وفاة صديقة الثورة الجزائرية    برنامج شامل لعصرنة وتطوير الشبكات    صراع أوروبي على عمورة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص بتيبازة وتيزي وزو    رفض الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم: قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    وزير المجاهدين و ذوي الحقوق من جيجل: معركة السطارة من بين المعارك التي خلدها التاريخ    لأول مرة في تاريخ القضاء الجزائري: رئيس الجمهورية يمنح قضاة المتقاعدين لقب "القاضي الشرفي"    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    بطولة الرابطة الثانية    السنافر يترقبون: خالدي يضيع موعد القبائل    كشف عنها وزير المالية وسجلتها المؤسسات المالية الدولية: مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني    الإقبال على مشاهدته فاق التوقعات    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    أمن دائرة بابار : معالجة قضايا وتوقيف أشخاص وحجز مخدرات    عطاف يستقبل بالرياض من قبل رئيس دولة فلسطين    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    عطاف يستقبل رئيس مفوضية مجموعة "إيكواس"    تقرير لكتابة الدولة الامريكية يقدم صورة قاتمة حول حقوق الانسان في المغرب و في الأراضي الصحراوية المحتلة    وزير الداخلية: الحركة الجزئية الأخيرة في سلك الولاة تهدف إلى توفير الظروف الملائمة لإضفاء ديناميكية جديدة    بن ناصر يخسر مكانه الأساسي في ميلان وبيولي يكشف الأسباب    الدورة الدولية للتنس بتلمسان : تتويج الجزائرية "ماريا باداش" والاسباني "قونزالس قالينو فالنتين" بلقب البطولة    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    بوغالي يؤكد من القاهرة على أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    برج بوعريريج : فتح أكثر من 500 كلم المسالك الغابية عبر مختلف البلديات    فايد: نسبة النمو الإقتصادي بالجزائر بلغت 4,1 بالمائة في 2023    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    توقيف 3 أشخاص بصدد إضرام النيران    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن مرافقة الدولة لفئة كبار السن    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    بلمهدي يلتقي ممثلي المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف    42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    بهدف تخفيف حدة الطلب على السكن: مشروع قانون جديد لتنظيم وترقية سوق الإيجار    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    ضرورة وضع مخطط لإخلاء التحف أمام الكوارث الطبيعية    قصص إنسانية ملهمة    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غابريال غارسيا ماركيز غائبا
نشر في النصر يوم 21 - 04 - 2014


ليس للحياة من يرويها
غاب غابريال غارسيا ماركيز الخميس الفارط، منهيا فترة انتظار أختلقها قراءه في مختلف انحاء العالم، للإمساك بما تبقى من سيرته التي رواها في "عشت لأروي". غير مصدقين ما قيل عن صحة كاتبهم المحبوب. فإذا بالسيرة هي رسالة الوداع، تماما كما رواية "ذاكرة مومساتي الحزينات" التي كانت تحية منه لصحفي عجوز لا يشبهه، لأنه تخلى عن مهنة العجوز التي تشبه مهنة الصبية التي أهداها إلى نفسه في عيد ميلاده المتأخر، في الوقت المناسب أخذا بنصيحة قديمة لسلفه أرنست هيمينغواي.
رحل ماركيز بعد أن مكن للأدب في الحياة كما لم يفعل غيره، ومنح سلطة للكاتب بالإبداع وليس بسواه.
في هذا العدد من كراس الثقافة تحية من كتاب لساحرهم الأكبر.
الكرة الأرضية فقدت كبيرا من كبار الإبداع والأجيال اللاحقة لن تكف عن قراءته
أمين الزاوي
حين يعلن رئيس الدولة الكولومبي الحداد وتنكيس الأعلام لمدة ثلاثة أيام حزنا على رحيل الروائي غارسيا ماركيز فهذا له من الدلالة الكثير، فبقدر ما هو روائي القُراء العاديين هو أيضا ناقوس الساسة وذوي القرار، وهو ابن وطن يكن له الجميع الاحترام والإكبار. أما عندنا، لم نسمع، لم نقرأ، لم نعش، لم نعرف بلدا عربيا أو معربا أعلن فيه نظامه الحداد الرسمي على وفاة كاتب من كُتابه الكبار. يموتون في المنافي أو في السهو أو في النسيان، سلام عليك يا آسيا جبار، رحمة الله عليك يا محمد أركون في قبرك المنفي بالرباط، سلام لتراب قبرك في باريس يا محمد ديب، سلام لتبر قبرك في باريس يا رابح بلعمري، سلام على روحك يا نور الدين عبة النائمة في باريس، هو قدر الكاتب إما أن تسحقه السياسة الرسمية فيموت موتا قبل الموت أو يحتفظ بعذريته الأدبية والفكرية فيموت في بستان النسيان والتناسي.
قام المسار الأدبي الاستثنائي لغارسيا ماركيز على ثلاثة عوامل مركزية، وتلك قراءتي الخاصة: أولاها: خرج ماركيز كروائي من كتابين أساسيين في التراث الإنساني هما: "دون كيشوت دي لامانتشا" لسرفانتيس والذي كتب جزءا منه في مدينتي الجزائر العاصمة ووهران، كما كان ل "ألف ليلة وليلة" التأثير البالغ في صياغة "الفانتستيك" الذي عُرفت به تجربة ماركيز الروائية.
