فرنسا تبدع في قوانينها العنصرية المفصلة على المقاس، وما يسعى إليه اليمين من إسقاط للحقوق السياسية لمزدوجي الجنسية هو تكيف مع الواقع الجديد في المجتمع الفرنسي، فالمطلوب الآن هو منع أبناء المهاجرين من التأثير في الحياة السياسية في فرنسا. الأمر لا يتعلق بمزايدات انتخابية كما يعتقد كثير منا، بل هو خطة لتحييد الملايين من الفرنسيين من أصول مهاجرة، بشكل تدريجي ومدروس، والخطة لا تقع في فخ الاستعجال لأن الهدف يجب بلوغه على المدى المتوسط، وما يبدو اليوم مجرد نقاش سياسي لن يلبث أن يتحول إلى قوانين، ومع مرور الوقت ستمتلك فئة من الفرنسيين الأدوات القانونية التي ستسمح لها بإقصاء مواطنين فرنسيين من الحياة السياسية دون أن يستطيع أحد أن يعترض على ذلك. ما يزعج فرنسا حقا هو أن الأجيال الجديدة من المهاجرين أصبحت تتجه إلى الانخراط في الحياة الاجتماعية والسياسية، فقد ولى عهد الغيتوهات، وزالت تلك الصورة النمطية عن المهاجر الأمي الذي يقضي حياته في المصانع وفي مواقع البناء ليعود منهكا إلى الضاحية المعزولة التي يقطنها رفقة أبناء بلده وجيرانه القادمين من البلدان المغاربية، مع مرور السنوات بدأ أبناء المهاجرين يتجهون إلى التعلم، ورغم أن نسبة حملة الشهادات العليا بينهم لا تزال ضعيفة فإنها في ارتفاع مستمر، وأكثر من هذا بدأ المتعلمون منهم يتجهون إلى الانخراط في الحياة العامة وأصبحت السياسة تستهويهم، وهم في أغلب الأحوال يهتمون كثيرا لما يجري في بلدهم الأصلي ويريدون تقديم المساعدة. اليوم تؤكد فرنسا أنها مستعدة لتغيير كل قوانينها والتخلي عن كل مبادئ ثورتها من أجل منع تغير الواقع القائم منذ سنوات بعيدة، فالمهاجرون وأبناؤهم وأحفادهم سيبقون رغم كل شيء غرباء في نظر النخب الفرنسية، وسيكون وضع العقبات في وجه اندماجهم في المجتمع الفرنسي، ومشاركتهم في تقرير مستقبل البلد، هدفا أساسيا لهذه النخب، فالمواطنة التي كانت مفخرة الدول الديمقراطية أصبحت اليوم دون الجنسية التي ستكون الورقة الرابحة لقطاع الطرق من قادة اليمين المهووس بالنقاء العرقي والهيمنة الثقافية الغربية اليهودية المسيحية.