معسكر: مجازر 8 مايو 1945 محطة تاريخية مهمة مهدت لاندلاع ثورة التحرير    طاسيلي للطيران: توسيع شبكة الرحلات الداخلية عبر خطين جديدين نحو الجنوب    بشار.. إحباط تهريب أكثر من 22 ألف قرص مهلوس وتوقيف 4 مهربين    صدور القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية في الجريدة الرسمية    بمبادرة من الجزائر, مجلس الأمن يدعو إلى فتح تحقيق مستقل حول المقابر الجماعية في غزة    هزة أرضية بقوة 3 درجات بولاية الشلف    المختبر المركزي لشركة "سيال" يحافظ على اعتماده طبقا لمعايير "إيزو 17025"    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الجمعة بالنسبة لمطار الجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية : نعمل على تطوير البلاد على أسس صحيحة وبوادر الإقلاع الاقتصادي بدأت في الظهور    رسالة من سلطان عُمان إلى الرئيس تبّون    هكذا تُصان السيادة الوطنية..    عرقاب يلتقي نائب الرئيس التركي    الزيادات في منح المتقاعدين غير مسبوقة    قطاع الري سطّر سلم أولويات لتنفيذ البرنامج    فاتورة الاستيراد تتقلّص    ممثلو الجالية يُثمّنون قرار رئيس الجمهورية    تصويت الجمعية الأممية على مشروع قرار بشأن فلسطين: مكسب سياسي يعطي زخما أكبر للعضوية الفلسطينية    تأخّر لعدة سنوات: فلاحون يثمّنون قرب الانطلاق في إنجاز سد واد لزرق بخنشلة    وزير العدل حافظ الأختام يؤكد: على المحامين تحقيق الأمن القانوني و القضائي جذبا للاستثمار    وزير خارجيتها عقب استقباله من طرف رئيس الجمهورية: سلطنة عمان تتطلّع إلى المزيد من الازدهار في علاقاتها مع الجزائر    الرابطة المحترفة: مهمة معقدة تنتظر الرائد وصراع الوصافة عنوان الجولة    الفيلم عرض بقسنطينة بحضور صناعه ونجومه    توّج بثاني ألقابه في أوروبا: عمورة أفضل عربي في الدوري البلجيكي    مجلس أعلى للصحافة هو الحل..!؟    ملتقى إعلامي جهوي حول تصدير التمور    دعوة المحامين لتدعيم الأمن القانوني جذبا للاستثمار    منتخبنا لأقل من 20 سنة يحرز9 ميداليات جديدة    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف    تبادل وجهات النظر حول مستجدات القضية الفلسطينية    تخرج 71 طالبا من بينهم 32 من جنسية إفريقية    آفاق واعدة للنشاط المنجمي بفضل تجند الكفاءات الوطنية    فلسطين ستواصل مساعي الحصول على العضوية بقرار من مجلس الأمن    سكيكدة..حديقة إيكولوجية لمواجهة "تغوّل الإسمنت"    "أونروا" تطالب بوقف إطلاق النار واستئناف المساعدات    البوليساريو تحصي مكاسبها في ذكرى التأسيس    مولوجي تفتح الآفاق أمام إبداعات المرأة    إقبال كبير على الفيلم الفلسطيني "معطف حجم كبير"    9 روايات في القائمة القصيرة لمسابقة "فواصل"    ورشة عمل حول المواضيع الابتكارية المقترحة    استئناف حجز تذاكر الحج لمطار الجزائر    انطلاق مشاريع صحية جديدة بقالمة    ظاهرة خطيرة تستفحل في مواقع التواصل    العائلات لا تولي أهمية لبرامج الرقابة الأبوية    ملتقى حول "التراث الثقافي المخطوط"    شبيبة القبائل - شباب قسنطينة    "فيفا" يتلقى تهديدا    ماكرون يمارس أقصى ضغط على ريال مدريد    حجز نحو 1 كلغ من المخدرات بحوزة ثلاثيني    معا لأجل حماية التراث الفلسطيني من التهويد    استحسن التسهيلات المقدمة من السلطات : وفد برلماني يقف على نقائص المؤسسات الصحية بقسنطينة في مهمة استعلامية    دورات تكوينية لفائدة وسائل الإعلام حول تغطية الانتخابات الرئاسية بالشراكة مع المحكمة الدستورية    خنشلة.. انطلاق الحفريات العلمية بالموقع الأثري قصر بغاي بداية من يوم 15 مايو    المعرض الوطني للصناعات الصيدلانية بسطيف: افتتاح الطبعة الثانية بمشاركة 61 عارضا    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من إلى•• ماذا حدث؟
نشر في الجزائر نيوز يوم 02 - 08 - 2010

قراءة في رواية ''جبل نابليون الحزين'' للكاتب شرف الدين شكري
دأب المهتمون بالأدب الجزائري على تقسيمه ارتكازا على اللغة إلى قسمين: المكتوب بالعربية والمكتوب بالفرنسية، ليتفننوا في رسم معالم أحدهما دون الآخر، بل ويذهب البعض إلى اعتبار اللغة الفرنسية عاهة أصابت ثقافتنا لظروف تاريخية، مهملين أن لها كل التأثير في وجداننا: ألا تقرأ أجيال - منذ الاستقلال - باللغتين؟ ألم تنقل الترجمة عن الفرنسية مضمون وروح الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية ؟ ألا تمتلئ المقررات المدرسية في كل الأطوار بأدب هؤلاء وغيرهم؟ وهل أفلحت ''غنيمة الحرب'' في إبعاد كتاب اللغة الفرنسية عن قضايا وطنهم؟ بل غالبا ما استطاعت نقل أدق تفاصيل جزائريتهم '' معاناتهم، بل وأكثر من ذلك استطاع الكتاب الجزائريون باللغة الفرنسية أن يطوعوا هذه اللغة بحيث كانت شوكة في حلق استعمار متوحش يدعي الديموقراطية فكشفت عن ازدواجية مبادئه وخطابه·
إنما يسعى البعض إلى طمس هذا الدور لأسباب أو أخرى قد نجمع على أنها لا تعني الأدب، ولا يمكن لها أن تسيج تأثر اللغة وتأثيرها في هوية شعب يتحدث بعض مصطلحاتها معتقدا أنها عربية!