ثانيها: الدفاع عن الحرية في منطقة عرفت أنظمة دكتاتورية لا مثيل لها، وهي بلدان أمريكا اللاتينية، فكانت رواياته استلهامًا لصورة الجنرال والمقاومة وحب الحياة.
ثالثها: حبه لزوجته مرسديس وهي المرأة، التي على المستوى الذاتي، رافقته دون أن تجفف روح الطفل فيه، فكانت حارسة الطفولة في ماركيز، تلك الطفولة التي تعني "العفوية" وتعني "الشعرية" أيضا، فكانت المرأة التي جمعت طرفي الحياة لدى ماركيز من "ملائكية" الطفولة إلى "خرف" الشيخوخة.
ارتبط غارسيا ماركيز بالثورة الجزائرية من باب سخرية القدر، فأثناء إقامته بباريس، كان ذلك سنوات الثورة الجزائرية، تعرض للتوقيف مِن قِبل الشرطة الفرنسية التي كانت تلاحق عناصر جبهة التحرير الوطني على أرض المتروبول، ولم يكن سبب التوقيف سوى لأن ماركيز بشواربه ولون بشرته وملامحه يشبه الشخصية الجزائرية النموذجية، وبهذا القدر التاريخي ارتبط غارسيا ماركيز بالدفاع عن الثورة الجزائرية وتعرف فيما بعد على بعض منشطيها في المتروبول.
أعتقد أن نجاح روايات غارسيا ماركيز تعود، إضافة إلى ما قلناه أعلاه، أيضا إلى أسلوبه الخاص به، فهو الروائي الذي نجح في تحويل الأسلوب الصحفي اليومي إلى أسلوب أدبي سحري، ولعل الصحافة التي مارسها طويلا هي التي علمته فن الملاحظة والتدقيق والمتابعة اليومية، فهو في ذلك يشبه همنغواي وأيضا ألبير كامو، فالروائي الذي يرتبط بحرارة اليومي عن طريق التحقيق الصحفي يستطيع أن يلمس الحياة في تجلياتها وفي تبدلاتها وفي مأساتها.
نتباكى، نحن في العالم العربي وفي كل مرة، عن الانحياز السياسي والأيديولوجي لجائزة نوبل للآداب، ولكننا لا نقوم بتدقيق للكتابة العربية التي أصبحت فارغة من معنى التجديد ومعنى الإضافة الجمالية الإنسانية، وحين نقرأ الحاصلين على نوبل للآداب من أمثال: ماركيز وسارتر وغونتير غراس و ولي صويينكا وغيرهم علينا أن نعود لمراجعة الذات الأدبية عند العرب.
بوفاة غابرييل غارسيا ماركيز تكون الكرة الأرضية الأدبية قد ودعت كبيرا من كبار القلم والإبداع، وستظل الأجيال المتلاحقة التي لا تزال تقرأ "ألف ليلة وليلة" بشغف وتقرأ "دون كيشوت" بمتعة وتأمل فلسفي مفتوح، ستظل هذه الأجيال تقرأ "مائة عام من العزلة" كما تقرأ الكُتب الدينية، دون توقف أو ملل.
مر بالجزائر دون أن يلتفت إليه أحد
مرزاق بقطاش
هذا روائي يمكن وصفه بالزوبعة لأنه خلخل بنية الرواية العالمية حقا وصدقا. عندما قرأت روايته الخالدة "مائة عام من العزلة" عام 1973، في ترجمة فرنسية، ثم في ترجمة إنجليزية، ما كنت أتصور أن أمريكا اللاتينية في مقدورها أن تقدم روائيا في مستواه على الرغم من أنها أعطت خورخي لويس بورخيس وجورج آمادو وجابرييلا ميسترال. لكنه ظل متميزا عن أقرانه من أهل الأدب، وليس أدل على ذلك من أنه صار صاحب مدرسة في السرد الروائي عرفت باسم الواقعية السحرية.
في شهر أكتوبر من عام 1980، وفي مقر "سافا سانتر" بمدينة بلغراد حيث كانت تجري أشغال الدورة الحادية والعشرين لمنظمة اليونيسكو، وقع عليه بصري وهو يمر بالقرب مني في بهو ذلك المقر الفخم، وكان صحبة الإيرلندي شون ماك برايد الذي كان على رأس مجموعة عالمية لتقديم اقتراحات حول قانون الإعلام العالمي الجديد. ظلت أنظاري مشدودة إلى ذلك الرجل القصير القامة المكتنز وهو يتبادل كلمات سريعة مع صاحبه، فقلت بيني وبين نفسي: "ها هي الرواية العالمية الحقيقية تسير على قدميها قبالتك، فبادر إليها وحاول أن تنال حظك منها ولو بكلمة، ولو بتحية، ولو بتوقيع تضعه داخل المحفظة التي تتأبطها !". غير أن ماركيز غاب وسط زحمة الذين سارعوا إليه من صحفيين ورجال سياسة وخبراء إعلاميين. ولكم كنت أتمنى أن ألتقط صورة إلى جانبه في تلك العشية الباردة.
