وسط ترقب الدوري السعودي.. ميلان يضع بن ناصر على لائحة البيع    حنكة دبلوماسية..دور حكيم ثابت وقناعة راسخة للجزائر    أكنّ للجزائر وتاريخها العريق تقديرا خاصا..وكل الاحترام لجاليتها    مهرجان عنابة..عودة الفن السابع إلى مدينة الأدب والفنون    إبراز البعد الفني والتاريخي والوطني للشيخ عبد الكريم دالي    التراث الثقافي الجزائري واجهة الأمة ومستقبلها    مطالبات بتحقيقات مستقلّة في المقابر الجماعية بغزّة    تقرير دولي أسود ضد الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية    استقالة متحدّثة باسم الخارجية الأمريكية من منصبها    تكوين 50 أستاذا وطالب دكتوراه في التّعليم المُتكامل    ثقافة مجتمعية أساسها احترام متبادل وتنافسية شريفة    العاصمة.. ديناميكية كبيرة في ترقية الفضاءات الرياضية    حريصون على تعزيز فرص الشباب وإبراز مواهبهم    وكالة الأمن الصحي..ثمرة اهتمام الرّئيس بصحّة المواطن    تحضيرات مُكثفة لإنجاح موسم الحصاد..عام خير    تسهيلات بالجملة للمستثمرين في النسيج والملابس الجاهزة    المسيلة..تسهيلات ومرافقة تامّة للفلاّحين    استفادة جميع ولايات الوطن من هياكل صحية جديدة    قال بفضل أدائها في مجال الإبداع وإنشاء المؤسسات،كمال بداري: جامعة بجاية أنشأت 200 مشروع اقتصادي وحققت 20 براءة اختراع    الشباب يبلغ نهائي الكأس    بونجاح يتوّج وبراهيمي وبن يطو يتألقان    خلافان يؤخّران إعلان انتقال مبابي    بعد إتمام إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي    سوناطراك تتعاون مع أوكيو    الأقصى في مرمى التدنيس    حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي    غزّة ستعلّم جيلا جديدا    جراء الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان إلى 34 ألفا و356 شهيدا    الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    باحثون يؤكدون ضرورة الإسراع في تسجيل التراث اللامادي الجزائري    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    بن طالب: تيسمسيلت أصبحت ولاية نموذجية    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    المدرب أرني سلوت مرشح بقوّة لخلافة كلوب    جامعة "عباس لغرور" بخنشلة: ملتقى وطني للمخطوطات في طبعته "الثالثة"    "العميد" يواجه بارادو وعينه على الاقتراب من اللّقب    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    أمن دائرة عين الطويلة توقيف شخص متورط القذف عبر الفايسبوك    سيدي بلعباس : المصلحة الولائية للأمن العمومي إحصاء 1515 مخالفة مرورية خلال مارس    أحزاب نفتقدها حتى خارج السرب..!؟    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكُتاب والفيس بوك
نشر في النصر يوم 10 - 10 - 2011


حياة افتراضية أم حياة موازية
الكاتب والمثقف والأديب العربي ومنذ فترة انخرط في استعمالات وسائط التواصل الإجتماعي كالفيس بوك والتويتر، ربما انخرط متأخرا عن الإنسان العادي البسيط الذي سبقه بمراحل في هذا الإنخراط التكنولوجي الجديد، لكنه في الأخير انخرط، وسرعان ما أدرج هذه التقنية ووظفها لخدمته وخدمة أدبه وكتبه وأخباره الأدبية وحتى أخباره الشخصية والخاصة جدا أحيانا، وكأنه يحرص على أن يتشارك كل يومياته وحياته مع العالم الذي يتشكل من قائمة طويلة من الأصدقاء يتقاسمون عالما افتراضيا وحيوات افتراضية مزدحمة بالنصوص والأخبار والصور، حيوات أصبحت تزاحم الواقع في الكثير من الوقت والتفاصيل، عوالم تُعنَى ببعضها البعض، ولو على نطاق اللايكات والتعليقات، وأصبح الكاتب لا يفوت شاردة ولا واردة إلا وأدرجها في صفحته وأعلن عنها ونشرها على أوسع نطاق، صارت حياته الأدبية والشخصية مفتوحة ومعلومة للجميع.