من هنا ألج إلى تتبع خيوط رواية ''جبل نابليون الحزين'' للمبدع الجزائري شكري شرف الدين الصادرة - في طبعة أنيقة - عن منشورات فيسيرا 2010 بوصفه من الكتاب الجزائريين الذين يتعاملون مع هذا الإرث دون خيوط العقدة أو النقيصة· وهي رواية ترصد في 109ص الواقع الجزائري انطلاقا من النتائج التي آل إليها منذ أحداث 1988 غير متجاهلة تلك اللحظة التي لم تولد دون جذورها التاريخية والاجتماعية على لسان صحفي شاب عايش مرحلة التقتيل والدمار بدءا من حياته طالبا جامعيا ساخطا على أوضاع جاهزة، وإلى انخراطه في العمل الصحفي الحر هو وزوجته رفيقة مشروعه '' ضحية آلة التقتيل التي لا تسمع إلا صوتها، كيف لا وهي تسعى إلى إغراق هذه الأرض في الجهل والتخلف وأحادية التفكير والرؤية؟
عبر زمن جزائري محض، ينتقل بنا شرف الدين من الصحراء إلى قسنطينة، وكأنها الرحلة التي لم يدونها مالك حداد، وهو يقطع المسافة العكسية إلى التاسيلي· وهي الرحلة التي رافقت فيها روح مالك حداد خطوات الروائي الذي أراد من خلال وفائه لمبدع جزائري آمن به أن يؤكد أننا مطالبون بإعادة النظر في كثير من المسلمات في ثقافتنا وهويتنا بعيدا عن الخطب والشعارات·
من إلى ··· ماذا حدث؟
ماذا تقول الأمكنة في زمن جزائري ألغى كل علاقة بالماضي و الحاضر؟ مصرا على الوجود في صورة دموية··إنها عشرية كاملة من الفجائع الجزائرية الدامية بدأت بالموت ولكنها لأمل ما لم يشأ لها الكاتب أن تنتهي إليه وذلك من خلال هذه الطفولة الجميلة التي ولدت في غمرة الموت البشع والقتل· وقد ولدت معها أشياء ليس من السهل التخلي عنها، كحرية الصحافة والتعددية الحزبية حتى وإن لم تنضج بالشكل الذي يجعلها بمنأى عن كل تهديد· إنها رحلة يمرّ من خلالها البطل عبر أزمنة كثيرة ومتباينة عبر ثلاث مدن بسكرة، باتنة، قسنطينة، مدن شاء لها شكري أن تكون أبعادا ثلاثة لهوية واحدة، أبعاد كأنما تقول رؤية جزائرية غير معقدة من ماضيها، وتقبله بعيدا عن شعارات سياسية تاريخية يؤكد شرف الدين أنها لم تعد تعني جيلا جزائريا كاملا، أو هو ينظر إليها من زاوية حضارية لا تغطيها الخطب الرسمية إذ يظهر لنا ذلك جليا من خلال تمثال الكاردينال لافيجري مبتور السبحة )من طرف غيور لا يحب نومة التاريخ الهانئة في محطة الحقيقة الأخيرة، بعد أن استولى لصوص السياسة على رموز البلد···( ) ص24( ·
وقد يخطئ بعض القارئين المنحازين لوطن رسمته الكتب المدرسية والسياسية في فهم هذا الرأي الجريء إنما سيتضح الأمر عندما نفتح هذا القوس لنقرأ )لم يعلمونا كيف نحترم الحقيقة، بقدر ما علمونا كيف نشيح بأوجهنا عنها، ونقبل بكل ما يعرضونه علينا كحقيقة ناجزة) وهكذا وبكل ثقة يقول البطل في نفس الصفحة: ''الكاردينال كان مجرما، و لكنه كان حقيقة··· وليس علينا أن نهرب من الحقيقة وخصوصا تغييرها أو العيش دون ظلالها'' ص26
