تربية: ضرورة توجه الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية نحو الإنتاج الرقمي والإلكتروني    سونلغاز: الرئيس المدير العام يستقبل السفير الإيطالي    العاب القوى/ البطولة العربية لأقل من 20 سنة: الجزائر تفتك خمس ميداليات، منها ذهبيتان    توافق التام للرؤى بين البلدين.. جمهورية الكونغو ترغب في إعادة بعث علاقاتها مع الجزائر    من الفاتح ماي إلى نهاية شهر أكتوبر.. أبناء الجالية لن يخضعوا للتأشيرة    منظمات للمتقاعدين تثمن القرار وتؤكد: الزيادات تأكيد على اهتمام رئيس الجمهورية بهذه الفئة    ستستعمل كأداة تعليمية في كليات الطب وملحقاتها..تقديم أول طاولة تشريح افتراضية ابتكارية جزائرية للتدريب على علم التشريح    إحياء ذكرى ماي الأسود: تدشين مرافق صحية وسياحية بقالمة    مع قطع الاحتلال شريان الحياة الوحيد لغزة مع العالم الخارجي    شهدتها شوارع قالمة أمس: مسيرة حاشدة تخليدا لضحايا ماي الأسود    القضاء على إرهابي وتوقيف 21 عنصر دعم خلال أسبوع    ساهمت في تقليل نسب ضياع المياه: تجديد شبكات التوزيع بأحياء مدينة البُرج    مستشفى عنابة: نجاح أول عملية قسطرة لجلطة السكتة الدماغية بالشرق    دفن رفات شهيدين ودعم قطاع الصحة بهياكل: استفادة 166 عائلة في جبال جيجل من الربط بالغاز    وهران..ترحيل 33 عائلة نحو سكنات لائقة    الأسلاك الطبية وشبه الطبية: نقابيون يثمنون المصادقة على القوانين الأساسية    مختصون ينوّهون بالقدرات في مجال إنتاج الأدوية و التوجه للتصدير: الصناعة الصيدلانية تساهم في تنويع الاقتصاد وتعزيز الصادرات    مستبعد لحاقه بموقعة ويمبلي: بن سبعيني ثالث جزائري في نهائي رابطة الأبطال    استذكار المحطات التاريخية التي تعبر عن اللحمة الوطنية    المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة: انطلاق عملية الحجز الإلكتروني للغرف للحجاج    لقاءات بين "ملائكة الأعمال" والطلبة المقاولين في الأفق    أكاديميون ومهنيون يشرحون واقع الصحافة والرقمنة    10 اتفاقيات تعاون بين متعاملين جزائريين وموريتانيين    العدوان الصهيوني على غزة تجاوز كل الحدود ولا يخضع لأي قواعد    شكر الرئيس لموظفي سونالغاز.. تقدير للعمال المثابرين    أولمبيك مرسيليا يبدي اهتمامه بضم عمورة    قمة في تيزي وزو واختبار صعب للرائد بخنشلة    القضاء على إرهابي وتوقيف 21 عنصر دعم للجماعات الإرهابية    استزراع صغار سمك "الدوراد" بسواحل العاصمة    التزام المتعاملين في السياحة بتقديم أسعار ترويجية    قافلة شبانية لزيارة المجاهدين عبر 19 ولاية    العثور على مقبرة جماعية ثالثة بمجمّع "الشفاء" الطبي    أمن عنابة في المؤسسات التربوية    نساء سيرتا يتوشحن "الملايا" و"الحايك"    تراث حي ينتظر الحماية والمشاركة في مسار التنمية    أعربوا عن استعدادهم في إثراء الأنظمة التعويضية للأسلاك الطبية: نقابيون يثمنون مصادقة مجلس الوزراء على مشاريع القوانين الأساسية    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    ليفركوزن يبحث عن بطاقة نهائي البطولة الأوروبية    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    "كود بوس" يحصد السنبلة الذهبية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    جزائري في نهائي دوري الأبطال    ورشة حول الفار في الجزائر    حصيلة إيجابية للمنتخب الوطني في لواندا    شيفرة لغة السجون    الحج دون تصريح.. مرفوض بإطلاق    اجتماع لتقييم مستوى التعاون بين جهازي الجمارك للبلدين    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    مهرجان الجزائر الدولي للموسيقى السنفونية : فنزويلا في أول مشاركة لها والصين ضيف شرف للمرة الثانية    التصفيات الجهوية المؤهلة للمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم : مشاركة قياسية للفرق المسرحية والتكوين رهان محافظة المهرجان    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: تتويج الفيلم القصير "كود بوس" بجائزة "السنبلة الذهبية"    "راهن الشعر الجزائري" : مهرجان شعري وملتقى دراسي بمناسبة عيد الاستقلال    سكيكدة: تنصيب أحمد ميرش مديرا للمسرح الجهوي    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    مطالب ملحّة بترميم القصور والحمّامات والمباني القديمة    صيد يبدع في "طقس هادئ"    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ محمد الصالح الصديق ل" صوت الأحرار" اللغة العربية كانت مكرمة أيام الإستعمار أكثر من اليوم
نشر في صوت الأحرار يوم 18 - 12 - 2015

في زيارة للشيخ العلامة والمجاهد المثقف الموسوعي محمد الصالح الصديق الذي فتح لنا أبواب قلعته الثقافية بالقبة بكل حب وود ولجت "صوت الأحرار" لعوالم ناسك القبة صاحب ال119 كتابا في شتى أنواع المعرفة والفكر والثقافة الجزائرية الأصيلة حيث لمسنا حسن ضيافته وتواضعه رغم علمه الغزير هو المدافع الكبير عن اللغة العربية والهوية الجزائرية.