وعندما عدت إلى الجزائر بعد أن مثلت وزارة الإعلام والثقافة في مؤتمر اليونيسكو إلى جانب زميلي نور الدين نايت مازي، مدير صحيفة المجاهد سابقا، اقتنيت مجلة "ماجازين ليتيرير" الأدبية التي خصصت عددا لغابرييل غارسيا ماركيز. ودهشت كيف أن هذا الروائي العظيم مر بالجزائر العاصمة دون أن يلتفت إليه أحد، لا من أهل الأدب ولا من رجال السياسة أو الذين يدعون وصلا بها. فلقد شارك في احتفالات ثورة نوفمبر في أواخر السبعينات من القرن المنصرم، وكتب عن وقفة له بمطار الجزائر، هي وقفة من ألطف الوقفات في تاريخ الأدب العالمي كله. أتذكر أنه قال في ذلك العدد من تلك المجلة الأدبية إنه لما كان يستعد لامتطاء الطائرة التي تقله إلى هافانا، مقر إقامته باستضافة من الرئيس فيدال كاسترو، وقعت عيناه في بهو المطار على إنسان عربي يضع عقالا فوق رأسه. وما أسرع ما حدثت التداعيات في ذهنه، وعاد بذاكرته إلى ما قبل ثلاثين عاما، أي إلى عام 1951 عندما حدثت جريمة قتل في بلده راح ضحيتها شاب بوليفي من أصل عربي. وكان ينوي كتابة تحقيق عن تلك الجريمة، لكن والدته نصحته بعدم معالجة مثل ذلك الموضوع، وأحجم بالفعل عن تناوله.
قال ماركيز إنه بمجرد أن عاد إلى هافانا، جاءته زوجته "مرسيدس" بالورق الذي يحبه وبالعديد من الأقلام، فانهمك رأسا في كتابة روايته الرائعة "حكاية موت معلن" التي نالت إعجاب القُراء في جميع اللغات العالمية وتحولت إلى فيلم سينمائي جميل. الآن، وبعيد وفاته، أقول مرة ثانية: ألا ما أكثر عدد الشخصيات الأدبية والسياسية والعلمية التي مرت بالجزائر أو عاشت فيها دون أن نعرف عنها شيئا! ولكن، من حسن حظنا، أننا نعرف أدب هذا الروائي الفذ. فالعذر، يا ماركيز! نحن قوم جهلة على ما يبدو، وما زالت بيننا وبين الأدب الأصيل سنوات ضوئية.
فقط أذكر أنه سبق لي أن ترجمت له بعض القصص، وأذكر تحديدا، قصتين، نشرت إحداهما في مجلة الأقلام العراقية تحت عنوان "أمسية بالثازار الرائعة"، وقصة ثانية بعنوان "أجمل غريق في العالم". والقصتان موجودتان في أعمالي الكاملة التي نشرتها وزارة الثقافة.
ثنائية الإبداع والالتزام في كتابات ومواقف ماركيز
بوداود عميّر
يعدّ ماركيز من الكُتاب القلائل في العالم، الذين تمكنوا بتفوّق من تجسيد ثنائية المقروئية والقيمة الإبداعية، من خلال تحقيقه لقاعدة عريضة من القُرّاء المنتشرين في جميع بقاع العالم، فضلا عن مبيعات بلغت أرقاما خيالية، تجاوز بعضها ملايين النسخ -روايته "مائة عام من العزلة" على سبيل المثال، بيع منها أكثر من 30 مليون نسخة عبر جميع أنحاء العالم-بالتوازي مع نصوص وكتابات نالت استحسان النقاد ورضاهم، وحصولها على جوائز أدبية قيمة، على رأسها جائزة نوبل للآداب، ربما يعود فضل النجاح في تحقيق تلك المعادلة الصعبة إلى جملة من العوامل لا يتسع المقام لتناولها جميعا، لكنّ أهمها في اعتقادي، انتهاجه على مستوى البناء الفني والتناول الموضوعاتي، أسلوبا متفرّدا في الكتابة السردية، تتقاطع فيه الأسطورة مع الواقع، وهو ما اصطلح عليه بالواقعية السحرية، حتى وإن لم يكن ماركيز صاحب الفضل الأول في تأسيسها، باعتبار أن امتدادها كان منتشرا عبر مجموعة من النصوص الأدبية لعدد من كُتاب دول أمريكا اللاتينية، لكنها لم تكتشف كمدرسة أدبية قائمة بذاتها، استطاعت أن تتبوأ منزل الصدارة على الساحة الأدبية العالمية، إلاّ مع توالي صدور قصص وروايات ماركيز، وانتشارها العالمي، بحيث استطاع ببراعة إضفاء لمسة جمالية لهذا النمط الجديد من الكتابة، من خلال نسجه خيوط عالم مليء بالدهشة والغرابة، يلعب فيه المخيال دور المتواطئ في الدفع بالأحداث نحو تخوم الواقع، وقد سُئل ماركيز في هذا الصدد، عن إمكانية تصديق أحداث روايته "الحب في زمن الكوليرا"، فكان ردّه ببساطة أن على القارئ إدراك أن في الرواية قدرا من السحر والخرافة يوازي قدرا آخر من الواقعية. الميزة الثانية التي دفعت بماركيز إلى صدارة الأحداث إنسانيا، مواقفه السياسية ونضاله المستميت في دفاعه عن القضايا العادلة في العالم، إلى جانب صداقته المعروفة مع زعماء التحرر في العالم مثل كاسترو، مانديلا، عرفات.. وتنديده