ترى كيف هي الآن علاقة الكاتب والأديب العربي مع وسائط التواصل التكنولوجية الجديدة مثل موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أو «تويتر»؟، كيف يرى الكاتب هذه المساحة من خلال تعامله وتواصله عبرها، كيف ينظر للآخر الذي يشكل في الغالب عالما افتراضيا، وهل استفاد من هذه الوسائط بالشكل الذي يخدم أدبه وفكره وعوالمه التي أصبحت مفتوحة على الجميع بفضل هذه الشبكة التواصلية العملاقة، وهل هذه العلاقة صحية وفي مناخها الأنسب الذي لا يخلف ضررا، ما هي أهم ميزات/حسنات وسيئات هذه المواقع التواصلية، أكثر ما وفرته وقدمته للكاتب، وأكثر ما سببته من مساويء ومن نتائج عكسية لم تكن في البال أو الحسبان. كان الأديب العربي دوما (ومازال بعضهم أيضا) يرتاب من هذه التكنولوجيا، وكانت لديه حساسية منها في وقت سابق وقريب، لكن الملاحظ حاليا أن هذا الأديب العربي انفتح أكثر في استخدامه لهذه التكنولوجيا وانخرط في مواقع التواصل الإجتماعية بشكل كبير، صار أكثر انسجاما وتصالحا معها وانتفت الكثير من حساسيته وتوجساته. هذه أسئلة تخص علاقة الكاتب بالفيس بوك طرحها كراس الثقافة على بعض الأدباء الذين يتواجدون بشكل شبه دائم في فضاء الفيس بوك، فكانت هذه الآراء المختلفة إنطلاقا من تجاربهم الخاصة مع هذا العالم الفيس بوكي الذي أصبح مقهاهم اليومي وعالمهم الأرحب وأكثر. إستطلاع/ نوّارة لحرش
سعدية مفرح/ شاعرة كويتية ورئيسة القسم الثقافي لجريدة القبس
بعض المثقفين العرب يعتبرون شبكات التواصل
ألعاب أطفال
توفي صباح اليوم (وأنا أكتب هذه السطور)، ستيف جوبز عراب عالم أبل وكل منتجاتها الالكترونية الذكية في مجال التواصل والاتصال، فانشغل العالم كله كما يبدو أمامي على الشاشة الآن، بخبر هذا الموت. جوبز لم يكن رئيس دولة ولا زعيم طائفة. كان مخترعا عظيما، ورجلا مؤمنا بالمستقبل.. وبهذا المعنى كان مثقفا عظيما.. فكيف يمكن للتكنولوجيا الذي كان جوبز أحد عرابيها الكبار أن تكون نقيضا للثقافة كما يروج لتلك الفكرة بعض المثقفين الكبار؟. شخصياً أستغرب تلك النظرية السلبية التي ينظرها كثير من المثقفين العرب لثمار التكنولوجيا واعتبارها نقيضاً للقيم الإنسانية الخالصة. نعم يبدو فضاء الإنترنت حلاً ممكناً للكثير من المعوقات التي تقف أمام المثقف العربي، ولكنه ما زال غير مدرك لمدى اتساع هذا الفضاء، بل ويبدو في كثير من الأحيان مستهتراً به زاهداً في استغلاله إما لأنه جاهل بما يمكن أن يخدمه فيه أو لأنه استمرأ صورته خاضعاً وخانعاً ومستكيناً بحجة عدم وجود المزيد من منابر القول ومساحات الحريات. وإذا كان الكثيرون يشخصون أمراض الثقافة العربية المعاصرة بصفتها غير قادرة على التجاوز لأنها غير قادرة على إنتاج ذاتها بعيدا عن الرقابات المسبقة ولأنه غير قادرة على التفاعل مع الآخر فإن الإنترنت بالذات يبدو أفضل وصفة يمكن أن تعالج هذا الوضع. ورغم أن وضعنا كعرب ما