يمكن تصنيف الكتّاب "الكبار" في الجزائر إلى صنفين، صنف "بوجدريّ الروح"، منغلق على ذاته، متشنّج ومحتبس حواريا، أن تقرأ له خير من أن تعرفه.. وصنف "أزراجيّ الروح" منفتح على كلّ من يبتسم في وجهه، شابٌ وإن جاوز الستّين من العمر.. أمّا الصنف الأول، فلا يحتاج إلى استحضار ولا إلى استرسال، لأنّ مجرّد الحديث عنه خارج السياق الأدبي، حديث قد يصيب المقال بروماتزم في مفاصل الكلمات. أمّا الصنف "الأزراجي" - وفي رواية أخرى "الواسينيّ" - فهو صنف يُجبرك على احترامه، ويُرغمك على رفع القبّعة له، عن طيب خاطر.. ولعلّ أبرز المنتسبين إلى هذا الصنف، الشاعر والمفكّر عمر أزراج، والروائي الكبير واسيني الأعرج، اللذان أثبتا لجيل المبدعين الشباب، أنّ الانفتاح على الآخر والتواصل مع كلّ المُصافحين، هو رأس مال الكاتب الكبير فعلا وكتابة.. عندما تلتقي بالدا عمر، في أحد مقاهي العاصمة - وهو الذي قضى ربع قرن في أوروبا - يكفي أن تمنحه تحيّة الاحترام، وبعضا من الصمت، لكي يمنحك هديّة المُجالسة وكثيرا من الفكر والمحبّة وخلاصة أكثر من أربعين سنة من البحث الأدبي والفلسفي، وأكثر من عقدين من التنقيب في مكتبات أكبر جامعات لندن.. أزراج قلم يمشي منذ أكثر من أربعة عقود ولم يتعب، وفي خضم لهفة الكتابة التي لا تفارقه، قد يمنحك الوقت كلّه بلا مضض. مثله مثل جنتلمان الرواية الجزائرية، واسيني الأعرج، الذي يوزّع ابتساماته على الجميع مثلما يوزّع المتعة في أدبه.. رجل قد ينحني - بقامته الفارهة - لكي يقرأ ما خطّه شاب أتاه على خجل، فيعطيه نفس الاهتمام الذي يعطيه لطلبته في مدرّجات السوربون.. كلما التقيته على هامش جلسة أدبية أو ملتقى فكري أو مهرجان مسرحي (مع العلم أن واسيني من المثقّفين الجزائريين النادرين الذين يحضرون عروضا مسرحية محليّة) كلما التقيته، وجدته محاطا بمثقفين وصحافيين وفنانين وبسطاء من الشباب، يوزّع عليهم الانتباه، فيكاد أحدهم يشعر أنه يخاطبه وحده.. واسيني، مثال المثقّف المنفتح، المتواصل، لم تمنعه سيرته الأدبية التي لا تنضب، ووقته الشحيح، من الابتسام.. رجل يتقاسم السنبلة الملأى مع عمر أرزاج، كما يتقاسم معه "لوك" القبّعة.. لذلك؛ ننصح الكتّاب الكبار "المجودرين"، بأن يضعوا القبّعة على رؤوسهم، فربما تمنح لعضلات وجههم قدرة الابتسام، في وجه الأجيال القادمة..