ماذا بقي في ذاكرتك من لقاؤك برائد الحركة الإصلاحية الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس في حدود سنة 1933؟
أتممت حفظ القرآن الكريم وعمري 9 سنوات ، وشكل الحدث فرحة عارمة في العائلة و كان والدي حينها يغار على أمي ويرفض أن يسمع لها صوتا والغريب أن بعد إكمالي حفظ كتاب الله طلب منها أن تزغرد بقوة فرحا بي وقال لها " زغردي يا فاطمة فقد أتم إبننا حفظ القرآن الكريم " وقد خيرني حينها الوالد رحمه الله الشيخ البشير كمكافأة على نبوغي بين أن يشتري لي سيارة لألعاب بها في فناء المنزل أو الذهاب معه إلى العاصمة في عطلة واخترت الثانية حيث قضينا 3 أيام في العاصمة عند خالي الشهيد الشيخ الطاهر ولدى جولتنا بشوارع العاصمة وبالذات بشارع باب عزون إلتقينا الشيخ عبد الحميد بن باديس وبعد أ، غاص الثلاثة في حوار عميق إنتبه لوجودي الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي سأل : إبن من هذا الطفل ؟ فأجابه خالي الشهيد رحمه الله ، هو إبن الشيخ البشير فتقدم نخوي بخطوات ووضع يده على رأسي وقرا سورة من القرآن هي بعد بسم الله الرحمان الرحيم " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " ، والعجيب أنه بعد أن نزع الإمام بن باديس يده من على رأسي إختفت كل تلك الصور التي ترسخت في ذهني عن العاصمة ولم يبقى سوى صورة الشيخ عبد الحميد بن باديس فيس ذهني.
ماذا بعد عودتك من تونس وإنهائك للدراسة في جامع الزيتونة؟
عدت من تونس سنة 1951، وطلب مني طلبة زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي التدريس بالمعهد فقبلت وإلى جانب التدريس كنت أدير شؤون الإدارية هناك وقضيت فيها سنوات وكنت كل يوم خميس أقدم خطبة أمام أكثر من 400 طالب أتناول فيها مواضيع عديدة تعالج قضايا وطنية منها الحديث عن الإستعمار الفرنسي وسياساته القمعية في الجزائر وعن فضاعة الإستعمار والثورات التي تعاقبت على الجزائر منذ القديم وهو ما أثار إهتمام قادة الثورة ورموزها حيث وصلت أخباري إلى كل من كريم بلقاسم و شريف ذبيح وعمر أوعمران وكانوا في غضونها بصدد التحضير اللوجيستي للثورة وباندلاع الثورة في 1 نوفمبر 1954 إتصلوا بي وأسندوا لي مهمة جمع المال والسلاح ، واشترط كريم بلقاسم أن أبقي على نشاطي كمدرس بالزاوية لذر الرماد في عين الإدارة الفرنسية وحتى لا يفتضح أمري لديها وقضيت في الثورة لمدة 3 أعوام مدرسا وبعد أن إكتشفت فرنسا أمري واطلعت على نشاطاتي أصبحوا يراقبوني ولمرات ثلاث تم توقيفي ومارسوا علي ضغوطا وفي المرة الثالثة عصروني عصرا وطرحوا علي أسئلة وقالوا أنهم يعلمون أنني أعمل في الثورة وهددوني بالقتل و في مرة ظابط فرنسي بعد توقفي وكنت أعتقد أنه ذهب ليحضر مسدسا ليقتلني وبدل ذلك أحضر كتابي " مقاصد القرآن " وقال لي وهو يتصفحه مكفهرا " إن من يكتب مثل هذا الكتاب لا يمكن أن يكون خارج الثورة " وقال لي إنصرف وبصق أكرمكم الله علي وبعدها إتصلت بالمناضل كريم بلقاسم ودبر لي ذهابا نحو فرنسا ، وتبرز عبقرية جبهة التحرير أنهم إختاروا لي عائلة الزوجة فرنسية وتكره الثوار الجزائريين وزوجها قبائلي يدعي علي البسكري يعمل بصورة سرية مع خلايا الثورة بباريس وكانت تعتقد أنني هربت من بطش قادة الثورة حينها وأنني مطارد من الثورة وقد تم إيهامها بذلك بعد أن أطلقت لحيتي وغيرت من ملامحي وبقيت عندهم مدة 19 يوما وبعدها توجهت إلى تونس والتقيت بالمناضل علي محساس وبعد أن تحدثنا قال أنه من الأحسن أن تعين محررا في جريدة " المقاومة " وهي اللسان الرسمي للثورة التحريرية وعملت سويا مع كل من عبد الرحمان شيبان ،عبد الله شريط،لمين بشيشي ،ومحمد الميلي وبعد 9 أشهر وجهت وضمن تعليمات قادة جبهة التحرير الوطني مع كتيبة نحو الصحراء الليبية ولا تبعد كثيرا عن منطقة جانت ونصبت كمرشد سياسي ومكثنا بمنطقة غاط بمنطقة فزان لمدة 5 أشهر وكنت أشحذ همم أعضاء الكتيبة من المجاهدين والمسبلين حيث كنت ألقي محاضرات وبعد إنتهاء مهامها تقرر توزيع أعضاء الكتيبة ومنهم من إستشهدو وعاد من عاد للجزائر أو تونس وعينت مكلفا بالإعلام للثورة بليبيا أين مكثت لمدة 5 سنوات من 1 نوفمبر 1958 إلى غاية الإستقلال وكنت خلالها أساهم بمقالاتي في الصحافة
وبعد الإستقلال أين إشتغلت؟
عملت بعد عودتي للجزائر في وزارة الخارجية والسلك الديبلوماسي لمدة عام لكنني وجدت أن الأمور لم تكن كما توقعت ورأيت أمورا لم أألفها ، فقدمت إستقالتي وقررت الإلتحاق بالتدريس ودرست في ثانويات عبان رمضان وابن خلدون والأخوين حامية ، ولما تم تعيين الشيخ عبد الرحمان شيبان رحمه الله على رأس وزارة الشؤون الدينية والأوقاف رأى أن ينتدبني واسند لي مهمة رئاسة هيئة إحياء التراث العلمي ومهمتنا إحياء تراث الفكر العربي الإسلامي ورموزه فأصدرنا 6 مجلدات عن الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس وخلال المرحلة التي قضيتها في وزارة الشؤون الدينية كنت أقدم دروسا في التلفزيون وبرامج في الإذاعة ضمنها " من حي الثورة " ، " في رحاب الكتاب والسنة " ، الرافضون عبر التاريخ " ، " رجال صدقوا " طيلة 40 سنة كما شاركت منذ إنطلاق إذاعة القرآن الكريم بأكثر من 500 حديث.