زال مأساوياً بالنسبة لحجم تعاملنا مع فضاءات التكنولوجيا المختلفة والمتعددة مقارنة مع الأمم الأخرى، فإننا اليوم أفضل من الأمس وأتمنى وأتوقع أن نكون غدا أفضل من اليوم. المهم نشر الوعي لدى الجميع بأهمية التكنولوجيا المعلوماتية والإتصالية بالذات لدى الجيل الجديد، وتوفير إمكانات تعليمية ومادية لتطبيق وعيهم الجديد. ولجت عالم التويتر هذا بعد سنوات من ولوجي لعالم الفيس بوك. ورغم أن الكثيرين من المثقفين صاروا يعرفون ما هو التويتر وما هو الفيس بوك إلا أن أغلب هؤلاء الكثيرين ظلوا على قناعاتهم القديمة والتي ترى أن هذه «الأشياء» مجرد ألعاب أطفال لا تليق بالثقافة ومتعاطيها، وأن الكتاب، بسمته القديم، وحده أداتهم لتحصيل المعرفة، أما التواصل مع الآخر، وهو ما توفره هذه الشبكات الإجتماعية الجديدة عبر الإنترنت بكفاية غير مسبوقة، فغالبا هو غير مهم ولا ضروري لدى هذه النوعية من المثقفين الذين ما زالوا يقفون على أطلال الثقافة العربية يبكون ذكريات حبيب ومنزل !.
محمد العشري/ روائي وكاتب مصري
عالم افتراضي قابل للتحقق على أرض الواقع
الفيس بوك بالنسبة للكاتب يخلق نوعاً من العلاقة المباشرة مع قارئ يدفعه الفضول إلى قراءة أعمال أو أسماء سمع بها، أو قرأ لها أو عنها، ربما عن اهتمام، ربما صدفة، وربما بدافع حقيقي، وأتاح له تواجده على الفيس بوك أن يلتقي بهم، ويتحاور معهم بشكل مباشر، حتى وإن كان ذلك التواصل في عالم افتراضي، إلا أنه عالم قابل للتحقق على أرض الواقع، من خلال التواصل الحي، إضافة إلى أنه ساهم في جذب الكثيرين إلى عالم القراءة، ووسع من حلقة الدعاية المجانية للأعمال الإبداعية، وهي ميزة إعلامية ممتازة، توفرها تلك الشبكة الواسعة الانتشار والتأثير. وبالفعل هناك العديد من العلاقات المميزة التقيت بها صدفة في ذلك الفضاء البعيد، وأصبحت حقيقة وملموسة على أرض الواقع، ونتواصل بشكل حقيقي وفعّال. وأفادني كثيراً في انتشار روايتي الأخيرة “خيال ساخن”، وفي إعادة القراءة لرواياتي السابقة. بالطبع المثالب كثيرة، لكن دعينا هنا نركز على بعض المزايا السريعة. غالبية الشباب يجد نوعاً من المتعة والتسلية والاستفادة والتعبير عن رأيه في أمور كثيرة: (اجتماعية، دينية، سياسية، ثقافية،..) في الحضور على شبكة الأنترنت، خاصة في الفيس بوك، وهي ظاهرة لها إيجابياتها وسلبياتها، لكنها في النهاية قفزة في تكنولوجيا التواصل علينا أن نستفيد منها، بقدر اهتمامنا، وما يمكنه أن يدفعنا إلى الأمام في مجال تخصصنا، وأعمالنا الحياتية، إضافة إلى الأعمال الإبداعية. وأعتقد أنه صنع الكثير من الرواج للناشرين، وأنعش حركة الكتب في الفترة الأخيرة. ولا يمكن أن ننسى أو نتجاهل ما أحدثه الفيس بوك في التكريس والدعوة للثورات العربية، وتلك المجموعات الهائلة من الشباب التي اجتمعت في مكان إفتراضي ثم حركت الثورات وترجمتها إلى واقع فعلي، أطاح بأعتى الأنظمة الأمنية