إن ''جبل نابليون الحزين'' رواية الزمن الجزائري الجديد ··· تحمل أدبا ذي روح جزائرية حاول شرف الدين شكري أن يكون له أصيلا خالصا للأدب والحقيقة· رواية تتوغل في واقعنا وتحاول تفكيكه بالوقوف على أسباب ما وصلنا إليه من بشاعة عبر الحديث عن التربية، عن التعليم، عن الجهل، عن الفساد الذي طال كل الحياة الجزائرية وعن وضع المرأة، فكان طبيعيا أن نصل إلى هذه المرحلة التي يغيب فيها الحوار وقبول الاختلاف، ويصبح القتل هو اللغة الوحيدة·
وفي هذه المحاولة لتفكيك المجتمع، يبدأ شكري من تاريخ 88''10''05 ويضع حوادثه في إطارها العالمي والداخلي ليكشف خدعة النظام وأكاذيبه في تعبئة أجيال انتهت لواقع جعلت أحلامه سرابا لا يوفر له لا العمل ولا التكافؤ الذي ابتلعته الأيادي الخفية لمرتزقة الدماء·
بذكاء فني جعل شكري بعض المقاطع الصغيرة تقول عشرات الأحداث، ففي أول الكتاب سيتعين بمقطع من بادية الظلمات لعبد الرحمان منيف، ليحيلنا إلى تلك الجزائر البعيدة، هناك وراء ذلك الجيل الذي صار حزينا وقد فشل نابليون '' الاستعمار أن يربطه بطريق البحر- الذي هو بعد انغلاق حضارتنا - بوابتنا إلى الانغماس في الحضارة الحديثة التي فشلت في أن تصنع
حداثة ادعتها أو من خلال تلك الاستدراكات عن الفن عما يجب أن يكون والذي يريد الصحفي الخارج من الجحيم أن يحمي به ابنه كما وعد زوجته وكل من مات ضحية لآلة القتل·
وإن كانت الرواية تقطع تلك المسافة بين مد الحاضر وجزر الماضي فهي تنحاز إلى المستقبل محاولة طي آلام الماضي البعيد والقريب عبر لغة ذات مستويات متعددة من الشاعرية، والتحليل العقلي للوقائع وإن كانت - في رأيي - تحليلات لم تخرج عما فرضه الخطاب الرسمي· لعل الكاتب تبناه باعتباره تنويريا من خلال معاداته لآلة الانغلاق والنكوص التي فرضتها وحشية التقتيل وفرض الرأي الواحد ولا يمكن لنا إذ ذاك أن نؤاخذه عن رأي تبناه وإنما لنقول إنها ليست القراءة الوحيدة لهذه الحقيقة· إن جبل نابليون الحزين تأريخ للحظة جزائرية ومواجهة لحيثياتها وملابستها بعيون جديدة وبروح تحرر الأدب الجزائري من تلك اللغة الصحافية، ومن عبوديته سواء للأدب المشرقي أو الفرنسي· إنها امتداد طبيعي لأدب جزائري غير معقد من جدول اللغة الفرنسية الذي أمدّ روحه برؤى عميقة، جعلته يتميز بهذه الخصوصية في أن يملك هذين الوجهين: العقل والشاعرية · فقد استطاعت ''جيل نابليون الحزين'' أن تثبت أن الأدب الجزائري لا يمكن إلا أن يكون جزائريا بأي لغة كتب وبهذا يقول شكري شرف الدين: لماذا هذا التضخيم لمسألة فنية بحتة؟ وهو من أحب مالك حداد وأسكنه جوانبه وروحه فلا يجد في محاضرة ألقاها حرجا من التصريح : ''أن الكتاب لا يغيرون العالم'' كأنما يهمس في أذن هذا الأديب العظيم : لماذا يا مالك وقعت في فخ شوفينية اللغة والوطن ؟ كان عليك أن تثق في أننا لن نحاسبك لأنك كتبت باللغة الفرنسية، فيكفي أن تكون مرجعيتنا وصانع وجداننا بحسك و عبقريتك وصدقك·
فبجيل نابليون الحزينب هي وفاء لتلك الأوردة من الأدب الجزائري التي ميزته بروحها ذات الأبعاد الغربية سواء بلغتها الشاعرية أو بصورها البعيدة عن صور تقليدية مكررة عن الرمل، و النوق، إنها روح أدب جزائري جديد متفتح على حساسياته يرفض الانغلاق والموت في صمت الماضي·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.