العلني بالممارسات العدوانية لأمريكا، وخاصة وقوفه مع الشعب الفلسطيني في قضيته، وثورة التحرير الجزائرية في نضالها، ولعل في كِتاب صديقه الكولومبي داسّو سالديفار الموسوم "غارسيا ماركيز، سفر إلى الينبوع"، فصولاً عن المرحلة الباريسية في حياة ماركيز وإقامته في الحي اللاتيني، حيث تأثر كثيراً بالثورة الجزائرية، وتقاسم السجن مع المناضلين الجزائريين، يقول داسو: "لم تكن حرب الجزائر تحتل الساحة الإعلامية بعد، ولكنها كانت واقعا مهدداً لغابرييل غارسيا ماركيز لسحنته العربية، وقد دفع الثمن، إذ لدى خروجه من قاعة سينما ذات مساء، اعتقد رجال الدرك الفرنسيون أنه جزائري، فأوسعوه ضرباً ونقلوه إلى مقر الشرطة في "سان جيرمان ديبريه" مع جزائريين حقيقيين، حزينين وذوي شوارب مثله، وتلقوا هم أيضاً الضربات. وكي يهدئوا من ضيقهم، أطلقوا العنان طول هذه الليلة لترديد أغاني الفرنسي جورج براسان. فارتبط ماركيز بصداقتهم، وبالأخص بالدكتور أحمد طبّال، الذي نجح في تحسيسه بقضية وطنه، في هذه الحقبة أنجز ماركيز العديد من الروبورتاجات عن حرب الجزائر وعن حرب قناة السويس.
رحل ماركيز جسدا، وبقيت أماكن وأبطال أعماله صامدة، متحديّة الزمن، تنبض بالحياة، تقول واقع العالم بمآسيه وأحلامه، لم تنل ترجمة أعماله السردية إلى عشرات لغات العالم، من سلاسة أسلوبها وغواية أبطالها، لأنها ببساطة تخاطب الإنسان في كل زمن وفي كل مكان.
كان يطيل عمره بالحكايات
عبد القادر حميدة
إنه الحزن يا سيدي ذلك الذي غشاني ليلة قرأت نبأ نقلك للمستشفى في حالة غيبوبة، احترت من أمري يا (غابو) وفكرت في شفاء لحزني، بحثت داخلي فلم أجد بلسما غير الرجوع لرواياتك التي بحوزتي فأعيد قراءتها، كنت كأنني أرثيك بطريقة من يتشبث بك، كنت ترفع الكِتابة في وجه البياض، وتطيل عمرك بالحكايات، كما كانت تفعل جدة الرواية (شهرزاد)، لكنني اليوم لم أستطع إكمال قراءة رواية (حكاية موت معلن) فتركت سنتياغو نصار يواجه مصيره، ومضيت إلى عين جفت مآقيها من الأحزان المتتالية أبحث داخلها عن بقايا دمعة أذرفها على رحيل جاء يأخذك هناك.. أنت الذي قلت (لو أن لي قليلا من الوقت لكنت كتبت بعضا مني على الجليد وانتظرت شروق الشمس) عبارة أخذتها منك وزينت بها ممر مجموعتي القصصية (رغبة صغيرة)، فبعد العتبات تأتي الممرات، وتأتي الشمس التي تذيب الجليد، وها قد خرجت يا سيدي للنهار، فاكتب ما شئت منك على الجليد، ونم هانئا تحت شمس، ستظل مشرقة ما دامت رواياتك تصنع البهجة والمتعة في نفوس الناس، في مختلف نواحي الأرض..
هل لي أن أعترف أنني تلمست روعتك بعيدا عن (مائة عام من العزلة)، تلمستها حينما غفوت في ذلك اليوم البعيد أقرأ قصتك المميزة (قيلولة يوم الثلاثاء)، غفوتي حملتني إلى رؤياي الوحيدة التي رأيتك فيها، يومها كنت مريضا، داؤك السرطان الليمفاوي، وأدخلت المستشفى، فأخبرتك في المنام أنك ستشفى لو كتبت رواية جديدة، وبالفعل كان، فقرأ العالم رواية حب جديدة، حاولت فيها تجاوز وطأة (الحب في زمن الكوليرا)، وسحر (غانياتي الحزينات)، وإخبارنا كلنا أن القلب لا يشيخ إلا إذا فقد القدرة على الحب، هذه اللوعة سبق لدوستوفسكي أن جربها قبلك، وسماها اسما يليق بها هو (الجحيم).. هل لي أن أستسمحك، أنا قارئك البعيد الذي لا تعرفه، كهل مغمور لا يثير أي انتباه، منطو على ذاته، منكفئ على أحلامه، مقاوم لموته بكتابة حكايات سرعان ما يمل منها فيمزقها، أو يداويها بالنار، كنت ذات يوم مسكونا بأحلام مشوبة بالغرور، فعلمتني سيرتك التواضع، التواضع أمام البسطاء، والاستحمام بشمسهم الاستثنائية، شمسهم التي تداوي كل داء، فقط يلزمك التواضع وقليل من الصمت.. "لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض، ليس فقط عاري الجسد وإنما عاري الروح أيضاً". هل لي أن أستسمحك لأخبرك أنك فعلا -كما قلت في وصيتك الأخيرة- قد برهنت "للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق" وأنك قبل أن تكتب كلمتك الأخيرة كنت قد "أعطيت للطفل الأجنحة وتركته يتعلم التحليق وحده" وعلمتنا أن "الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان".