والقمعية في العالم العربي خاصة في مصر وتونس. ويحضرني اليوم جملة كتبها الكاتب مأمون فندي على صفحته، وهي صحيحة تماماً، وتؤكد على دور الفيس بوك واستمراره في إشعال الثورات: «رجال الأعمال اشتروا الثورة بثمن بخس في صحفهم وتلفزيوناتهم لذا سيبقي الفضاء الإليكتروني هو المكان الوحيد الحر بالنسبة للثورة المصرية». وكذلك بالنسبة لكل الثورات العربية. بهذا، يمكن القول أن شبكة الإنترنت أسهمت إلى حد كبير من خلال المدونات، والمنتديات، والفيس بوك في التواصل مع الجيل الشاب من القراء، وخاصة مع القارئ خارج أرض البلد الواحد مما يمثل نقلة نوعية، وإضافة إلى وسائل الإعلان والدعاية عن الكتب، وأسهمت في رواج الكثير من الكتب والروايات، أظن أن هذه أكبر مزايا شبكة الإنترنت، أيضاً لأنها تتيح التواصل مع قدر كبير من الصحف والمطبوعات على نطاق واسع، وهو أمر صعب تحقيقه على أرض الواقع. بالفعل تحول الفيس بوك إلى عالم كبير، منفتح على عوالم كثيرة متنوعة ومتعددة، تمسك بأطراف بعيدة، وتجعلها تثرثر وتتناقش، تتجاذب وتتنافر، تحب وتكره.
ربيعة جلطي /شاعرة وروائية جزائرية
الثورة الرقمية وسعت أوطان الحرية
الإبداع مثل الماء أو النار كلما تعرضا للضغط كلما وجدا لهما مخرجا من بطن الأرض، وفي ظل الضيق والمضايقات التي يتعرض لهما المبدعون العرب في بلدانهم والاختناق والتشتت وجدوا طريقا من بين الطرق الأخرى لرؤية الضوء والتواصل الفكري والإبداعي والنقاش الحر والتعبير خارج ما تمليه عليهم مسطرة رقيب السلطة مكمم الأدمغة وكاتم الصوت متمترسا منذ أمد بعيد خلف طابوهات يعتقد أنه من خلالها يضع نفسه وصيا على الكاتب والقارئ معا فيحارب الأفكار الجديدة ويُجهل الناس ويكفرهم ويعهرهم وهو الجاهل بكل شيء إلا بالطرق التي تضمن له الاستمرار في التسلط. إن الوسائط الجديدة خلقت زلزالا حقيقيا تختلف قوته على سلم ريشتر من بلد لأخر ولكنه زلزال سيحول خارطة الأرض لا محالة بتهويته العقل والمشاعر. مثل غيرهم من صناع الفكر في العالم، المبدعون العرب وجدوا أمامهم وسائط التعبير الجديدة هذه التي توصل أصواتهم وكتاباتهم وآراءهم إلى أرجاء الدنيا فلم يترددوا في استعمالها. التكنولوجيا الاتصالية التواصلية تذيب الخوف وتثمر الشجاعة وتوسع جغرافيا الحرية الفردية والجماعية، هذا هو شعوري منذ 2009 حيث دخلت هذا العالم الذي يشبه مصباح علاء الدين، حيث الأصدقاء والقراء وأهل الإبداع يحوطونك ويعيشون معك اليوم الثقافي بتفاصيله. لقد أصبح العالم على وسعه بحجم شاشة جهاز الأيباد، من خلالها تتواصل ومن خلالها توصل ما يريد له البعض الإخفاء والمنع، وأعتقد أن هذه الطفرة التكنولوجية الهائلة غيرت فينا نحن كمبدعين ومنشغلين بالشأن الثقافي كل شيء أو كادت، كل ذلك في زمن قياسي: أول ما تغير فينا ومن حولنا مفهومنا للزمن، إذ لم تعد الدقيقة تعادل ستين ثانية كما كانت قبل سنوات، فدقيقتنا اليوم هي بطول