يُعتبر صالح المقبض من الخطاطين الجزائريين المهمين في مدونة الخط الجزائرية، وهذا بالنظر إلى أسلوبه ومواكبته لتطورات هذا الفن العربي الأصيل، وربما يعود ذلك إلى انحداره من إحدى ولايات الجنوب الجزائري الكبير الذي يُعرف عنه الولع بكل ما هو جميل وأصيل، فهو من مواليد سنة 1972 بولاية الأغواط التي تلقى فيها أولى مبادئ الخط، وتشرب بين حاراتها وأزقتها حب اللُّغة العربية وكل ما يمتُّ إليها بصلة. في كثير من أعمال صالح المقبض التي أنتجها في الآونة الأخيرة، نظرةٌ جديدة للخط في تفاعله مع الهم العربي الذي صار يُغطي مساحة الأمل، ويُحولها إلى فضاءات داكنة بحجم الجراح الدامية في أكثر من قطر عربي. خلال عامي 2016 و2017 أنجز المقبض عددا من اللوحات الرائعة المعبرة عن الوجع العربي، وأطلق عليها عناوين مثل ”اليمن”، ”عراقنا”، ”حلب”، وغيرها من العناوين. ولا شك أن صالح المقبض يتألم كغيره من كثير من العرب والمسلمين، لما يحدث في هذه الحواضر العربية، لكن روح الفنان لديه لم تستطع أن تشاهد ما يحدث، دون أن تتفاعل مع روائح البارود المنبعثة منها، أو صور الأشلاء التي تُطالعنا بها الفضائيات العربية والدولية صباح مساء، فراح يرسم تلك المشاهد تعبيرا منه عن نوع من التضامن الذي تفرضه أواصر الدم والوطن. ومن ميزات أعمال ابن مدينة الأغواط أنها تتشكل من مزيج من الألوان والخطوط والحروف، فهي لوحات حروفية، زاهية بكل أدواتها التعبيرية. ولعل المتابع لمسيرة المقبض الفنية يُلاحظ، من دون شك، التطور الذي حققه عبر سنوات من التجريب والاحتكاك بكبار الفنانين والخطاطين داخل الجزائر وخارجها، فهو من المشاركين الدائمين في فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي، وكذا المهرجان الثقافي الدولي لفن المنمنمات اللذين دأبت الجزائر على احتضانهما مرة كل عام، قبل أن يتم دمجهما تحت طائلة التقشف، ليُصبحا مهرجانا واحدا يحمل مسمى المهرجان الثقافي الدولي للخط والمنمنمات. وبالنظر لتميُّز أعماله وقيمتها الفنية العالية، قامت بعض الهيئات الوطنية والدولية باقتناء أعماله، حيث يوجد عددٌ منها في الجزائر، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدةالأمريكية، وبريطانيا. ويعتمد المقبض على استغلال كل ما تُتيحه له العملية الإبداعية من لون وحرف، وحتى الإطار الذي يستخدمه في لوحاته، من أجل التعبير عن مكنوناته، وهذا ما يجعل المُشاهد لأعمال هذا الخطاط الحروفي مرغما على الوقوف عند كل تفاصيل إبداعاته ليكتشف الهدف المراد تبليغه من لوحاته. ومن الأمور المهمة الأخرى التي يُراهن عليها صالح المقبض إصراره الدائم على ابتكار أدوات الرسم والخط التي يستخدمها، فهو عادة ما يتجاوز الأدوات المعروفة، كالقماش والألوان المائية والزيتية، إلى الأحبار المصنوعة بطرق تقليدية لتشكيل لوحاته وإنجازها، وهذا ما يفتح لأعماله أبوابا واسعة من الابتكار والإبداع خارج أطر المألوف والمتعارف عليه.