هل لي أن أستسمحك، لأخبرك أن الرغبة في قراءة رواياتك، وخاصة سيرتك الذاتية (Vivir para contarla) كانت السبب الرئيس في حملي على الشروع في تعلم لغتك التي تكتب بها، الإسبانية الأمريكو لاتينية وتوابلها الحريفة.
في الأخير وقبل أن أترك عند قبرك بضع فراشات صفراء ترفرف حوله بأجنحتها الصغيرة، أخبرك أن كونديرا فضح السر حين أخبرنا بلغة فرنسية حزينة أن "الذكرى شكل للنسيان". ها أنا أعود لقصتك (يوم من تلك الأيام) لأستعيد روحك حية، روحا تغلبت على سطوة الموت، روحا ستبني عشها الجديد بين كلماتك بعيدا عن جسدك، ها أنا قد كتبت، وواجهت بالكلمات حزن الفقد، وفجيعة الموت المعلن.
مثل جويس قدم ماركيز ضوء لتعقبه نحو المجهول
بقلم بيتر كاري / ترجمة عمر شابي
بعد موت ماركيز نشرت صحيفة الغارديان مقالا ضمن مجموعة كتابات في تأبين الكولومبي الخالد، و هنا ترجمة لمقال كتبه الروائي بيتر كاري عن تأثير ماركيز عليه، حيث يضعه في مصاف جيمس جويس و تي. أس. اليوت. قصة شخصية.
في يوم ما من بداية السبعينات عاد صديقان أستراليان لي من كولومبيا و طلبا مني أن أكتب قصة مغامرتهما هناك و تتضمن حوارا مع كاتب مغمور اسمه غابريال غارسيا ماركيز. و في محاولة منهما لإزالة ترددي تركا لي نسخة بالانكليزية من "مئة عام من العزلة"، و لم يفهم أحد منا أنهما بذلك غيرا حياتي.
حاولت، و فشلت، في مساعدتهما على تسجيل مغامرتهما، و الأسوأ من ذلك أنني "نسيت" أن أعيد لهما الكتاب، الأدهى من ذلك أيضا عندما قررت بغرور أن تلك الرواية لذلك الكاتب المغمور ستكون مفيدة لي أكثر مما ستكون نافعة لهما.
حدث كذلك، و في ذلك الوقت صرت سارقا، محاولا إيجاد طريق للتخلص مما أسماه باتريك وايت "الواقعية اللا ملونة" لأدب بلادي، لجعل الريح تنفض الغبار عن شارع غيلونغ كن مضيئا و جديدا. القصص كانت رائجة للغاية، لكنني لم أكن بعد في مستوى التحدي الأكبر. غياب أسماء الأماكن في تلك القصص، كان مؤشرا جيدا على ما كنت أحاول تلافيه، علامة على أنني مازلت صغيرا جدا (و فاسدا) لأرى أن "ميميونغ" اسم جميل و غريب و أن "وونثاغي" كان قصيدة شعر في حد ذاته.
تطلب الأمر عشر سنوات (حوالي عشرين قصة و رواية) لأحرر نفسي من القيد الاستعماري، لكن الخطوة الأولى دون شك كانت حينما فتحت "مئة عام من العزلة" و قرأت: " في هذا الوقت ماكوندو كانت قرية مؤلفة من عشرين منزلا مبنيا على ضفة نهر صافيا ماؤه يجري على طول سرير من الحجارة الصقيلة، التي كانت بيضاء و عملاقة، كبيوض من عصور ما قبل التاريخ. العالم كان حديثا لذلك افتقدت الكثير من الأماكن للأسماء، و لأجل تحديدها كانت الإشارة ضرورية".
و هكذا فتح ماركيز الباب الذي كنت أقف عنده حائرا. في الحقيقة كان قد فعل ذلك قبلها:"بعد سنوات عديدة، حينما كان في مواجهة فرقة الاعدام، تذكر الكولونيل أوريليانو بيوانديا المساءات التي يغيب فيها القمر حين كان والد يأخذه لاكتشاف الصقيع".
