تبدأ أعشاش طائر اللقلق الجميل في الظهور إلى أعين المسافرين من العاصمة إلى الشرق الجزائري ابتداء من مدينتي سطيف وبرج بوعريريج، على المنارات والعمارات وكل ما شهق من البنيان، ويزداد عددها تدريجيا كلما تواصلت الرحلة إلى مدن الشرق، ليصير المشهد طاغيا على النظر، منافسا تعداد الوجود البشري نفسه داخل النسيج العمراني في كل بلدة.. يندر أن يخلو أي مكان مرتفع في أي مدينة من مدن أقصى الشرق الجزائري، سواء في أم الطبول، القالة، بلدية بحيرة الطيور، وادي الحوت.. وغيرها من البلدات الأخرى، من أعشاش هذا الطائر الذي تنسج حوله حكايات وأساطير، وترتبط به قناعات دينية تقديسية جعلته يحتل مكانة جليلة في اللاوعي الجماعي، في القالة خصوصا. من هذه الحكايات الأقرب إلى الأساطير منها إلى المنطق، أن الأقدمين كانوا يسمونه ”الحاج” اعتقادا منهم أنه يقوم كل عام بالحج إلى بيت الله الحرام، ثم يعود إلى الجزائر بعد انتهاء المناسك، لذلك فإن عودة اللقالق إلى أعشاشها كل موسم كانت تنتظر بفارغ الصبر، وتعتبر نوعا من البركة على البلدة وشرفا لأي شخص بنى احد هذه الطيور عشا على سطح داره، أوقريبا منه، ويزداد الأمر شرفا إذا نزل هذا الطائر إلى باحة بيت ما والتقط شيئا منه. وطالما اعتقدوا أيضا أن الأصوات الهمهمية التي تصدر من اللقلق، وهو جالس في عشه شبه نائم، ما هي إلا استغفارات، ولأجل ذلك كان صيد القلق أقبح ما يمكن أن يحدث في هذه القرية أو تلك، ناهيك عن إزعاجه بأي شكل من الأشكال، وهي المشكلة التي صار يواجهها الآباء تجاه الأبناء الذين يحاولون الخروج عن مثل هذه المعتقدات. وفي هذا الصدد، فإن حادثة مشهورة قديمة حدثت منذ عقود مازالت الألسن تتناقلها كثيرا في القالة وضواحيها، إذ أثارت يومها ضجة كبيرة كادت تتحول إلى أزمة سياسية بين المجلس البلدي والسكان، ومفادها أن عمال البلدية حاولوا إزالة عمود قديم كان طائر لقلق قد بنى عشه عليه من أجل تشييد مقر مؤسسة، ما دفع الطائر إلى التحليق بعصبية عاليا حول مكان وكره ثم النزول في حركات آلية متتالية، كاحتجاج على انتهاك حرمة مأواه، وهو ما اعتبره السكان الذين كانوا يرقبون المشهد نذير شؤم وغضب قريب قد يحل بهم. وبعيدا عن التهويل التأويلي للحادثة، فإن السكان لم يقتنعوا بأي من الحجج التي ساقتها البلدية وكادت تحدث مواجهات بين الطرفين، لولا عدول البلدية في النهاية عن مسعاها، وإعادة العمال بناء العش كما كان.. مع الذكر أن الطائر الغاضب أعاد هدم العش من جديد ثم أعاد بناءه على طريقته المتميزة ومزاجه الخاص. وطالما اعتقدت الجدات والأمهات في القالة إبان الأزمان الغابرة أن اللقلق يختار ما كان لونه أبيض من الألبسة المنشورة على سطوح المنازل، لذلك فإن إزارا ما، تتفنن الواحدة منهن في تبييضه وتنصيعه، سيظل على حبل الغسيل على مدار الأيام، غير مثبت جيدا بمساسيك الغسيل، عله يكون من نصيب أحدهم، فتكون بركة الطائر الذي يحج كل سنة إلى بيت الله الحرام قد حلت - أو كادت - بهذا البيت السعيد الحظ.