وبعد تقاعدك من وزارة الشؤون الدينية؟
في 1997 خرجت من وزارة الشؤون الدينية للتفرغ للكتابة ومكثت في منزلي منذ حينها معتكفا على الكتابة ،واستقبال طلبة ما بعد التدرج والماجستير ، أساعدهم في إتمام رسائلهم بالمراجع والمعلومات ، كما ألتقي رجال الإعلام وأكتب مقدمات لبعض المؤلفين والحمد لله بلغ عدد مؤلفاتي 119 كتابا وكنت أتمنى من الدولة أن تصدر الأعمال كاملة وقد قيض الله وزارة الثقافة فجمعت الأعمال في حلة جيدة وأصدرتها منذ شهرين وجمعت في 52 مجلدا تجمع يبن دفتيها 119 كتابا يشكل عصارة فكري ومساري .
لكن مجموعة أعمالك الكاملة لم نجد لها أثرا في الصالون الدولي للكتاب مؤخرا، لماذا؟
إستغربت وتعجبت ولم أجد جوابا لتغييب مجموعتي من رفوف الصالون الدولي للكتاب خاصة أن الكثير كان ينتظر صدورها وقد تفاجوا وهم يزورون جناح دار هومة التي كلفت بطباعة الأعمال الكاملة بعدم توفرها ، وقد تأثرت كثيرا لذلك لأنني كنت أرى أن المجموعة التي صدرت فقط منذ شهر من صالون الكتاب جندتما ستجد مكانا لها ضمن الصالون ، ولم أستبعد حضورها وعرضها أمام جمهور القراء الجزائريين والعرب والأجانب ، لكنني تفاجأت ويؤسفني أن تضيع مجموعة في هذه الحلة القشيبة وفي مناسبة المعرض الدولي للكتاب بالجزائر وهو من أهم الأحداث الثقافية السنوية في الجزائر وقد تمنيت أن تعرض فيها حتى يطلع عليها الناشرون العرب والأجانب وكانت فرصة للإطلاع وإكتشاف تاريخ الجزائر في كل محطاته الفكرية والنضالية والسياسية والثقافية والدينية وحتى يكتشفوا احتفاء الجزائر بعلمائها لكنن للأسف لم أجد لذلك أثرا ومر صدور مجموعتي ب51 مجلدا مرور الكرام و كأنه لا حدث ، وأعتقد أن سبب ذلك يرجع كون فرنسا ضيف شرف الطبعة من الصالون ، وأشير أنه بعد نشر مقالكم حول تغييب المجموعة تم عرضها في اليومين الأخيرين من الصالون وهما يومي الجمعة والسبت
هل أصبت بالخيبة لما علمت أن مجموعتك الكاملة الصادرة حديثا غائبة عن رفوف جناح هومة بالصالون الدولي للكتاب؟
نعم خاب أملي كثيرا وتأثرت أيما تأثر ، كنت أعتقد لأنه المجموعة التي صدرت قبل شهرين فقط من إنطلاق الصالون من المستحيل أن لا تكون حاضرة خلاله حتى تقدم صورة واضحة وغنية عن الإنتاج الفكري الجزائري المعبق بالروح العربية والإسلامية لكنني تفاجأت أن من حضروا المعرض وبحثوا عنها لم يجدوها في الرفوف وأصدقك القول أنني تأثرت كثيرا وخاب أملي واستغربت لماذا تغييبها عن أهم موعد ثقافي في الجزائر و تتضمن مجموعتي المكونة من 51 مجلد أقسام وهي قسم القرآن الكريم 9 كتب ،قسم السنة النبوية 12 كتاب ، قسم التاريخ كتاب ، قسم الثورة التحريرية 17 كتاب ، قسم الفكر والتراث الإسلامي 23 كتاب ، تاريخ العلماء 11 كتاب ، قسم ما قل ودل 28 جزء ، قسم فيه القصائد والإستراحات والأمثال والحكم والطرافة
هل كان يعلم وزير الثقافة بعدم توفرها في الصالون؟
لا علم له، لأنه يحترمني كثيرا وما وصلني من أصداء أن وزير الثقافة عز الدين ميهوبي قبل أيام قال لصاحب دار هومة وهو المكلف بطباعة المجوعة أنه سيتم تكريمي لكن أرى أن عرض كتبي و الإحتفاء بها بالنسبة لي لا يقوم مقامه شيء آخر
ما هو التكريم الذي حضيت به وبقي راسخا في الذاكرة؟
أشكر كل الذين تولوا تكريمي ، واعتقد أن التكريم هو بمثابة قوة وإكسير لمواصلة الكتابة والإبداع ، والذي يعمل ولا يكرم كمن يرقص بين العميان يجيد الرقص في البداية ثم ينهزم ويخمل ويكسل لأن لا أحد يرى جهده في الرقص ، لقد كرمت أكثر من 30 مرة و الحمد لله من طرف العديد من المؤسسات داخل وخارج الجزائر ولا أستطيع أن أذكرها جميعا وأقول لكل من كرمني الشكر الجزيل وهو منقوش في قلبي ولعل من أبرز التكريمات التي حضيت بها تكريم المجلس الأعلى للغة العربية ،المجلس الإسلامي الأعلى وجمعية مشعل الشهيد ، والبرنوس الذهبي الذي نظمته بلدية سيدي امحمد بمبادرة من رئيسها مختار بوروينة ، كما سعدت كثيرا بالتكريم في المدينة المنورة ومكة المكرمة بعد مداخلتي أمام الطلبة في المعهد خلا أدائي فريضة العمرة وكانت هدية من مسجد عمر إبن الخطاب .