و بقي يفعل ذلك سطرا بعد سطر بعد سطر. و كنت ثملا بماركيز، و بالطبع لم تكن لدي فكرة عما كنت أقرؤه. لم اكن أعرف شيئا عن كولومبيا،ناهيك عن ماكوندو، و هكذا كقارىء غريب لملحمة أسترالية، بقيت أفكر أن الكاتب ابتكر من خياله الشخصي حيوانات الكوالا و خلد الماء.
حتى بعد عشر سنوات من صاعقة البرق تلك التي ظهرت تأثيراتها في أعمالي، و لما بدأت بالاحتفال بأسماء "ميميونغ" و "وونثاغي" و المعجزات المنتظرة و القساوة في بلد مولدي، لم أكن قد عرفت بعد السر في نمو فن ماركيز على تربة موطنه، كنت مثل صديقي الرسام الأسترالي كولن لانسلي الذي أحب "و كأنه يتطلع" (ميرو) و أخيرا في كاتالونيا صارت "ميرو" الحقيقة رمزا على كل ناصية شارع.
كالكثيرين من أبناء جيلي، في دوامة من الإعجاب، تعلمت من ماركيز، و رضعت من سوءات فهمي.
بالطبع لا يبدو أنني أتحدث عن نفسي مع موت أكبر كاتب في عصرنا، و لو استمررت في ذلك لكان لأجل أن اقيم حجة كبيرة على أن حجم الكاتب يمكن أن يؤثر بأي طريقة، يمكن قياس مدى ذلك التأثير بموضوعية، على الرغم من حواجز الترجمات و المحيطات على أجيال متعاقبة.
مثل جيمس جويس و تي. سي. إليوت قدم ماركيز ضوءا لتعقبه نحو المجهول، جعل منا أكثر شجاعة، و أعادنا إلى درب القصة و أرانا، مشكورا أيها السيد، أن قلبا كبيرا و كريما ليس محصورا على العبقرية.
*حصل بيتر كاري مرتين على جائزة بوكر على كتابيه "أوسكار و لوسيندا" و "القصة الحقيقية لعصابة كيلي".
لا حدود لخيال ماركيز
بقلم جيل فريزر / ترجمة عمر شابي
نشرت صحيفة الغارديان يوم 18 أفريل ما يروج في ذهن كاتب عمودها الأسبوعي «لوز كانون» ( الشريعة الحرة) الدكتور جيل فريزر و الذي يشغل منصب قس في كنيسة سانت ماري نيووينغتون في جنوب لندن. هنا ترجمة للنص. بعد نهاية عاصفة ماطرة استمرت ثلاثة أيام، وجد الناس رجلا مريضا لا أسنان له، له جناحان عملاقان بين الحياة و الموت على الشاطىء، لا أحد كان بوسعه فهم ما يقوله الرجل العجوز، قال البعض أنه منبوذ، و قال آخرون أنه ملاك- رغم أن القس أنكر ذلك لكونه لا يفهم اللاتينية. أخذه السكان المحليون إلى زاوية مطبخ و جعلوا منه مصدر ثروة بترك الزوار مرحين يقتربون منه. صار جزءا أشيب من حديقة حيوانات مع إمرأة شابة قام بتحويلها إلى عنكبوت ذئبي. بعد فترة فقد الناس الاهتمام بالرجل صاحب الأجنحة النتنة، و تركوه وحيدا، و ذات يوم نهض و طار بعيدا. لم يبدع الكاتب الكولومبي الكبير غابريال غارسيا ماركيز نوع الواقعية السحرية- التي تعني كتابة الوقائع الخارقة و كأنها أمور عادية من حوادث الأيام، و الحديث عن العادي من الاشياء على أنه ضرب من الماورائيات- لكن في القصص القصيرة مثل الكافكاوية «رجل عجوز للغاية بأجنحة عملاقة» و الرائعة المبهرة مئة عام من العزلة أعطى ماركيز للواقعية السحرية أكثر أعمال الإبداع روعة.
بالنسبة للبعض مصطلح الواقعية السحرية فضفاض و جانبي، مستعار أساسا من الفن البصري يستعمل بأشكال متعددة لوصف كل نوع من الأدب يمزج بين الغريب و الدنيوي. لكن كثرة من الملاحظين اليقظين يقولون أنه نوع خاص من أدب ما بعد الاستعمار، ولد في أمريكا اللاتينية و جزر الكاريبي. و هو ما بعد الاستعمار لأنه يوظف السحري كطريقة للتخيل المقاوم لقسوة و شمولية المنطق الامبراطوري الفخم للعقلانية. يريد أدب الواقعية السحرية الحرية في التفكير خارج علبة الحكمة المترسخة و هذا بالتمحيص و الفرز هو الخط بين الواقعي و المدهش، هو يحرر الخيال من قيود كيف هي الأشياء، إنه شيء ثوري. من المثير للاهتمام أن غابو كما يسميه محبوه كان على الدوام يرفض أن توصف اعماله بأنها «سحرية» يرى نفسه واقعيا أكثر فأكثر. أما ميولات غابو المتعاطف مع اليسار السياسي، و صداقته لفيدال كاسترو و غير ذلك تشير الى جدية في الهدف، ليست على الدوام مرتبطة بأدب الدهشة.
