وزارة الاتصال تقاضي قناة الوطن بسبب استضافتها لمدني مزراق، وقد ينتهي الأمر بغلق هذه القناة لهذا السبب، لكن قبل هذه الخطوة لم يصدر ما يمنع استضافة مدني مزراق أو غيره في التلفزيون، والأهم من هذا أنه لا أحد استدعى مزراق لمساءلته عن هذه التصريحات التي قد تصبح سبب لغلق قناة تلفزيونية. الصورة تبدو مليئة بالتناقضات، فقبل أشهر كان مزراق ضيفا على رئاسة الجمهورية، وقد استفاضت وسائل الإعلام العمومية في الحديث عن استقباله من طرف مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحي، ونقلت تصريحاته بالصوت والصورة بعد المقابلة التي جرت ضمن المشاورات التي أجرتها الرئاسة حول تعديل الدستور. ولم يبدأ الانزعاج من مزراق إلا عندما تعالت أصوات تنتقد حضوره المكثف في بعض التلفزيونات الخاصة، وحتى عندما أرادت السلطات أن تتدخل لم تتجه إلى مزراق بل اختارت ممارسة الضغط على القنوات التلفزيونية للكف عن استضافته، وتأتي متابعة الوطن قضائيا للتأكيد على هذا السياسة. ما يجري بخصوص مزراق يجد جذوره في الطريقة التي اعتمدت في تسيير ملف المصالحة، فمنذ عقد على الأقل لم يتوقف عناصر جيش الانقاذ المنحل عن النشاط بأشكال مختلفة؛ لقاءات، وجامعات صيفية، ومشاركة في تجمعات انتخابية، ولم يتوقف مزراق عن التعبير عن موقفه، بل إنه في بعض الأحيان كان يتحدث باسم السلطة، ويدعو المواطنين إلى الوقوف مع هذا الخيار أو ذاك، وكل شيء كان يوحي بأن الرجل يمارس السياسة بالفعل، وأن لا أحد يزعجه، رغم أن تلميحات متبادلة بينه وبين الجهات الرسمية كانت تؤكد وجود تناقض في تفسير وضعية هذا العائد من الجبل والآلاف من المسلحين الذين عادوا معه. قراءة السلطة قائمة على ميثاق السلم والمصالحة الذي يمنع على من تركوا السلاح واستفادوا من المصالحة العودة إلى العمل السياسي، في حين أن مزراق يذكر دوما بالمرسوم الرئاسي الذي بموجبه تم العفو عن عناصر جيش الانقاذ المنحل، وهو مرسوم يحفظ لهم حقوقهم السياسية والمدنية ويترك الباب مفتوحا أمام عودتهم إلى الساحة السياسية. القضية ليست قانونية كما قد تبدو في الظاهر، إنها سياسية في المقام الأول، وقد نكتشف بعد حين أن المصالحة، التي بنيت على نص قانوني، دون أن يكون للعدالة أي دور في تحقيقها، كانت استجابة قانونية لأزمة سياسية، وهذه نقطة ضعف قاتلة ليس من الحكمة التأخر في معالجتها.