ما هو تقييمك لواقع الفعل الثقافي في الجزائر؟
الجزائر ولودة أنجبت علماء أجلاء ومفكرين في شتى المجالات الفكرية والعلمية و الأدبية ، لكن المؤسف أن المفكر والمثقف الجزائري لم يأخذ حقه ومكانته بعد في الجزائر وعوض أن يكرم وينظر إليه نظرة إجلال وتقدير غير أنه وعكس لاعبي الرياضة والفن الذين يحضون بالتشجيع والتكريم ، لا قيمة له في مجتمعه ، للأسف هنالك فرق كبير شاسع بين ملاكم ولاعب كرة قدم وبين أديب وعالم ، وأرى أنه لن تكون الجزائر في مستواها إلا عندما تمنح لمفكريها ومبدعيها مكانتهم التي يستحقوها لأن إذا لم يشعر المفكر بالإحترام والتقدير لا يستطيع أن يبدع.
ولكن لماذا هذا الوضع والحالة الثقافية المتردية عندنا؟
الصعود الفكري مثل الصعود المادي بحاجة لتعب ومجابهة الصعاب والألم ، فالذي يريد الصعود إلى الجبل ينطلق من البداية ليصل إلى السفح بعد معاناة وعليه مجابهة صعاب الصعود من عرق وتعب ولن يتحقق الصعود إلا بعد مشقة وكذلك الأمر لمن يريد الصعود المعنوي ومن أٍراد أن يصبح عالما ومثقفا لا بد أن يشقى ويتعب ، وكذلك النزول المادي والمعنوي فمن أٍراد أن يصبح كلبا أكرمكم الله تحقق ذلك في لحظة واحدة ، وهؤلاء الذين يعاملون الأدباء والعلماء بهذا المنطق وبهذه المعاملة وجدوا الهبوط أسهل ولذا هبطوا على خلاف الصعود الصعب كما وجدوا أن الشعب مع الرياضة والفن والغناء، حيث يمكن للفرد أن يبقى مسمرا أمام التلفزيون أو الحاسوب لمدة 5 ساعات فيما لا يستطيع أن يبقى 5 ساعات متصفحا كتابا.
هل يعني ذلك ضمور عدم وجود نخبة وإنتلجنسيا في الجزائر؟
لاعلى العكس رغم كل شيء، لدينا نخبة تنتج في مختلف المجالات العلمية والفكرية والأدبية والتقنية حيث أنهم لا يكرمون ولا يشجعون مثل الرياضيين ولا ينظر لجهدهم نظرة إجلال فهم لا يظهرون ويبقون في الظل.
وما تقييمك لواقع وراهن اللغة العربية في الجزائر؟
اللغة العربية خير اللغات على الإطلاق ، المؤسف أنها لم تجد من يقيمها ومن يضعها في مكانها لأنها تبرز من خلال من يتعامل بها ومن يستخدمها لا يقدر ولا يكرم ولا يأبه به ومن أجل ذلك لا تظهر قوة اللغة العربية ولا يقوم لها شأن، هناك كتاب وأدباء لو إعتنت بهم الدولة وشجعت إنتاجهم الفكري لخرجت إلى الوجود أسماء كبيرة لكن ثمة إهمال.
لكن من يتحمل المسؤولية؟
الدولة من فوق هي التي تسير ، وكل تأخر في الجزائر تتحمله الدولة، وإذا أٍرادت أن تغير الأمور لتغيرت في لحظة ومثلا خلال مرحلة الثورة الزراعية التي جاء بها الراحل الهواري بومدين كانت محور كل شيئ وجوهر كل ما نعيشه في الجزائر وكأنها قانون عام في الجزائر ن لكن بعد ذهاب من كان يتبنى أفكارها سقطت لأن العبرة بالرأس المدبر ولو كانت الدولة معتنية ومهتمة بهؤلاء النخب لكان لها أثرها في الواقع ولها قيمة في مجتمعنا.
تغييب اللغة العربية وعدم تدريس التراث العربي الإسلامي في منظومتنا التربوية ساهم بنمو التطرف والغلو في الجزائر؟
ج : أعتقد أن القضية ترجع للدولة تصوروا لو أن الدولة أخذت تعطي قيمة لأهل العلم والثقافة والفكر لأنه حاليا لا يوجد أي قيمة للمفكر والعالم في الجزائر ، وبالمقابل أشير أن العقول الجزائرية في الخارج تنفجر علما وإبداعا واختراعا ومن غادر الجزائر من هؤلاء العباقرة نجح في فرض نفسه في مجال تخصصه ، هناك طاقات هربت من الجزائر وجدت في حضن الآخر التشجيع والتكريم والإحترام فصنعوا وأبدعوا وتفوقوا لكن حين عودتهم للجزائر يفتقدون ذلك المحيط المشجع ويعانون التهميش ويموتون قبل الأوان ، أرى أن أرخص شيئ عندنا هو الوقت رغم أنه ثمين فالغرب بنى حضارته وثقافته باحترام الوقت وأسس للمجد وصنع التاريخ أما نحن في المجتمعات العربية فالوقت لا يساوي شيئا فنقتله في المقاهي والملاهي والشوارع والأٍرصفة المكتظة.