و هذا ليس منظارا سيئا يحرك المسيحيين في عيد الفصح لفهم القصة، التي تبدو سحرية – عودة رجل ميت الى الحياة- لكنها ليست مبنية على نفس طريقتهم هم الذين يتابعون القصة. ثم إنه ما بعد-استعماري، و ربما كان الأدب المؤسس لمرحلة ما بعد الاستعمار –لأنه إذا كان الصليب هو كل شيء، فإنه القوة القمعية القاهرة للسلطة الاستعمارية. قيامة المسيح كانت فعلا بارزا كمثال للتحدي ضد حكم و سلطة الامبراطورية الرومانية، لا شيء يحد الخيال.
يمكننا جميعا أن نكون أحرارا، هناك أمل، يبدأ من فعل خيالي متحد، شيئا ما لا يمكن تقييده بمنطق الحتمية السياسية المتجهمة. لكنه أيضا واقعي إلى حد الموت.
إرتح بسلام، غابريال غارسيا ماركيز، لقد كنت عبقريا.
رؤساء من كبار العالم يشيدون بماركيز و تراثه الفكري
الرئيسان المكسيكي و الكولمبي يحضران اليوم حفل تأبين غابو
تقيم السلطات الكولومبية اليوم الثلاثاء حفل تأبين للأديب الراحل الحائز على جائزة نوبل غابرييل غارسيا ماركيز في الكاتدرائية الوطنية في العاصمة بوغوتا.
ويحضر الحفل الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت عائلة ماركيز ستحضر أم لا.
وأكد أقارب ماركيز حضورهم، وذلك برغم أنهم سيحضرون حفل تأبين آخر لماركيز في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي الاثنين. وكان ماركيز مؤلف رواية "مئة عام من العزلة" قد توفي الخميس الماضي في المكسيك التي عاش فيها أكثر من ثلاثين عاما.
و يشعر الكولومبيون في بوغوتا و في مسقط رأسه مدينة أراكاتاكا بأن ماركيز، الذي يعتبره كثيرون أعظم أبناء كولومبيا، يجب أن يكرم في وطنه. وكانت جثة ماركيز قد حرقت في جنازة خاصة في المكسيك. وقال السفير الكولومبي في المكسيك خوسيه غابرييل أورتيز إن عائلة ماركيز لم تقرر بعد ما إذا كان رماد جثته سيبقى في مكان واحد أم سيتم نثره بين بلديه الأصلي كولومبيا والثاني المكسيك.
وكان ماركيز قد فر من كولومبيا عام 1981، بعد علمه بأن الجيش الكولومبي يعتزم التحقيق معه حول اتهامات بارتباطه بالمتمردين اليساريين في البلاد.وانتقل بذلك إلى المكسيك برفقة عائلته إلى أن توفي هناك قبل أيام.
ومن المقرر أن يُكرم ماركيز في حفل تأبين في قصر الفنون الجميلة "دار الأوبرا الرئيسية" في مكسيكو سيتي.وسيحضر الحفل الرئيس الكولومبي سانتوس ونظيره المكسيكي إنريكي بينا نييتو. كما تجرى مراسم دفن رمزية لماركيز بالتزامن مع الحفل في بلدة أراكاتاكا مسقط رأسه.
وغداة ذلك الحفل، تقيم كولومبيا اليوم حفلها لتأبين لماركيز الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1982.وينقل التلفزيون الكولومبي الرسمي هذا الحفل، بينما ستتاح كتب ماركيز في المكتبات والمتنزهات العامة للقراءة المجانية أمام الجميع خلال الأيام القليلة المقبلة.
وعانى ماركيز من المرض في أيامه الأخيرة ولم يظهر علنا إلا نادرا. وخرج من المستشفى في مكسيكو سيتي الأسبوع الماضي بعد إصابته بالتهاب في الرئة والمسالك البولية، وقيل حينها إنه يعاني من ضعف شديد، قبل أن تعلن وفاته الخميس الماضي.
وفي عام 1967 ترجمت روايته "مئة عام من العزلة" إلى عدة لغات وبيع منها نحو 30 مليون نسخة. وكان ماركيز رائدا لأدب الواقعية السحرية الذي يمزج بشكل فريد بين الواقع والخيال بطريقة تجعل الخيال وكأنه شيئ طبيعي. وأشاد رؤساء وكتاب كثيرون بالتراث الفكري لماركيز.
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن العالم "فقد واحدا من أعظم الكتاب المتفردين".وكتب الرئيس الكولومبي سانتوس على حسابه بموقع تويتر: "ألف عام من العزلة والحزن لوفاة أعظم أبناء كولومبيا على مر التاريخ. هؤلاء العمالقة لا يموتون". و وصف الأديب البيروفي الحائز على جائزة نوبل ماريو فارغاس يوسا ماركيز بأنه "كاتب عظيم". وكان ماركيز و يوسا قد انخرطا في سجال طويل انتهى بشجار في الشارع عام 1976.
