكد للتونسيين أهمية التعايش بين مختلف التيارات السياسية، وضرورة الحفاظ على التوافق حول الحد الأدنى من الأهداف المشتركة بين أبناء البلد الواحد. كثير من المتابعين للشأن التونسي منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي توقعوا الأسوأ، فخلال قرابة أربع سنوات مرت البلاد بأزمات خانقة، وفي أكثر من مرة وقفت على حافة الهاوية، لكن يقظة أبنائها، وحرص مختلف الأطراف على إنجاح التحول السلمي نحو الديمقراطية جعلها تتجاوز هذه الأزمات بسلام، وحتى الانتخابات التي كانت تثير المخاوف جرت في ظروف عادية ولم تشهد أي انزلاقات. بناء الديمقراطية عملية مستمرة ودائمة، وهي كفاح دائم ينخرط فيه المجتمع الذي ينظم نفسه في إطار هياكل وهيئات، وأما الانتخابات فهي آلية ضمن آليات أخرى، من خلالها يتم تجديد المؤسسات، ومراجعة السياسات، والأهم في عملية البناء الشاقة والمستمرة هو الانتباه إلى أولوية التعايش في كنف الاستقرار والأمن، فبدون الاستقرار لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر، ولا استقرار إلا في ظل حكم يستند إلى شرعية شعبية لا تطالها الشبهات. تونس تثبت اليوم أن التغيير السلمي ممكن، وأن التعايش بين التيارات السياسية المتناقضة ممكن أيضا، وهذا هو طريق الديمقراطية الحقة الذي يجب السير عليه.