يحيلنا جوابك إلى الحديث عن مالك بن نبي الذي تفطن لذلك في كتبه وقد عانى التهميش ، هل عرفته؟
لقد تعرفت عن مالك بن نبي في ليبيا سنة 1961 حيث كنت مسؤولا بالثورة وحينها كان يريد الزواج بجزائرية من داخل الجزائر وهو كان يقيم بالقاهرة فكان لزاما أن يلتقيا في ليبيا ،فيما مكثت المرأة لدى عائلة ليبية ،وفي يوم دخل علي رجل طويل القامة وألقى السلام فعرفت أنه مالك بن نبي من صورة له سابقة فرحبت به وقال أنه جاء مباشرة إلي لأنه يعرف 3 أشياء فيه فذكرها لي وهو يصافحني مشيرا أنه ليس على وفاق مع قادة الثورة ، وأضاف أنه يريد أن يبقى 17 يوما في ليبيا فرحبت به ، ولمست من خلال كلامه أنه يكره قادة الثورة ، لأن بن نبي كان نرجسيا و يرى نفسه فوق الجميع ونعتهم بأقبح الأوصاف ، وطلب مني السماح له بالحضور إلى المكتب حتى لا يشعر بالغربة و أن يأتي إلى المكتب كل يوم من الساعة الثامنة ونصف صباحا أو التاسعة صباحا إلى غاية التاسعة مساءا طيلة 17 يوما ورحبت به قلت له هذا شرف لي ، وخلال تواجده بالمكتب كنا تبادل أطراف الحديث ونتناقش وكلما جاء الحديث عن قادة الثورة لا يعلق وقد أٍراد المناضل الليبي الهادي المشيرقي كعادته الإحتفاء برموز الثقافة والشخصيات الوطنية العربية لإقامة حفل بالمفكر مالك بن نبي خلال فترة تواجده بليبيا لأنه أراد أن يكرم الجزائر وثورتها وكان من أشد المساندين للثورة الجزائرية والداعمين لها ، وبعد أن وجهت لمالك بن نبي الدعوة وقبلها ، وقعت في حرج لما دعيت أيضا خوفا من أي تصريح لمالك بن نبي ضد قادة الثورة وهو ما كان يستدعي مني كمسؤول ثوري أن أرد عليه ، قلت للمشيرقي أنني قبلت الدعوة لكنني في اليوم الحفل إعتذرت بسبب إلتزامات الثورة وفوضت الأستاذ الطاهر أيت علجت ليذهب مكاني تفاديا لأي نقاش بين جزائريين قد يسيئ للثورة التحريرية وتم الحفل التكريمي في أجواء جيدة وفي اليوم الثاني جاء مالك بن نبي كعادته للمكتب تفحص وجهي وصافحني وقال لي بلؤم " أنت ذئب " بنبرة تشير أنه فهم مقصد غيابي.
ماهي قصة المناضل الليبي الهادي المشيرقي المثيرة وكتابه عن الثورة؟
ألف المناضل الهادي المشيرقي كتابا مهما عن الثورة الجزائرية يتضمن برقيات ورسائل ووثائق مهمة يقع في 600 صفحة وذلك قبل إستقلال الجزائر ، وقد وعده مجموعة من قادة الثورة الكبار أن ينشر كتابه بعد تحقيق الإستقلال الجزائري ومنهم أحمد توفيق المدني والرئيس أحمد بن بلبة لأن الرجل أي الهادي المشيرقي كان مناضلا كبيرا ومساندا ماديا ومعنويا للثورة أسس لجنة مساندة في ليبيا للثورة الجزائرية ، لكن وعودهم لأسف لم تجسد وخاب أمله ونكروا جميله إتجاه الثورة وما قدمه لهم شخصيا من سند ودعم ، وكان حلمه أن لا يموت حتى يطبع كتابه وعان الكثير بسبب النكران ، وفي مرة إتصل بي المشيرقي وقال لي لقد طرحت بعض الجزائريين من حسابي إلا الجزائر فهل تريد أن تساعدني على نشر الكتاب أو أن أطرحك أيضا وتبقى الجزائر وحدها في القلب لأجيبه أن يحضر المخطوط وبقي في الجزائر في فندق السفير شهرا كاملا سنة 2001 ، وقد طلبت من الدكتور أحمد بن نعمان أن يقوم بنشر الكتاب عنده في دار الأمة وبعد طبع الكتاب توجهت والدكتور بن نعمان نحو الفندق و قدمنا نسخة للهادي المشيرقي وبكي من شدة الفرح وفي اليوم التالي قال لي أن صحفيين يريدون إجراء لقاء معه حول الكتاب فقلت له نعم لكن حذرته من التصريح حول ما يحدث في لبيبا أو ضد القذافي فوافقني وخلال الحوار سأله الصحفي هل تعتقد أن الزعيم معمر القذافي سيقبل بدخول كتابك إلا ليبيا فأجابه لقد منع دخول كتاب الأستاذ محمد الصالح الصديق فما بالك بكتابي وقد طلب من الصحفي عدم نشر تصريحه لأنه رأي قاله في دردشة حميمية ليست للنشر ليفاجأ بأن الصحفي نشر مقاله وعنوانه أن القذافي لن يقبل بنشر كتابه في ليبيا وقد أصيب