وقال يوسا لوسائل الإعلام البيروفية: "أعطت أعماله الأدب امتدادا واسعا وسمعة عظيمة. ستبقى رواياته وستجد قراء جددا في كل مكان"، وقالت الأديبة التشيلية إيزابيل أليندي: "أدين له باندفاعي واختياري الدخول في مجال الأدب. أجد في كتاباته أسرتي وبلدي والناس الذين عرفتهم طيلة حياتي. أجد ألوان وحركة وتنوع قارتي".
كان ماركيز صديقا مقربا من الزعيم الكوبي فيدال كاسترو، كما كان شخصية سياسية في بعض الأوقات. وأثارت صداقته مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو جدلا في الوسط الأدبي والسياسي في أمريكا اللاتينية. لكن ماركيز كان يصر على أن علاقته بكاسترو علاقة أدبية. وقال في إحدى المقابلات: "فيدال شخص مثقف جدا، وحينما نلتقي نتحدث عن الأدب".
ع.شابي/وكالات
في أراكاتاكا تحية مرحة لغارسيا ماركيز ابن القرية الشهير
بقلم ليسي دو أبرو/ترجمة عمر شابي
ذكريات عن الطفل الذي يحرص جده على حمايته إلى حد كبير و الحكايات عن الزيارتين الوحيدتين اللتين قام بهما غابريال غارسيا ماركيز لأراكاتاكا بعد حصوله على جائزة نوبل، هي ما يتداوله الناس في المدينة الواقعة شمال كولومبيا التي ولد بها ماركيز، حيث يتم الاحتفاء بذكراه في أجواء مرحة.
بسكانها البالغ عددهم 46 ألف و شوارعها المغبرة، ألهمت مدينة أراكاتاكا عملاق الأدب الأمريكو جنوبي المتوفى الخميس الماضي في المكسيك عن عمر 87 عاما مدينة ماكوندو حيث تجري وقائع عمله الشهير "مئة عام من العزلة"، لكن لا الحزن و الحداد يميزان التكريمات التي يحظى بها ماركيز من لدن جيرانه و السواح، بالعكس الكثيرون منهم يحملون الازهار الصفراء التي كان يحبها كثيرا، و آخرون يتبادلون ذكرياتهم عن طفولته و هم يحتسون معا الجعة، و بعضهم يرددون أشعارا مستوحاة من كتاباته و الكثيرون يزورون منزل طفولته، الذي تحول الى متحف، و صار منذ الخميس هيكلا لذاكرته.
أنيبال كال جار قديم لغارسيا ماركيز عمره الآن 95 سنة قال متحدثا لوكالة الأنباء الفرنسية عن ذكرياته الأولى عن الكاتب و الصحفي : "صغيرا جدا(...)، كانت مربيته تأخذه للقسم ممسكة بيده". "جده الذي كان عقيدا، كان يحميه جدا داخل المنزل، و لم يكن يذهب إلى المدرسة إلا بهذه الطريقة"، يواصل السيد كال و نظرته متجهة نحو السياج الأبيض على الجانب الآخر من الشارع الذي يحيط بفناء بيت آل غارسيا ماركيز.
يتذكر السيد كال أيضا مدينة أراكاتاكا في تلك الفترة، في نهايات العشرينات و بداية الثلاثينات كقرية فيها الكثير من الجنرالات و الكولونيلات (العقداء) مثل جد الكاتب و آخرون يظهرون في مؤلفاته.
ألفيا فيزكاينو تأتي بحكاية عائلية عن الزيارة التي قام بها "غابو" - مثلما يسميه محبوه- للمدينة سنة 1983، التي تلت حصوله على جائزة نوبل للآداب "زوجي تادارو الذي شرب بعض الكؤوس، اقترب من غابو ليطلب منه زجاجة مشروب الروم، و لم يتركه يهدأ طيلة كل الحفلات، و طارده في كل مكان حتى طلب منه غابو ورقة لكتب له وصلا يحصل به على بعض الزجاجات. "وصل بعشر زجاجات روم للمسمى تودارو"، -تشير قصاصة الورق الذي تحافظ عليه كشيء ثمين- و الأحسن من ذلك أنه حينما تفطن زوجي أنه لا يعرف أين يقبض مقابل وصله رد عليه غابو "في ستوكهولم" تضيف السيدة فيزكاينو بين قهقهتين.
الكثير من الحكايات و القصص المحلية من هذا النوع تقرب أراكاتاكا من ماكوندو التي تخيلها غارسيا ماركيز "أغلب قصصه تأتي من هنا. ماكوندو هي الوجه الأدبي، لكن أراكاتاكا هي ماكوندو" يؤكد فابيان مارياغا الكاتب المحلي السابق للثقافة في البلدة، و اليه يعود الفضل في الزيارة الأخيرة للمواطن المشهور إلى تلك الأرض سنة 2007.
حدث غير قابل للتصديق، الشوارع مملوءة، و الناس جاؤوا من كل مكان و غابو لم يكن يريد أن تقيم الشرطة شريطا أمنيا، فقط طلبة المدارس يقيمون حزاما شرفيا على طول الطريق" يتذكر مارياغا.و على الرغم من أن جثته أحرقت في المكسيك حيث يعيش منذ عشرات السنين، إلا أن عمدة مدينة مسقط رأسه يأمل أن يعود رماد غابو ليرتاح في النهاية في بلدته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.