رئيس الجمهورية: سنة 2027 ستكون حاسمة بالنسبة للجزائر بعد إتمام مسار الرقمنة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 35 ألفا و456 شهيدا    العدوان على غزة: هناك رغبة صهيونية في إستدامة عمليات التهجير القسري بحق الفلسطينيين    مسيرة حاشدة بمدينة "بلباو" شمال إسبانيا تضامنا مع الشعب الصحراوي    نادي الأهلي السعودي : رياض محرز يقترب من رقم قياسي تاريخي    اليوم الوطني للطالب: إقامة عدة نشاطات بغرب البلاد    اختتام الطبعة ال9 للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة    عرفت بخصوصية الموروث الثقافي المحلي..أهم محطات شهر التراث الثقافي بعاصمة التيطري    عبد الوهاب بن منصور : الكتابة علاج تقاسم للتجربة الشخصية مع الآخرين    عرفت بخصوصية الموروث الثقافي المحلي.. أهم محطات شهر التراث الثقافي بعاصمة التيطري    الثلاثي "سان جيرمان" من فرنسا و"أوركسترا الغرفة سيمون بوليفار" الفنزويلية يبدعان في ثالث أيام المهرجان الثقافي الدولي ال13 للموسيقى السيمفونية    طواف الجزائر للدراجات: الجزائريون في مهمة استعادة القميص الأصفر بمناسبة المرحلة الثامنة بمسلك سكيكدة-قسنطينة    بن قرينة يرافع من أجل تعزيز المرجعية الفكرية والدينية و الموروث الثقافي    ربيقة يشرف بالبويرة على فعاليات إحياء الذكرى ال 67 لتدمير الجيش الاستعماري لقرية إيغزر إيوقورن    الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الأولى    مشروع "فينيكس بيوتك" لتحويل التمر يكتسي أهمية بالغة للاقتصاد الوطني    نقل بحري : ضرورة إعادة تنظيم شاملة لمنظومة تسيير الموانئ بهدف تحسين مردودها    الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية يجتمع بباريس مع رؤساء المراكز القنصلية    الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الإشتراكية من تيزي وزو: يجب الوقوف ضد كل من يريد ضرب استقرار الوطن    رئيس الجمهورية يهنّئ فريق مولودية الجزائر    ينطلق اليوم تحت شعار ''معلومة دقيقة.. تنمية مستدامة'': الإحصاء العام للفلاحة أساس رسم السياسة القطاعية    ميلة: استلام 5 مشاريع لمكافحة حرائق الغابات قريبا    بمشاركة مستشفى قسنطينة: إطلاق أكبر قافلة طبية لفائدة مرضى بين الويدان بسكيكدة    تزامنا وبداية ارتفاع درجات الحرارة بالوادي: التأكيد على التخلص من النفايات للوقاية من التسمم العقربي    سيساهم في تنويع مصادر تمويل السكن والبناء: البنك الوطني للإسكان يدخل حيز الخدمة    إضافة إلى فضاء لموزعات النقود: 9 عمليات لإنجاز وتأهيل مراكز بريدية بتبسة    بتاريخ 26 و27 مايو: الجزائر تحتضن أشغال المؤتمر 36 للاتحاد البرلماني العربي    وزير الشؤون الدينية من بومرداس: المساجد والمدارس القرآنية خزان روحي لنبذ التطرف    بلقاسم ساحلي يؤكد: يجب تحسيس المواطنين بضرورة المشاركة في الانتخابات    ميدالية ذهبية للجزائرية نسيمة صايفي    الاتحاد الإفريقي يتبنى مقترحات الجزائر    رمز الأناقة والهوية ونضال المرأة الجزائرية    تسليم شهادات تكوين وتأهيل وتكريم باحثين    رتب جديدة في قطاع الشؤون الدينية    المولودية تُتوّج.. وصراع البقاء يتواصل    اتفاقية شراكة بين الجزائر وبلجيكا    الجزائر عازمة على أن تصبح مموّنا رئيسيا للهيدروجين    كارثة حقيقية تهدّد رفح    تأمين خاص يغطي مخاطر الكوارث الفلاحية قريبا    مراتب جديدة للأئمة أصحاب الشهادات العليا    بالتفاصيل.. المسموح والممنوع في بكالوريا 2024    هذا موعد أول رحلة للبقاع المقدسة    صادي و"الفاف" يهنّئان المولودية بعد التتويج    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    مباراة متكافئة ومركز الوصافة لايزال في المزاد    استعراض العلاقات التاريخية بين الجزائر وصربيا    ليلة بيضاء في العاصمة وزملاء بلايلي يحتفلون مع الأنصار    إعادة افتتاح قاعة ما قبل التاريخ بعد التهيئة    610 تعدٍّ على شبكات الكهرباء والغاز    وفاة ستيني في انقلاب سيارة    الدرك يطيح ببارون مهلوسات    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين جان دانيال وهيكل
نشر في الجزائر نيوز يوم 24 - 04 - 2010

منذ سنتين تقريبا تشرفت بالجلوس إلى مائدة الكاتب الصحفي الشهير ومدير ''لو نوفال ابسرفاتور'' الفرنسية، جان دانيال، بفندق الأوراسي بالعاصمة الجزائرية، وكانت الدعوة من صديقي الروائي أمين الزاوي صاحب ''صهيل الجسد'' الذي اقترح علي آنذاك المساهمة في زيارة صاحب ''ما تبقى من الزمن'' إلى الجزائر··