بالخوف من رد فعل حين عودته لبلاده كما زاره يومها السفير الذي أغدق عليه قبل أيام بتكريم في السفارة ويسقط عليه بوابل من الشتائم و السب ، وقدم المناضل الليبي المشيرقي إلى بيتي باكيا وهو رجا بقامته في المكانة والنضال وقمت رفقة الدكتور أحمد بن نعمان بزيارة الصحفي وأقنعناه بعد مشقة ليصدر تكذيبا إنقاذا للرجل الذي خدم الثورة لكن ذلك لم يجد نفعا وتفأجات باتصال من الهادي المشيرقي وهو خبرني أنه وجد وسيلة لتسوية الأمر مع الصحفي واكتشفنا لاحقا أنه قام بدعوته ثم إنهال عليه ضربا بالعصا على رٍأسه حيث تفجر رأسه بالدم وأغمي على الصحفي ، ولما زارني بعد الحادثة في البيت قال لي هل تفسر إقبالي على هذا السلوك فأجبته أنك أردت أن تقيم الحجة وتثبت أنك على حق ويصل الخبر إلى القذافي أنك ضربت الصحفي فقبل رأسي بشدة ، لكن بعد عودته تم تعذيبه في المطار أين مكث من الساعة 3 إلى الثالثة من اليوم الموالي في المطار دون رحمة ولا شفقة رغم كبر سنه حتى أنه تبول في سرواله ، وكانت آخر مرة يزور فيها الجزائر ليتوفى سنة 2007 ، وقد رفض القذافي أن يحقق وصيته بدفنه للجزائر حتى قمت عبر قنوات الاتصال ل بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي إتصل بدوره بالقذافي ليسمح له بالدفن في الجزائر، ويذكر أن الفقيد الهادي المشيرقي كان له الفضل في إطلاق إذاعة الثورية بليبيا التي دشنت في 1 نوفمبر 1958 صوت الجزائر الحرة.
مشاريع سينمائية حول شخصيات منها سانت أوغسطين ، لماذا لم تنجز أفلام عن بن باديس و العربي التبسي و البشير الإبراهيمي وغيرهم لحد الآن؟
كما قلت سابقا اللغة الغربية وتكريم العلماء جمد في الجزائر، كل واحد من هؤلاء العلماء وغريهم من أبناء الجزائر يستحق فليما ، ما أٍراه أن جانب العربية والعلماء والثقافة و الفكر العربي الإسلامي لحد الآن لم يجد هواة له يرعونه يخلصونه من التهميش ،والمؤسف أن اللغة العربية أيام الإستعمار كانت مكرمة وذات هيبة ومحترمة أكثر من اليوم وكان الشخص الذي يتقن العربية ويجيدها لما يخطب في الجمهور الجميع ينصت له وينجذبون في تقدير أما الآن فمن يتحدث بالعربية الفصحى يضحك عليه ويسخر منه وأذكر أنه في سنة 1948 وكنت طالبا كلفني والدي الذي كان مريضا حينها أن أتلو خطبة تأبين أحد أعيان المنطقة وبالفعل قدمت خطبة بالعربية وهناك من بكى ومن تأثر ورغم أن أهل المنطقة لا يجيدون العربية غير أنهم تجاوبا معها لأنها لغة القرآن الكريم وعشت ذات الموقف سنة 1999 حينما دعيت أن أقدم كلمة تأبينية في وفاة المجاهد عمار أٍرزقي إيغيل علي و كان من بين الحضور سعيد سعدي وقدمتها باللغة العربية في البداية إكفهرت الوجوه لكنها ما لبثت أن أضاءت بما منحتهم من راحة روحية وكأنهم يقولون لي أهلا وسهلا ، بعد الإستقلال كان الجزائري يشعر بالفخر والزهو لأنه يتكلم بالعربية وكأن قامته تطول لكن للأسف الآن من يتكلم بالعربية يقزم ويحس بالدونية وهو شيئ مؤلم أنه حتى مسؤولينا يتحدثون بالفرنسية وبزهو، فثمة شعور أن كل ما يأتي من الخارج فهو جيد أما القادم من الجزائر والعمق فكأنه سلبي و لا وزن له وثمة شعور بالنقص وهناك إنبهار بكل ما هو خارجي
ما رأيك في إستحداث هيئة دار الفتوى في الجزائر خاصة في ضل فوضى الفتاوى؟
في الماضي كان لدينا لجنة الفتوى وكان يترأسها المرحوم الشيخ أحمد حماني تصدر فتاوى لكن ثمة تهميش لقدرات الجزائريين ، وطبعا أنا مع إنشاء هيئة دار الفتوى لكن السؤال هل الأسئلة توجه لدار الفتوى فقط ؟ لقد غرز وغرس في أعماق القلوب أن الجزائري ليس في المستوى والذي في المستوى هو ما يأتينا من الخارج ،وغرس في أعماق الشعور أن الجزائري لا قيمة له ثمة إستصغار للعقل والعبقرية الجزائرية في مختلف الميادين حيث أصبحنا نستهلك كل شيء دون أن ننتجه وننبهر بما بأتينا من الخارج.
