قالت إن القرار اتخذ بالإجماع على مستوى حزب العمال: لويزة حنون تعلن الترشح للانتخابات الرئاسية    الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الإشتراكية من تيزي وزو: يجب الوقوف ضد كل من يريد ضرب استقرار الوطن    ينطلق اليوم تحت شعار ''معلومة دقيقة.. تنمية مستدامة'': الإحصاء العام للفلاحة أساس رسم السياسة القطاعية    سيساهم في تنويع مصادر تمويل السكن والبناء: البنك الوطني للإسكان يدخل حيز الخدمة    إضافة إلى فضاء لموزعات النقود: 9 عمليات لإنجاز وتأهيل مراكز بريدية بتبسة    بتاريخ 26 و27 مايو: الجزائر تحتضن أشغال المؤتمر 36 للاتحاد البرلماني العربي    وزير الشؤون الدينية من بومرداس: المساجد والمدارس القرآنية خزان روحي لنبذ التطرف    أستاذ التاريخ الدكتور هزرشي بن جلول للنصر: التحاق الطلبة بالثورة التحريرية شكل نقطة تحول فارقة    رئيس الجمهورية يهنّئ فريق مولودية الجزائر    بمشاركة مستشفى قسنطينة: إطلاق أكبر قافلة طبية لفائدة مرضى بين الويدان بسكيكدة    تزامنا وبداية ارتفاع درجات الحرارة بالوادي: التأكيد على التخلص من النفايات للوقاية من التسمم العقربي    ميلة: استلام 5 مشاريع لمكافحة حرائق الغابات قريبا    تم إطلاقه تحت تسمية "فينيكس بيوتك": مشروع لصناعة المواد الأولية للأدوية من التمر    المولودية تُتوّج.. وصراع البقاء يتواصل    ميدالية ذهبية للجزائرية نسيمة صايفي    الجزائر تضيّع القميص الأصفر    الاتحاد الإفريقي يتبنى مقترحات الجزائر    إصدار طابعين عن إحصاء الفلاحة    جباليا في مواجهة الصّهاينة    رمز الأناقة والهوية ونضال المرأة الجزائرية    تسليم شهادات تكوين وتأهيل وتكريم باحثين    رتب جديدة في قطاع الشؤون الدينية    شنقريحة يشرف على تمرين بالذّخيرة الحية    اتفاقية شراكة بين الجزائر وبلجيكا    بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الهمم: ذهبيتان وفضية للجزائر في اليوم الثاني    تعبد تزكيتها من قبل أعضاء اللجنة المركزية..لويزة حنون تترشح لرئاسيات 7 سبتمبر المقبل    ورشات حول مساهمة الجامعة في النشاط الاقتصادي    تأمين خاص يغطي مخاطر الكوارث الفلاحية قريبا    مراتب جديدة للأئمة أصحاب الشهادات العليا    برج بوعريريج.. ألواح شمسية لتنويع النسيج الغابي    ممثل البوليزاريو يفضح الأساليب الملتوية لمندوب المخزن    مرافعات لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في الاستقلال    الجزائر تتمسّك بإصلاح جامعة الدول العربية    الجزائر عازمة على أن تصبح مموّنا رئيسيا للهيدروجين    هذا موعد أول رحلة للبقاع المقدسة    صادي و"الفاف" يهنّئان المولودية بعد التتويج    ليلة بيضاء في العاصمة وزملاء بلايلي يحتفلون مع الأنصار    جلسة عمل ببراغا بين الوفد البرلماني الجزائري ورئيسة الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    استعراض العلاقات التاريخية بين الجزائر وصربيا    "بريد الجزائر" يعلن عن مدة حفظ بريد الزبائن    نستحق التتويج بالبطولة وأعد الأنصار ب"الدوبلي"    "رباعي" ألمانيا و"سوتشو" الصين يوقعان السهرة الثانية    إعادة افتتاح قاعة ما قبل التاريخ بعد التهيئة    سنوسي يقطف الجائزة الأولى بتلمسان    تراث وإبداع.. سفر في رحاب الكلمة الشاعرة..    الدرك يطيح ببارون مهلوسات    النيران تلتهم مسكنا بتمالوس    610 تعدٍّ على شبكات الكهرباء والغاز    أوتشا يعلن عن نفاد جميع مخزوناته الإغاثية في قطاع غزة    أوبرا الجزائر: افتتاح الطبعة ال13 للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاجس الأنسنة الدائم من منظور إسلامي