ستين سنة أو يزيد، فالاتصال الرقمي قلب مفهوم فلسفة الوقت، وأضحى عمر الإنسان مائة مرة أكثر مما كان عليه قبل ربع قرن، لأن عمر الإنسان يقاس بغواية الاكتشاف والاستمتاع بأكبر عدد ممكن من كنوز هذه الحياة، لذا فوقت السفر اختُصر والزمن المصروف في الحصول على المعلومات اختُصر كذلك. ثاني الأشياء التي تغيرت هي العلاقات الإنسانية، فالناس من كل القوميات واللغات والديانات والعادات والجغرافيات يتحاورون وفي اللحظة نفسها وحول الموضوع نفسه، ذاتيا كان أو سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا. وأمام هذا انهارت الجدران التي كانت تفصل ما بين الشرق والغرب، والأبيض والأصفر والأسود، ما بين الشمال والجنوب. لم تظل سوى بعض الأنظمة السياسية التقليدية والدكتاتورية التي تريد أن تكبح هذا المد من خلال محاصرة حرية مواطنيها كما هو الحال في العالم العربي وبعض بقايا أنظمة في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا. ولكنه الربع ساعة الأخير قبل أن تسقط هذه الأنظمة القائمة على فكر بات منتهيا، بات من الماضي الذي دفنته الإنسانية المعاصرة. توسعت الحرية واتسع وطنها. وثالث هذه الأشياء يتمثل في المستوى الإبداعي، فبقدر ما تحولت وتطورت القيم الجمالية الشعرية والنثرية، من خلال تقنيات الخطاب الأدبي الجديد المتصل بالوسائط الجديدة، فإننا نشعر بتحول مذهل في مفهوم القارئ أيضا (المتلقي)، لقد بدأ القارئ في هذا العصر الرقمي يفرض ذوقه من خلال رد الفعل المباشر على صدور النص وربما يكون ذلك بعد أقل من دقيقة على نشر النص. وبموجب ذلك أصبح المبدع يغير من مفهوم القارئ (المتخيل) الذي كان يتعامل معه عن طريق الكتاب والمكتبة والتوزيع والانتظار وما يدخل من تفصيلات في هذه الشبكة الثقافية الإبداعية التجارية، لقد أصبح القارئ على المباشر. أشعر أيضا بأن اللغة التي نكتب بها الإبداع دخلت هي الأخرى تجربة ما أسميه ب»الاقتصاد اللغوي»، فاقتصاد اللغة الإبداعية لا يعني بترها بل تثويرها فيما يجعلها متماشية مع قارئ جديد يعيش فلسفة وقت جديدة ويعيش إيقاع يومياته بطريقة جديدة ومتسارعة ومفتوحة. لا يعني هذا البتة أن التكنولوجيا الجديدة بديلة عن الحياة الاجتماعية الجديدة هي أيضا، إذ لا وجود لإبداع صادق وأصيل في غياب الحياة بكل عنفوانها بما في ذلك متعة التكنولوجيا نفسها كقيمة من القيم الاجتماعية الأخرى. فالحياة لا يمكن اختصارها في «شاشة» صغيرة خاصة بالنسبة للمبدع الذي عليه أن يجعل هذه الشاشة وسيطا لا مركزا، وسيطا في الاتصال لا مركزا في الحياة. صحيح أن الافتراضي يتموقع أكثر فأكثر في حياتنا والرموز أصبحت تستولي على أمكنة الأشياء وتنوب عنها ولكننا من موقع المبدعين حماة زخم الحياة علينا الدفاع عن الحرارة الإنسانية والمحافظة عليها كقيمة أساسة للوجود. المبدع الذي لا يلمس جمرة الحياة في الواقع لن يستطيع أن يكتب عن حرقتها على الشاشة.