وكان إلى جانب الروائي أمين الزاوي، حرم دانيال المتقدمة في السن، ورئيس الحكومة الأسبق، رضا مالك، وهو رفيق قديم لجان دانيال، تعرفا على بعض إبان حرب التحرير الجزائرية في الخمسينيات بتونس، يوم كان رضا مالك يشرف على جريدة ''المجاهد'' لسان حال جبهة التحرير الوطني·· وكانت مناسبة قدوم جان دانيال إلى الجزائر، صدور كتاب عن صديقه الروائي المثير للجدل والسجال اللذين يكادان لا ينتهيان، ألبير كامو·· سألت جان دانيال إن كان بكتابه الأخير لا ينوي القتل المجازي للأب كامو... صمت لحظة، وكأنه يريد أن يتأمل في السؤال، إن كان بريئا أو يحمل في طياته إشارات خفية تتعلق بصاحب ''الطاعون''، الذي تحول إلى نوع من الإيديولوجيا الجديدة في الميديا الفرنسية في مواجهة السارترية واليسار النقدي على يد المحافظين الفرنسيين الجدد، الذين انقلبوا على ماضيهم اليساري وأصبحوا مرتبطين بعجلة اللوبي اليهودي في فرنسا، من أمثال فنكل كروت آلان وغلوسمن وبرنارد هنري ليفي·· ثم قال لي : ''كامو لا يقتل ولا يمكن أن يقتل حتى وإن ذهب ضحية حادث سيارة!''. ثم أضاف.. ''إن الزمن أثبت أن موهبة صاحب الغريب، كانت فوق ما عشناه كجيل من صراعات سياسية وإيديولوجية.. وما يأخذه عليه السارتيريون الجدد واليساريين التقليديون من غموض وتذبذب تجاه الثورة الجزائرية، أو قل من انتصاره لأمة فرنسا على حرب الجزائر سوف يطويه الزمن مع انطفاء جذوة الراهن الصاخب، بحيث لا يبقي من أثر إلا صوت الخلود والموهبة التي تجعل من الإنسان الروح الساري والمتسامي الذي يقهر إغراءات الانتماء وغوايات السياسة''··· كانت تبدو على ملامح جان دانيال وهو يتحدث إلي كالهامس، علامات الزمن التي تبوح لك أن هذا الرجل يتجاوز سن الثمانين لكن يحرص على الثبات وعلى مقاومة الشيخوخة وشبح الأفول··· تدخل رضا مالك وراح يفتح ذلك الكتاب السري المشترك بينهما، وشرعت الأسماء تبدو على ألسنتهما وكأنها تنبعث في ذلك المساء الهادئ وشبه الساحري الذي أضفت عليه الأضواء الخافتة حالة من الشاعرية الحية، فشمل الحديث جان بول سارتر وفرانز فانون والكاتب التونسي، اليهودي الأصل، ألبير ميمي، والكاتب المناهض للاستعمار صاحب البشرة السوداء، إيمي سيزار·· التزمت الصمت ورحت أتابع ذلك الحديث الذي كان يتدفق بهدوء وسلاسة وحكمة فرضتها ضرورات السن وثقل التجربة، لينتقل الحديث إلى قضايا الشرق الأوسط وفقدان القضية الفلسطينية إلى رجل نادر، يدرك بتجربته وحنكته كيف يوائم ويجمع في لحظة واحدة بين الشيطان والملاك··· ثم لف المائدة صمت وجيز، ونظر جان دانيال إلى صديقه رضا مالك بعد أن حدثه بصوت مسموع عن الجلسة التي جمعته لساعتين مع صديقه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقال : ''أشعر ببعض التعب'' ثم اعتذر للحضور ليصعد رفقة زوجته إلى غرفته بالفندق.·· ولست أدري وهو يغادرنا محييا لماذا تذكرني تجربته وطريقته في التعاطي مع الأحداث وصانعيها بكاتب صحفي، أعتبره أسطورة حية إلى يومنا هذا، وهو الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل·· إنهما يشتركان في نقاط كثيرة، لقد عاشا نفس التاريخ على صعيد اللحظات الكبرى، وعلى صعيد الرجال، فكلاهما كانت له علاقاته مع ملوك ورؤساء ومناضلي وكتاب زمنه الكبار·· وكلاهما اهتم بالشرق الأوسط وقلب قضيته الصراع العربي الإسرائيلي، وكلاهما كتب بشجاعة وحكمة ودراية عن تجاربه مع كبار ساسة العالم، سواء في أمريكا أو أوروبا أو آسيا أو العالم العربي·· لكن بالإضافة إلى التجربة المشتركة بين الرجلين، فإن حسنين هيكل تفوق على زميله، أن حيويته وكتاباته ومواقفه قادته إلى السجن في الأيام الأخيرة من عهد السادات، وقد كتب بشجاعة عن السادات بعد خروجه من السجن، وبعد اغتيال السادات، كما كتب عن إسرائيل وأصدقائه العرب بنظرة ثاقبة تجاوزت القيد الأمريكي والأوروبي الذي كان يريد فرض سلام بأي ثمن على العرب·· وتفوق حسنين هيكل على زميله في مواجهة الزمن وقهر الشيخوخة، وذلك إلى جانب استمراره في الكتابة واختراقه التلفزيون من خلال حصة بعنوان ''تجربة عمر'' على قناة الجزيرة·· وكان هيكل من خلال حصته التي استغرقت سنوات ولا تزال إلى يومنا هذا، فعلا عبارة عن ظاهرة وأسطورة إعلامية حية·· وتتمثل هذه الأسطورة في قوة ذاكرته وقدرته الفائقة على سرد التفاصيل، وحيويته من حيث الإقناع وتسجيله موقفه تجاه مستجدات الأحداث المتسارعة والمفاجئة··· وأثبت هيكل وهو يروي لنا شهادته عن عصر وقرن مضى، أن الرجل لم يفقد حسه النقدي والإستشرافي لما يمكن أن يحدث في الزمن القادم!
نشرت يوم 15 فيفري 2010م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.