البروفيسور الراحل محمد أركون:
نشر في الفجر يوم 15 - 09 - 2010

يمثل البروفيسور الكبير الراحل محمد أركون (1928-2010) أحد أبرز المفكرين الذين تنطحوا لمساءلة الموروث الإسلامي والوضع الإسلامي من زاوية نقدية مفتوحة، وحاولوا - انطلاقا من ذلك - اجتراح آفاق الممكنات التي يتيحها النقد الطليعي من أجل الخروج النهائي من ثقافة التنابذ والتمركز بين الشرق والغرب
يقترح البروفيسور محمد أركون في دراساته للفكر العربي-الإسلامي والظاهرة الإسلامية، برنامجا ضخما محاولا اجتراح آفاق النقد المحرر من أسر الكليشيهات والمسبقات التي أبقت الإسلام التاريخي الموروث من جهة، والفكر الغربي الحداثي الكلاسيكي من جهة أخرى، أسيرين للنظرة الجوهرانية غير التاريخية للأشياء، وأسيرين للصدامات الأكثر عنفا. إنه يقترح المساءلات الأكثر جذرية من أجل خلخلة أنظمة التصور العتيقة التي خلفت لنا أنظمة لاهوتية وفكرية للاستبعاد المتبادل. من هنا، ينفتح الفكر الأركوني على أكثر منجزات الفكر المعاصر طليعية في مجالات القراءة والحفر الذي لا يتوانى في الذهاب بعيدا في كشف النقاب عن الأنظمة المعرفية المختلفة، مضيئا أبعادها التاريخية ومشروطياتها الإبستيمية وتجذرها في المحددات الأنثروبولوجية للوجود البشري بعامة. إنه منقب عن المعنى، يهجم على ما تكرس وساد ثقافيا بعدة التفكيك بغية إماطة اللثام عن عمليات التمويه والأسطرة التي تطال - ضرورة - كل الأنظمة الثقافية المرتبطة بعصر تدشيني أول، نظير الظاهرة التاريخية الإسلامية.
هذا فكر متعدد المداخل، ولكننا نستطيع أن نحدد طموحه العلمي والإبستيمولوجي في محاولة توسل السبل إلى تدشين نزعة إنسانية كونية، تدمج المثال الإسلامي ضمن سياق مساءلاتها للوضع الإنساني من أجل تجاوز الانغلاق الذي ميز كل أنظمة الفكر في التاريخ. هذا ما يجعل البروفيسور أركون يبدأ - بوصفه مؤرخا للفكر الإسلامي - بنقد ”العقل الإسلامي” بما هو جملة من الآليات المعرفية التي ترسخت وأصبحت سمة على المواقف المبدئية للرؤية الإسلامية، محاولا رسم حدوده العامة، الإبستيمية والتاريخية، في مقارنة بينه وبين العقل الحديث الذي تخلص - شيئا فشيئا - من مرجعية المتعالي والميتافيزيقا الجوهرانية لينفتح على النسبي والتاريخي. لقد أراد أركون أن يتنطح لمسألية المعنى من هذه الزاوية، أي زاوية التاريخية التي رأى فيها الغائب الأكبر في الوعي الإسلامي قديما وحديثا. إن بعد التاريخية، أي تاريخية الأفكار والأشياء والمعاني، هو المدخل الرئيس لفهم فكر أركون، وهو يمارس عملية النقد لكل فكر يستبعد أو يحذف مشروطياته المادية والرمزية ليخلع عليها بردة التقديس والتعالي الأنتولوجي. إن ضمور الوعي بتاريخية الأشياء، بالتالي، يشكل عائقا أمام تحرير النظر إلى العالم في صيرورته، ويشكل عنفا رمزيا يتخذ صفة المضمرات والمسبقات التي تأسر دائرة الثقافة في وهم الاعتقاد بالخصوصية اللاتاريخية، وفي وهم الهويات المتعالية التي تنشط في أزمنة التغيرات الكبرى بوصفها ملاذا في عالم غير آمن. هذا ما يلاحظه البروفيسور أركون بالنسبة للواقع العربي - الإسلامي اليوم. إن الفهم الجيد للأمور، بالتالي، يتطلب الخروج الكلي من المسبقات جميعها، لاهوتية كانت أم إيديولوجية، ويتطلب أيضا عدم الركون إلى مسلمات الوعي الأسطوري غير التاريخي في مسائل النظر إلى الظاهرة الدينية في تعقيدها؛ كما يتطلب تفكيكا منتظما لأنظمة التصور وأطر الإدراك التي يهيمن عليها المتخيل الاجتماعي والحقائق السوسيولوجية الشغالة نظير ما نجد اليوم عبر كل أرجاء العالم الذي تغطيه، قليلا أو كثيرا، الظاهرة الإسلامية.