شريف الشافعي/ شاعر مصري
نافذة من نوافذ الحياة ودوره كبير في تفعيل التحاور
علاقتي بوسائط التواصل التكنولوجية مبكرة، بدأت مع ظهور هذه الوسائط، فنحن نعيش عصرًا رقميًّا، هذه حقيقة، ولا يمكن أن تغيب تأثيرات وانعكاسات هذه «الرقمية»، كنمط حياة، عن الواقع اليومي للشاعر، وعن ما يكتبه الشاعر اليوم، وإلا فإنه يكتب عن عصر آخر، ويعيش حياة أخرى، فوق كوكب آخر!. النشر الإلكتروني للشعر، مثلاً، هو أحد وليس كل وجوه الاجتياح الرقمي للشاعر. لكن الأهم بالتأكيد من اختيار الشاعر للرقمية كوعاء جديد للنشر، أن يكون ما في الوعاء جديدًا، معبرًا عن معاناة الإنسان في العصر الرقمي الخانق. تجربتي الشعرية «الأعمال الكاملة لإنسان آلي»، بجزئها الأول «البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية» (2008)، وجزئها الثاني «غازات ضاحكة» (قيد النشر)، تجسّد بوحًا إنسانيًّا للإنسان/الإنسان، الذي غيّبه زمن الإنسان/الآلة، وكلها بلسان «الروبوت»، الذي يسعى إلى استرداد ذاته البريئة المسلوبة، ولا يقنط من الوصول إلى ضالته. الوسائط التكنولوجية إذن في نسيج كتابتي ذاتها، وهي بالتأكيد في نسيج حياتي التي أعيشها، فغير مقبول أن يكتب الشاعر عما لا يعرفه. الفيس بوك نافذة من نوافذ هذه الحياة، أطل منها على الأصدقاء والقراء كما أطل عليهم من خلال جلسات التواصل الحقيقية في الواقع، ولا شك في أنه قرب المسافات، وسمح بالتواصل مع أصدقاء كثيرين يصعب التقاؤهم فعليًّا، لتباعد المسافات وأسباب أخرى. أما الذي يمكنني فعله على الفيس بوك، فهو ببساطة ما يمكنني فعله في جلساتي الواقعية (الإجتماعية) مع الأصدقاء. البعض، مثلاً، يشرك أصدقاءه عبر الفيس بوك في مخطوط نصه الجديد، لكنني أسأل نفسي: بعيدًا عن الفيس بوك، هل يمكن أصلاً أن يشرك المبدع أصدقاءه وقراءه في كتابة أعماله، بحيث يعرض عليهم مسوداتها غير النهائية، ويستجيب بقلمه لما يراه جيدًا من ملاحظاتهم؟!. بالنسبة لي، لا أفعل ذلك على الإطلاق، ولا أتصوره، فالإبداع نشاط فردي محض، بالغ الخصوصية والحساسية، ودور الناقد والصديق والقارئ وهو دور مهم بالطبع يبدأ بانتهاء المبدع من كتابة عمله، ونشره بصورته النهائية، بما لا يسمح بأي تعديل. ويمكن للمبدع أن يراعي ما يفرزه الحوار المثمر مع الآخرين من أفكار خصبة ثرية في أعماله المقبلة، إذا أراد. ويبقى للفيس بوك دور في تفعيل فرصة التحاور بين المبدع وبين أصدقائه وقرائه، وهو دور ملموس، لأن هذه التقنية تتيح إمكانية عرض النص المنشور، أو المسودة كما يفعل البعض، على عدد كبير من الأصدقاء في آن واحد، واستجلاء آرائهم مكتوبة، وفتح مجال للنقاش المتبادل بين الجميع، وكأن ندوة إلكترونية قد أقيمت حول النص.
ودائمًا وأبدًا، المبدع هو الذي يقرر: ماذا يعرض على أصدقائه، هل يعرض نصًّا نهائيًّا منشورًا أم مسودة؟، ومن يختار من الأصدقاء ليعرض عليه نصوصه، وهل يقبل المبدع ملاحظات أصدقائه ويستجيب لها في أعماله أم لا؟، وهذه كلها أمور نسبية، وإن كان الأقرب في تصوري لمفهوم الإبداع الحقيقي الخاص ألا يعرض المبدع أعماله على أحد، أي أحد، إلا حينما تكتمل تمامًا في صورتها النهائية غير القابلة للتعديل. أما نشر بعض الأخبار الشخصية والأدبية والمتابعات النقدية لنصوصي وغيرها على الفيس بوك، فهذا إن حدث فإنه يأتي في إطار الحميمية والرغبة في مشاركة الأصدقاء هذه اللحظات الدافئة، أو إجراء نقاش ما، وليس طبعًا من باب الترويج أو الدعاية، خصوصًا أن الطابع الاجتماعي للفيس بوك يغلب عليه، حتى في إطار «الجروبات» المفترض أنها متخصصة. الفيس بوك، في تصوري، ربما نجح في تقريب ملامح الوجه الاجتماعي للكاتب، لكنه لم يثمر الإثمار الكافي في النقاشات الجادة والمتخصصة، ولعل هذا بحكم طبيعته.