لماذا ترسخت هذه الفكرة الدونية عن الجزائري ومن يتحمل مسؤوليتها؟
هذه من ترسبات المرحلة الإستعمارية ، وعلى لسان الراحل الشيخ أحمد حماني حكى لي حادثة رواها له أحد الجزائريين الوطنيين ممن فازو بمقعد في البرلمان الفرنسي ، سنة 1958 بعد أن شاهد تقتيل ألاف الجزائريين وتعذيبهم وجه رسالة لديوان الرئيس يطلب فيها مقابلة الجنرال ديغول لأنه كان صديقا له في مرحلة الدراسة وأجاب ديغول على الرسالة وحدد له موعدا في القصر الرئاسي ، وقد أمضى البرلماني الجزائري ليلته في البحث عن الكلمات المنمقة والقوية الحماسية ليوصلها للجنرال ديغول وبعد لقاؤه لاحظ ديغول تصنعه في إختيار الألفاظ ليوصل فكرته وقد إكتشف مدى الجهد الذي بدله صديقه فقال له ديغول تحدث بدون بروتوكولات فنحن أصدقاء فسأله البرلماني الجزائري متى يحل المشكل الجزائري ؟ فأجابه ديغول ثق أن الجزائر عن قريب ستحصل على إستقلالها أضف إلى ذلك أن الجزائر ستأخذ إستقلالها ليس لأنها جديرة بالإستقلال بل لأنها دفعت الثمن غاليا وأشار له ديغول ، هل تعتقل أن فرنسا التي بقيت في الجزائر أكثر من قرن و28 سنة وشيدت كل هذه المنشآت والبنى التحتية ستتخلى عنها وتفر ط فيها بسهولة ؟؟؟؟ فنحن سنخرج بأجسامنا ولكن معنى فرنسا سيبقى راسخا هناك كما ستبقى لغتنا وسيبقى حب الجزائريين لنا وخوفهم منا وهي 3 أمور لا تزول ، والله أستغرب الآن بعد مرور أكثر من 60 سنة على إستقلال الجزائر اللغة الفرنسية أقوى في الجزائر من قوتها خلال الإستعمار الفرنسي وحب الجزائريين لفرنسا يزداد حيث طالما سمت بأذني شباب يردد ليت فرنسا تعود وهذه مصيبة كبيرة لما يفكر الشباب هكذا.
هل أخفق مشروع الدولة الوطنية في الجزائر وبما كنت تحلم وجيلك من الشهداء والمجاهدين لجزائر الإستقلال؟
تعرفت وعشت عن قرب مع كل قادة الثورة باستثناء العربي بن مهيدي و عبان رمضان الذي إلتقيته مرة واحدة فقط ، وشيء مدهش كيف كان ينظر هؤلاء الرجال لمستقبل الجزائر المشرقة في قمة عالية مع الأسف خاب الضن وانحرفت الأمور ، وتحضرني الآن صورة العقيد عميروش الذي بقينا سويا لمدة 4 أشهر الذي كان في مهمة بتونس وكان يهم للعودة للجزائر وجلسنا في أحد المطاعم فنزع ساعة يده وأهداها لي وقال من الآن إبدأ في حساب ما تبقى من ساعات فرنسا الأخيرة بالجزائر فقلت له هل أنت متيقن من خروج فرنسا من الجزائر؟ فأجابني العبرة ليس في خروجها بل في فهم معنى الحرية وهل الشعب الجزائري قادر عليها وأعتقد أن الحرية التي أسيئ فهمها لم يعرف معناها الحقيقي وهو ما يضر أكثر مما ينفع ونحن في الجزائر قد ضرتنا الحرية أكثر مما ضرنا الإستعمار وللأسف لم تكن الحرية بزوال القيود و الإنطلاق في جو من النظافة في معركة البناء والتشييد بل في أن يفعل كل واحد ما يحلو له في فوضى وعدم إنضباط بالقيم وقد فهمنا في الجزائر الحرية بصورة خاطئة لذلك كانت أمورنا كلها خاطئة.
ما هو تقييمك لمستوى المدرسة الجزائرية؟
المدرسة الجزائرية أصبحت تعمل ليس لتخريج الكفاءات وتثمينها بل لتعلم كيف يؤكل الخبز وليس لصناعته وفرق كبير في مدرسة تقوم بتعليم الطلبة كيف يؤكل الخبز و أخرى كيف يصنع الخبز و وتوغلت فكرة الإستهلاك ولم يعد الجزائري يفكر سوى في كيف يشترى كل شيء ولا يفكر في كيفية صناعته نحن متخلفين كثيرا عن الركب ، لأنه لو كرمت الطاقات وتشجعت من طرف الدولة لكان غدنا أحسن من أمسنا لكن للأسف البناة في وطننا لا يقدرون ولا ينظر إليهم.
إبتعدت عن السياسة و تلوثها، لماذا؟
خلقت من أجل العلم والقلم وليس لمهنة أخرى كما أنني إخترت أن أبقى نظيفا نزيها من شوائب السياسة ، وقد عرضت علي وزارة الشؤون الدنين خلال عهدة الرئيس الشاذلي بن جديد لكنني رفضت كما دعيت لتولي منصب رئيس للمجلس الإسلامي الأعلى ورفضت لأنه لو قبلت بالمناصب لما كتبت هذه الكتب.