هذا في الجهة الإسلامية، أما في الجهة الغربية فيلاحظ أركون دوام سيادة المسبقات الاستعلائية في النظر إلى الآخر - ومنه العالم الإسلامي - نظرة كرستها الحداثة الغربية تحديدا منذ أفصحت عن وجهها من خلال الاستعمار وإرادة الهيمنة على العالم القديم. لقد رسخت الحداثة الظافرة، منذ القرن الثامن عشر، رؤية تقدمية للتاريخ وجعلت من أوروبا مركز العالم المجسد لمسار التاريخ الحتمي نحو الانعتاق الشامل للإنسان. لقد ظل من الصعب، بالتالي، على الوعي الغربي في عمومه أن يتجاوز مركزيته إلى وعي جديد يحترم فيه كل الثقافات بمعزل عن مسبقاته اللاهوتية والثقافية والحضارية، وينفتح فيه على النسبية بمفاهيمها الشاملة، الثقافية والفلسفية. لم يحدث هذا إلا في مرحلة متأخرة نسبيا، وفي ظل مراحل تاريخية خلخلت المركز الغربي بانتفاضة الهوامش، ما دعا العقل الغربي إلى إحداث مراجعاته الشاملة لأسس حضارته ولبنية وعيه العام الذي ساد تاريخيا وكرس النرجسية المتعالية للذات الأوروبية المزهوة بكونها مركز العالم.
يستثمر البروفيسور أركون هذا المنجز النقدي المعاصر من أجل تحرير النظر إلى التراث الإسلامي، لا من النظرة الإسلامية التقليدية فحسب، وإنما أيضا من المنظور الاستشراقي الكلاسيكي الذي ظل خاضعا، قليلا أو كثيرا، لمسبقات المركزية الغربية في النظر إلى الآخر نظرة دونية غير موضوعية.
يندرج هذا الأمر طبعا ضمن خط الهاجس الذي سيطر على تفكير أركون منذ بدايات نشاطه الفكري ومثل خط نضاله الدائم: نقصد السعي إلى تدشين شروط نزعة إنسانية كونية جديدة تستثمر فتوحات العقل النقدي المعاصر، متجاوزة الانغلاق العرقي المركزي للإسلام والغرب معا، في الأشكال الحضارية التي تلبساها، ومنفتحة على الاحتجاجات الأكثر طليعية للحداثة الفكرية في مجالات نقد التمركز وخلخلة أنظمة الفكر التي ظلت قلاعا منيعة لا تخترق. من هنا، يعتقد أركون أن كونية النزعة الإنسانية الجديدة لا يمكن أن تنبثق - بوصفها وعيا وممارسة - إلا من خلال العمل الشاق والصعب للفكر المعاصر الذي يبدو أنه مازال يسير في أرض ملغمة تنذر بالانفجارات. هناك شروط عديدة، ثقافية وسوسيو-اقتصادية وسياسية ما زالت تحول دون انبثاق وضع جديد يتمتع فيه الإنسان بكل حقوقه الكونية بوصفه إنسانا، خارج التقاليد التي مازالت تمثلها أنظمة ثقافية وإيديولوجية عتيقة مازالت توفر - بوصفها هويات - ملاذا آمنا للملايين من البشر في مرحلة تاريخية تشهد تغيرات سريعة، ولم تحقق نهاية سعيدة للتاريخ كما اعتقد أنبياء العولمة في صيغتها الليبرالية الحالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.