لينا شدود/ شاعرة ومترجمة سورية
عالم موازٍ، نخلد إليه ومساحة أكبر للحرية والجرأة
ترددت قبل أن أدخل فضاء الفيس بوك. لم تكن تشغلني فكرة أن أكون من سكّانه، وأن أُعلِّق على حيطانه ما أريد، ولكن تلبيةً لرغبة أصدقاء كُثر، تجاهلتُ حذَري، ودخلت إلى هذا العالم المستفزّ، والمُثير إلى حدٍّ ما. ثمّة حوائط مفتوحة للجميع، منها الثري ومنها الهش العادي. حوائط أخرى قاتمة يلفّها الغموض، سريعاً سيُبعدك حدّسك عن كل ما هو مُلغّز بدعواتٍ غريبة، وأفكار لا تعنيك. من أماكن ليست بالبعيدة عن مناخك، ستصلك أصوات جميلة، وهاءات ضاحكة، وربّما يكدِّرك صراخ من هنا وشتائم من هناك رفقة أنغامٍ شجية، وكل ذلك ستتجاوزه لتصل آمناً إلى إبداع يُغريك بالمتابعة. هو عالم موازٍ، نخلد إليه بعد أن نفرغ من حياة نعيشها في مدنٍ وبلدان منفصلة، رغبةً في فضاءٍ يوحّدنا، فنطير إليه بنجاحاتنا وانكساراتنا، لنخزّن فيه ذاكرة طريّة ضدّ لغة تواصل قديمة، باتَتْ عاجزة عن إرضائنا.
ربما يهنأ الكاتب في ظلِّه بصداقات غنية ولطيفة، قادرة أن تخفّف من حالة الإغتراب التي يعيشها الأديب في محيطه الحالي، إذ يمنحنا الفيس بوك مساحة لندون وبجرأة ما يشبه الصرخات المتقطّعة، ولو أنها مبحوحة، صرخات غير مُرحّب بها في أماكن النشر المعروفة. ولكن أن ينجح الفيس بوك في تضليلك وإقناعك باستبدال ما هو مُضجِر ومؤلم في عالمك الواقعي بمكانٍ أكثر رأفةً وأقل إزعاجاً، هنا ستقع في مأزق قد يذهب بتوازنك الروحي والنفسي. أمّا عن علاقتي بالفيس بوك، هي كغيرها من الأمور فيها المشرق والمعتم. ربما على المشترك في هذا العالم الشبه افتراضي، أن يُحدد هدفه من هذا التواصل، ومع منْ، تلافياً لخسارة الوقت. فكما أظن أن الفيس بوك قد وجِدَ ليبدده، أعني الوقت. من ناحية أخرى، لم يُبعْدني هذا التواصل عن المشهد الثقافي، بل يسّر لي متابعة الأحداث والأخبار الثقافية، إذ سهّل عملية قطف الزبد الطازج من بعض الصفحات الغنية قبل ذوبانه في دروب النشر الإعتيادية. في عالم الفيس بوك، كل شيء مفتوح أمامك، شهقات الأصدقاء، الشفاه المقلوبة، المسافرون والعائدون رغماً عنهم، الصور المُفرحة والمؤلمة، ناهيك عن السخرية التي تنجح في امتصاص قَتامة أي مشهد. في النهاية لقد كان سبباً لصداقات جديدة ومُلهمة، كما صيد المَحار الغني بالدسم، صداقات خفّفت من ثقل أشياء أخرى باردة وفارغة. قد تنكمش بذور لهفتك لهذا المكان بعد فترة من التواصل، ولكنك ستبقى أسيره بشكل من الأشكال، إذ لن يكون سهلاً الإقلاع عن هذه العادة. كثيرون حاولوا قبلك ولم ينجحوا.