من أغرب المواقف التي عشتها خلال الثورة؟
حينما كنت مسؤولا في الثورة بمنطقة القبائل ألفت كتابا يتضمن بطولات أبناء المنطقة من الثوار و قد حملت معي المخطوط خلال رحلتي وتنقلاتي بين فرنسا ، تونس ، الصحراء الليبية ولما وصت إلى ليبيا تنفست الصعداء لأنني وجدت الجو كلائم لطباعته فطبعته وكان حينها يرحب بقوة بالكتب التي تتناول الثورة وصادف إنعقاد مجلس الثورة بطرابلس الليبية حيث إقتني معظم القادة نسخة من الكتاب وهنئوني بقوة عن جهدي لكنني تفاجأت في اليوم التالي تحاشي القادة الحديث معي ويمرون على مكتبي دون أن يلقوا علي السلام والتحية واستغربت الأمر ولم أعرف سر هذا النفور مني لكنني تفاجأت في اليوم الثالث بحضور محمدي السعيد رفقة البطل إيعزورن محمد وقبل إنطلاق جلسة اللقاء حيث أغلقا الباب وقال لي محمدي السعيد أن القادة غاضبون مني لأنهم تفاجأو أنك تتحدث فقط عن بطولات منطقة القبائل ولم يجدوا بطولات من الصحراء أو الشاوية والجنوب وغيرها من مناطق الوطن وحتى لتلك اللحظة بقيت ساكنا وقال أن القادة غاضبون ومتأثرين وتساءلت كيف الخروج من هذه المعضلة فقلت له أنني لا أخاف سوى الله وأشرت أنني لما كتبت عن هذه البطولات كنت مسؤولا بمنطقة القبائل فقط كتبت عن بطولات أبناء المنطقة لأنني أعرفهم والآن في لبيبا أكتب ما أٍراه فقال لي الحق معك لتعود الأمور إلى مجاريها بعد أن فهموا أنني لم أقصد ذلك ولست جهويا بل أكفر بالجهوية وممن غضب كثيرا مني الحاج لخضر وعبد الحفيظ بوالصوف ولخضر بن طوبال ، لكنهم تفهموا بعد توضيحي الأمر ذلك وقال لي الحاج لخضر الذي كان يقدرني ويحبني كثيرا كان عليك أن توضح ذلك في مقدمة لكتاب تفاديا للمشاكل والقراءات السطحية وكان ذلك سنة 1961.
كيف كنتم تتلقون محنة الإغتيالات خلال الثورة؟
كنا نراها طبيعية لأن هؤلاء القادة بشرا وليسوا ملائكة لا يخطأون ومن المستحيل أن تكون ثورة بحجم ثورة الجزائر وأعداد المنخرطين الكبيرة فيها بدون أخطاء ، فثمة غيرة وتنافس وطموح بني القادة ولا أستطيع أن أتصور ثورة ولو دامت يومين بدون أخطاء.
إتهم العقيد عميروش بتجاوزات خلال الثورة فهل كان مذنبا؟
لقد بقيت مع العقيد عميروش ولم أفارقه لمدة 4 أشهر وعرفت فيه الرجل الوفي للثورة المخلص والذي يتصدى لكل من يريد أن يعرقل مسارها ، وحتى أوضح الأمر أشير أن هناك فتاة جزائرية تقطن ببلكور تجيد اللغة الفرنسية وذكية تعمل لصالح الثورة لكن في الظاهر لها إتصالات مع الجيش الفرنسي وكان العقيد عميروش على علم بها بعد تجنيدها حيث في يوما ما كان لها موعد مع ظابط فرنسي في منطقة برج منايل وكان ماكرا حيث بعد نهاية اللقاء تعمد أن يوقع ورقة بقائمة تحمل أسماء ضباط ومجندين يعملون مع العقيد عميروش ليبث الشك بين صفوف جيش التحرير الوطني وقد حملتها الفتاة من الأرض وأعطتها للعقيد عميروش ورغم أنها مكيدة غير أن عميروش وقع في الخطأ لأنه ثمة مؤامرة فرنسية وحرب نفسية ضد الثورة ولم يمتلك الوقت الكافي ليتحقق من المعلومات حينها ، وفرح الضابط الفرنسي بالنتيجة لأنه حقق غرضه بمكر دون أي تدخل للجيش بل ببث الشك وأقول أن تصرف عميروش نابع من الوطنية وحب الثورة لأنه كان ضد أي عائق لتحقيق أهداف الثورة والأكيد أن العقيد عميروش قمة في الوطنية والإخلاص والولاء للثورة ولا أحد يشك في نواياه لخدمة الثورة.
ماهي تفاصيل قصتك مع بورقيبة وقراره بسجنك؟
الحقيقة أنه رجل متمرس سياسيا ونابغة يشهد له بالحنكة السياسية وخدم وطنه تونس وهو من العناوين البارزة التي تشرف المغرب العربي لكن هناك أمور سلبية في الرجل حي كان ينظر لقادة الثورة نظرة إستعلائية وفوقية ويريد أن يفرض رأيه و يتخذ قرارات فجائية سلبية منها قرار عدم السماح بدخول السلاح عبر تونس إلى الجزائر وكان على القادة أن يتوددوا إليه ويشعروه بأهمية المجاهد الأكبر كما كان يحلوا أن ينادى به وكان يمتز بالنرجسية وكان يريد أن يشعر أن القادة بحاجة لخدماته وأن يكونوا تحت سيطرته وقد كتب مقالا في المجاهد حينها عن بورقيبة بعنوان " الخبز المسموم " ،وقد أمر بورقيبة بإدخالي السجن ، حيث بعد أن تم دعوتي لتناول العشاء إلقتيت بعض الصحفيين التونسيين وسألني أحدهم عن قضية مشروع فرنسي بمد الأنابيب البترولية من التراب الجزائري عبر تونس و موقف بورقيبة ؟ فأجبت بكل عفوية مستحيل أن يقبل الزعيم بورقيبة لأنه دعم لبقاء فرنسا في الجزائر وتعطيل الحصول على الحرية للجزائريين وقلت بورقيبة رجل عظيم لكنه لو قبل بالمشروع الفرنسي لمد الأنابيب فهو خبيث لأتفاجأ أن الصحفي كتب بالبنط العريض ما قلته بالجريدة في اليوم التالي وكنت أتحسس أن يتم معاقبتي على ما قلت لكن تجسد بعد 6 أشهرحيث وبعد أن نسيت الحادثة أفاجأ بضابط تونسي يوجهني وكنت رفقة زوجتي وأحد الجزائريين المقيمين بتونس أراد أن يوصلني إلى ليبيا بسيارته الجديدة الأوبل نحو أحد المستودعات ثم نقلنا إلى أحد السجون ومكثت في السجن لمدة 19 يوما ليفرج عني و قد إعتذر لي وزير الداخلية التونسي حينها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.