فقدت الساحة الثقافية الجزائرية، برحيل الصحافي والمفكر، الطاهر بن عيشة، قامة فاعلة في مشهدها ورجلا، عاش الى آخر رمق من حياته، وفيا لمبادئه وملتزما بمواقفه التي آمن بها وترك للشباب وصية تحثه على رفع التحدي والنهوض بالثقافة. فمن الصعب ملء الفراغ الذي تركه هذا الرجل الذي بقي متعطشا للمزيد من المعرفة، والنقاش بحماس الشباب اذ لم تثنه ثقل السنين وهو يتخطى العقد التاسع من العمرمن مواصلة اسهاماته في شتى المجالات الفكرية. ويعد عمي الطاهر ، الذي وافته المنية ليلة السبت الى الاحد عن عمرناهز ال90 سنة إثر مرض لازمه الفراش طويلا، احد رواد الصحافة الجزائرية وشاهدا على احداث هامة سايرت تطورات الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في الجزائرو ذلك من خلال عمله الصحفي وايضا تجاربه النضالية والثقافية التي خاضها ومواقفه الانسانية. لقد جال الطاهر بن عيشة او ابن بطوطة كما يسميه البعض في عالم الأسفار والرحلات، سواء في إطار عمله الصحفي او للمشاركة في فعاليات ثقافية وفكرية واثمر ذلك عن صداقات عديدة في الاوساط الادبية والفنية حيث التقى بالكثيرمن المشاهير في السينما والمسرح، وكان الشاعر المصري الكبير احمد فؤاد نجم من بين المقربين الى قلبه، ولقب بن عيشة ب الموسوعة المتنقلة لثقافته الواسعة حيث كان يتحدث في التاريخ والفلسفة ومختلف العلوم الانسانية كما كان يملك ذاكرة قوية تختزن، الكثيرمن المعلومات والتجارب والتفاصيل بأدق جزئياتها. وقد اهتم الفقيد بالفن بمختلف مظاهره لما له من أهمية في حياة المجتمعات كما كان يردد معتبرا ان الفن يفتح وعي الإنسان و يحثه على البحث عن الحقيقة ويجعل الفنان يقول الحقيقة بصوت عال ، لكن يبقى المسرح اقرب الالوان الفنية الى قلبه حيث كانت له اسهامات في الركح تعود الى اواسط الاربعينات حين أسس فرقة رفقة مجموعة من الطلبة في الوادي حيث قدم مسرحية بلال بن رباح ركز فيها على الجانب النضالي والسياسي. وعند انتقاله للعيش في العاصمة، اسس فرقة مسرحية بمعية المكي شباح تسمى الكوكب التمثيلي الجزائري وشاركت فيها وجوه شابة تألقت لاحقا منها المطربة سلوى التي انضمت الى الفرقة في 1950 وهي لا تتجاوز السادسة عشرة، شهد الفقيد النور سنة 1925 بمدينة قمار بوادي سوف، التي انجبت الكثير من المثقفين والتحق بجامع الزيتونة بتونس سنة 1942 حيث درس علوم الدين، بد أ العمل الصحفي الصحافة في الاربعينات في صحيفة تدعى عصا موسى صدر منها 16 عددا وكانت تهتم بتقديم حقيقة الثورة كما عمل ايضا في اسبوعية الثورة والعمل لسان حال المركزية النقابية الجزائرية. ويعتبر الرجل من الأوائل الذين التحقوا بالرعيل الأول للحركة الوطنية الجزائرية حيث انخرط في العمل السياسي وبعدها النقابي. ويحفل سجل الراحل الذي يتميز بروح المشاكسة والصراحة والنقد بعديد المقالات كما كانت له مؤلفات غزيرة عن الحضارة الإسلامية في الجزائر والإسلام في آسيا الوسطى وإفريقيا لا سيما غرب القارة السمراء. وأصدر بن عيشة سلسلة حراس التراث التي دون فيها محطات وإنجازات الزوايا الدينية في الجزائر الى جانب اعمال عن المخطوطات الجزائرية القديمة. تم تشييع جنازة الطاهر بن عيشة عصر يوم الاحد الماضي بمسقط رأسه بحضور وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، ووجوه ثقافية وفكرية الى جانب افراد عائلته.