بشير مفتي/روائي جزائري
الفيس بوك خفف من عزلة الكاتب الجزائري وهو منبر حر للجميع
بدأت علاقتي بالفايس بوك منذ ثلاث سنوات أظن، ومن يومها لم يفارق يومياتي قط فهو من جهة يخفف من عزلة الكاتب الجزائري الذي يعيش بعيدا عن الساحة العربية وما يحدث فيها ثقافيا من تحولات وكتابات ومن جهة أخرى هو وسيلة رائعة للدعاية للأدب الذي يكتبه الكاتب وللأدب بشكل عام، كما أنه منبر حر يتحاور فيه الناس جميعهم من كل بقاع العالم وهو ما لا تستطيع حتى قنوات إعلامية كبيرة تحقيقه، أي يمتلك ديمقراطية جديدة وربما زاد من قيمة هذا الفايس بوك أنه ساهم في الثورات الشعبية الأخيرة التي عرفتها دول عربية كثيرة وصار وسيلة للثورة أو التحريض عليها ولكن كما تعلمين لكل شيء منافعه وأضراره أو سيئاته كأن يصبح وسيلة تقزيم للعقل ونشر السموم التافهة أو طريقة لتنويم الفكر أو خلق العدائية بين الناس والخصومات وغيرها وما دمنا نحن العرب لم نتربى على حرية الرأي والاختلاف فإننا نتدرب مع الفايس بوك بعض الشيء على ذلك. كما لا أخفيكِ مرات أشعر بأنه يضيع لي وقتي في أشياء لا تهم ولا تنفع وأن الوقت الذي أقضيه مع الفايس بوك الأحرى ممارسته في القراءة أو الكتابة أو النشاط الثقافي الحقيقي في الميدان لأنه يبقى مجالا افتراضيا قد يؤثر لكن لن يغير من واقعنا إلا إذا حولناه إلى وسيلة عمل وبناء. أشياء كثيرة تغيرت بعد ظهور الفايس بوك ومفاهيم كثيرة بدأت تدخل إلى أذهاننا مثل انشطار الواقع إلى واقع مادي و واقع افتراضي، مثل رؤيتنا للحب فلقد تحول البعض إلى عشاق افتراضيين لشخصيات افتراضية وقد يستمر التداخل بينهما طويلا ونظرتنا للمكان والجغرافيا، صار العالم كما قيل عنه قرية صغيرة بالفعل فرغم أنه تفصلنا مسافات كثيرة عن أمريكا أو استراليا إلا أنك تجد من يدخل في نفس القوت للتحاور في قضية تهم العالم ولهذا أشعر أن الفايس بوك سيعلمنا التسامح فيما بيننا أكثر وأدراك نسبية الحقيقة وأتمنى مستقبلا أن يجد عباقرة الإختراع وسيلة للترجمة الفورية حتى يتحاور كل أبناء العالم فيما بينهم دون أن تبقى الحوارات مقتصرة على أبناء لغة واحدة، أظن سيكون العالم الفايس بوكي أجمل بهذا الشكل فأتصور نفسي يوما ما أستطيع أن أتحدث مع هندي أو روسي أو هولندي دون عائق اللغة لأن ترجمة فورية تساهم في ذلك وقد يحدث هذا قريبا، أتمنى لأن ذلك يوسع من فتوحات هذا الفضاء العجيب. لا أدري من جهتي إن كنت أحب الفايس بوك أم لا؟، المهم أنه يأخذ وقتا طويلا مني وأتمنى صراحة أن لا أدمن عليه لأنه قد يعطل مشاريع كثيرة أتمنى انجازها يوما ما لأن الكاتب بحاجة للانفصال دائما للعزلة الضرورية كما يسميها بلانشو كي يختلي بنفسه ويوقع أثره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.